نحو فهم سليم للزهد../عبد الله سيدي محمد
الاثنين, 22 يوليو 2013 15:48

 

altفي فطرة الناس - كل الناس - انجذاب نحو "الطين"، وحاجة إلى شهوات زينت لهم! ليس هذا عيبا في حد ذاته، لكن الذنب المعيب هو الاستغراق في هذه الشهوات، والانجذاب إلى ذلك الطين حد التلطخ.

(1)

جاء الإسلام.. ويوم جاء كان إنسان الأرض يعيش أسوأ حالة سقوط في الدرك الأسفل من الجهل والجاهلية، و عبادة الغريزة والشهوة؛ تسول له نفسه قتل أخيه فيقتله دون أدنى شعور بالذنب! و يغريه شيطانه بإثم فيرتكبه ويزيد..

سنين عددا و حال البشرية هذه.. حتى منّ الله بجذوة نور من عنده.. أشرقت بها النفوس المظلمة، واطمأنت القلوب الحيرى، وانتعشت أرواح طالت شكواها من صدئ القيد. لم يزد النبي صلى الله عليه وسلم الناس حينها على أن كسر الحواجز بينهم وبين فطرتهم السليمة: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، أزال ركام الجاهلية عن تلك الفطرة، كسر أغلال الشرك والخرافة التي تطوقها، وأطلق للإنسان حرية سمت به عن عبادة كلما سوى الله الخالق.. حتى هوى النفس التي بين جنبيه (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه؟!).

 

(2)

من اليوم الذي يستهل فيه صارخا، تولد مع الانسان، وتنمو معه حاجة إلى شهوات زينت له: "من النساء، والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث". قد يختلف مستوى سعي الناس وراء هذه الشهوات، نوعا وكما.. لكن المشترك بينهم يقينا هو حظ مكتوب على كل واحد منهم، من حب هذه الشهوات والسعي وراء امتلاك المتاح منها..  لم يأت الإسلام ليقضي على ذلك الحب في الإنسان، أو يقمع ما يترتب عليه بشكل مطلق، أبدا! إنما جاء فقط – كما قال سيد قطب – ليدعو الناس إلى "معرفة طبيعة (هذه الشهوات) وبواعثها، ووضعها في مكانها ولا تتعداه، ولا تطغى على ما هو أكرم في الحياة وأعلى. ...والتطلع إلى آفاق أخرى بعد أخذ الضروري من تلك الشهوات، في غير استغراق ولا إغراق".

إنه دين الفطرة يسمو بالإنسان كله روحا وكيانا . يفسر له أسئلة الوجود الكبرى، ويشرح له كيف يحيى حياة مطمئنة، ويريه أين يضع شهوته في حلال وله أجر.

 

(3)

أدرك الرعيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الحياة الدنيا وشهواتها، فسموا بأنفسهم عن الاغترار ببريقها الزائف، وزهدوا فيها حق الزهد،  لا لأنها لم تتح لهم.. أو لم يمكنهم الله منها، بل على العكس، فقد فتحت لهم خزائن الدنيا، وبسط الله لهم من خيرها، ولكنهم لم يمكنوا الدنيا من أنفسهم، ولم يتركوها تملكهم، وتستغرق عليهم حياتهم، وقد غرس النبي صلى الله عليه وسلم في قلوبهم قناعة راسخة أن "الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة"، وأنها للمؤمن وسيلة يستعين بها على خلافة الله في أرضه، لا غاية يعبدها من دون الله؛ فـ"نعم المال الصالح للرجل الصالح"، و"لا حسد إلا في اثنتين..!".

وقد سئل الإمام أحمد ابن حنبل: أيكون الإنسان ذا مال و هو زاهد؟  فقال: نعم! إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه.

وفي نفس المعنى قال الحسن البصري: ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال، و لكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك، و أن تكون حالك في المصيبة، و حالك إذا لم تصب بها سواء، و أن يكون مادحك و ذامك في الحق سواء.

      (4)

رمضان مدرسة يتعلم فيها كل مؤمن كيف يحكم نفسه بنظام، يسمو بها، ويحررها من قيود الجسد؛ يجعلها تكتشف قدرتها على "إدارة" شهواتها، وتصريفها التصريف السليم. فمن أراد أن يتعلم الزهد (غضا طريا.. كما أنزل!) فليتعلمه في رمضان.

ما أحوجنا في دنيا الشهوات هذه!، وفي عالم يجمع سكانه المال بجشع، وينفقونه في شح!.. إلى تدارس هذا المعنى التربوي العظيم في ضوء التحديات المعاصرة، وما أحوجنا إلى إحياء تلك النماذج الخالدة لأجيال من هذه الأمة، وعت هذا المعنى كما ينبغي، ورعته حق رعايته، فصنعت المعجزات.

 

 

نحو فهم سليم للزهد../عبد الله سيدي محمد

السراج TV