(الشك!!)/ أحمد سالم ولد زياد
الاثنين, 23 سبتمبر 2013 11:27

أحمد سالم ولد زيادلا أحبُّ الجدلَ؛ حتى الأكاديمي الرصين منه، وأحبُّ إلي منه أن أنظر في كتابٍ أو أسأل أشياخي وأهل الاختصاص عن المختلف فيه من الحقِّ..

ولا أظنُّ الحق يوصلُ إليه بالعقل وحده؛ لأن العقل يتأثر في طريقه إلى الحق بالمؤثرات وهي كثير، فيرى السراب ماءً طهورا، ويخال دلجة الليل نورا..!!.

لذلك؛ لا أبحثُ عن المخالفين لأجادلهم، وأظنُّ فعلي هذا من التي هي أحسن..!!.

وأخنع إلى الله كثيرا في الدعاء؛ ليقذف الحق في روعي قذفا..!!.

كثيرا ما يدعوني بعضُ الشبابِ على (الفيسبوك) ممن يرون وَرمي شَحما –جزاهم الله خيرا وهداهم- إلى نقاشٍ أو جدال.. فأعتذر عن المشاركة في تلك النقاشات..

كان سيدُ العقلاء، وأعلمُ العلماء، أميرُ المؤمنين، عليُّ ابن أبي طالبٍ –كرمه الله ورضي عنه- يوصى بنيهِ ألّا يطلبوا البراز من أحد؛ وإن دعائهم أحدٌ كائنا من كان إلى البراز أجابوه. وما ذاك إلا لأن الله ساعة إذْ سيؤيدهم على الباغي الصائل؛ بنصر مؤزرمبين، وهم من هم..!!.

ونصرُ الله أحبُّ إليَّ من البغي والصولة الموجبين للخذلان..!!.

وكانَ مالك –رضي الله عنه- يقول للذين يفترضون مسائل لم تقع؛ فيسألون عن أحكامها : (دعوها حتى تقع!). ولو أن النقاشَ كانَ معي بَدءًا دون أن أتعرض له؛ لما تلكأت عنه ولا انثنيتُ، ولبذلتُ فيه قصارى جهدي حتى أُبَيِّنَ ما أُراه من الحق أو أعذر.

وإنه إن وقع لي دونَ تشوف له ولا تشرف إليه؛ فسيلهمني الله ما أرد به عن دينه!.

وأنا لا أحبُّ القدومَ على أرض الوباء، ولا وباء أضرَّ من الجدال في الله وآياته.

وقد قال مالك –رضي الله عنه- لمتَعاقِل متحذلق يشك ويشكك في الله ويجادل فيه : (أنتَ شاكُّ.. فاذهب إلى شاكِّ مثلك).

أنا -بحمد الله- لم أعد شاكا..!

ولقد جربتَ الشك ولم يوصلني لشيء.. وقد لا زمتني وسواسه زمنا حينَ كنتُ أقرء لكتابٍ شاكِّين أو مُشكَّكينَ أو مُشَكِّكين..!!.

لقدْ كنتُ أدخلُ المكتبة وحدي وأنا غرُّ يافع؛ فأمدُّ يدي إلى أي كتابٍ فأقرأه، وقد يكونُ الكتابُ فوق مستوايَ العقلي ساعتها؛ فلا أفهم كلّ ما فيه، فيفتحُ عليّ قصور فهمي ذاك؛ نافذة من شك، أتألمُ بسببها زمانا؛ ظنَّا أني كفرتُ..

أذكر ذلك المساء بوضوح حين قرأتُ قصة معنوة بـ(رسالة إلى الله)، لقد خفق قلبي بشدة وأنا أقرأها.. وكلما مررتُ بكلماتٍ لا تليق بعظمة الله ارتعشتُ بشدة!.

لقد تعودتُ بعد ذلك على ذلك النوع من الحوارات التي تجري بين أبطال قصص إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وغيرهم..

بسبب ذلك؛ تراكمتْ الأسئلة المشككة على قلبي الصغير؛ كما تُراكمُ السَّوافي الرمال على جادة الطريق فتردمها، إلى أذن الله أن تمتد يدي الصغيرة مرة أخرى إلى مجموعة أخرى من الكتبِ أُغرمَ بها أخي خديم رسول الله، وجدتها مرصوصة على نفس الرفوف، وهي كتب الفكر الإسلامي، ككتب الغزالي والقرضاوي ومحمد قطب والبوطي وغيرهم...

تبين بعدَ قراءتي تلك الكتبُ النيرة؛ أن كثيرا مما اعتلى عقلي من الرَّان اختفى فجأة كما تختفي الخفافيش عند انبثاق الفجر..

لكنَّ منها أسئلة وشكوك ظلت لاطئة بقلبي إلى أن تنفس فيه الصبح وعرفتُ الطريق إلى المسجد..

وحين عرفتُ متعة قيام الليل وذقتُ حلاوة ظمأ الهواجر..!!

غير أنها كانت كالوسواس القهري كلما تركتُ علاجها أو تكاسلتُ فيه؛ عادتْ أشدَّ مما كانت..

وكُلَّما قَلَّت عباداتي وأذكاري؛ تحرك الشيطان ليسأل أسئلته تلك : (من خلقك؟.. من خلق الله؟...)

قد يبتسمُ أحدهم ساخرا، فيقول : (ذلك لأنك كنت كالنعامة، تردم رأسها في الرمل، هربا من مواجهة الأسئلة بعقل وفكر!).

سأنتقم منه سلفا لأقول : (أنت أيضا كالذي تُعصبُ عيناه في رابعة النهار بخرقة سميكة ثم هو بعد ذلك يقول : (الشمسُ لم تشرق اليوم!). ولن أستطيع أنا أبدا أن أصف لك حقيقة النور الذي أرى؛ قبل أن تَفتحَ أنت عينيك، مع أني أعرف تمام المعرفة أنّ النور جِدُّ ساطع!!).

تبينَ لي بعدُ بنصِّ الحديث الصحيح الصريح أن من الشكِّ ما هو صريح الإيمان. وتبينَ بالسبر والاستقراء؛ أن منه ما هو قلة عقل وفهم، وأن منه ما هو خبلٌ يصيب العقل، فيعالج بالأدعية المأثورة والرقى. ومنه -أيضا- ما يعالجُ بالطبّ النفسي والعقاقير كتجلِّ من تجليات "الوسواس القهري"..!!.

وكم من مخبولٍ ظنَّ نفسه أعقل العقلاء، فضلّ وأضلَّ وزين له الشيطان عمله!!

لأجل ذلك؛ أطلبُ من كُلّ داعية أوتيَ فصل خطاب، أو مفكر أوتي فضل بيان ساق الله إليه رجل ضال أو شابِّ مضلل، فأراد أن يهديه الله على يديه؛ أن يتلطف حتى يعرفَ من أي الأنواع التي ذكرتُ سقمُ صاحبه. فمن الخطير جدّا أن نخاطب المثقف الناضج الشاكِّ خطاب مراهقٍ لم تكتمل بعد مداركه العقلية ولم تتوسع..

المراهق غالبا يسعى للفت الإنتباه، وإثبات الذات، وقد قيل :خالف تعرف.

هي أهداف يمكننا أن نحققها له بعيدا عن الإلاهيات والمقدسات..

والعاقل الحصيف يستطيع الأخذ بيده سحبا، أو أن يسوقه سوقا لطيفا إلى حيث يريد.. دون أن يثير نعرته، أو أن يجرح رجولته الحساسة، ورجولة المراهق هي دائما حساسة أكثر مما نتصور..!.

وقد قلتُ "بعيدا عن المقدسات".. ولا أعني بها غير المقدس.. فكثيرا ما نقدس نحنُ أفهامنا للأشياء أو أفهامَ علماء في أمور هي محل اجتهادٍ وبحث، فنصبغها صبغة القطعي المقدس..!!.

حبذا أن نلتزم مع الملاحدة طلاب الحق منهم والمتعنتين آداب الحوار وأخلاق الإسلام فيه، وحذار من السبِّ والشتم؛ فإنهما شرُّ وسيلة لشرِّ نتيجة..!!.

وحبذا لو تركانا أمرَ جدال التّائهين إلى من أوتي فهما في ذلك وسعة علم، فكم من طيب النية أو قع نفسه في ورطة يوم أراد جدالا هو لا يحسن الغوص فيه..!!.

للمناظرة أخلاقٌ وآداب؛ نحنُ أولى بالالتزام بها من غيرنا، وإنها اليوم علمٌ يدرس، لا يعذر خاض في هذا النوع الخطير من الجدال في جهله..!!.

قال لي صديق : (لقد مكثتُ سنة لا أؤمن بالله؛ ثمّ اهتيدت) قلتُ : إن إيمانك اليومَ أقوى من إيمان الأكثرين وأفضل؛ لأنه من كسبك، وأنت وصلتَ إليه، ولم ترثه كباقي المقتنيات التي وصلتك من أبيك، كاسمك ولغتك ووطنك...

فعليك أن تحمد الله كثيرا على أنك جُزْتَ طريق الشك بسلام.. فكثيرون ماتوا وهم يتخبطون في ظلمات مهامهه وقفاره..!!.

(الشك!!)/ أحمد سالم ولد زياد

السراج TV