سنة الله في المكر والماكرين/رمضان الغريب
الأحد, 06 أكتوبر 2013 12:00

altalt

 

* ضعف الماكرين علاماته ودلالاته

إن الماكرين ضعاف, مهما ملكوا القوة والتزوير, ومهما أمعنوا التلبيس والتضليل, ومهما سيطروا على الإعلام الكاذب, وسخروه لمصلحتهم, ووجهوه لصنع غير الحقيقة, ومهما سعوا إلى تكميم كل فم يعارضهم؛ لأنهم لا يقبلون النقد ولا يقوون على المواجهة الحرة النزيهة, والخصومة النبيلة, وشرف الخصومة.

والدلالة اللغوية لمادة المكر تؤكد ذلك, والواقع المعيش يؤيده ويسنده, يقول علامة العصر الشيخ الشعراوي يرحمه الله: (المكر: مأخوذ من التفاف الأغصان بعضها على بعض التفافاً بحيث لا تستطيع إذا أمسكت ورقة من أعلى أن تقول هذه الورقة من هذا الفرع؛ لأن الأغصان والفروع ملفوفة ومتشابكة ومجدولة بعضها مع بعض. والماكر يصنع ذلك لأنه يريد أن يلف تبييته حتى لا يُكشف عنه، ومادام يفعل ذلك فاعلم من أول الأمر أنه ضعيف التكوين؛ لأنه لو لم يعلم ضعف تكوينه لما مكر لأن القوي لا يمكر أبداً، بل يواجه، ولذلك يقول الشاعر:

وضعيفة فإذا أصابت فرصة قتلت كذلك قدرة الضعفاء

والضعيف عندما يملك فهو يحدث نفسه بأن هذه الفرصة لن تتكرر، فيجهز على خصمه خوفاً من ألا تأتي له فرصة أخرى، لكن القوي حين يأتي لخصمه فيمسكه ثم يحدث نفسه بأن يتركه، وعندما يرتكب الخصم حماقة جديدة يعاقبه.

إذًا, فلا يمكر إلا الضعيف.. والحق سبحانه وتعالى في هذه المسألة يتكلم عن المجرمين من أكابر الناس، أي الذين يتحكمون في مصائر الناس، ويفسدون فيها ولا يقدر أحد أن يقف في مواجهتهم.)

وفي ضعفهم هذا طمأنةٌ للمؤمنين الصابرين الصامدين, أن مكر هؤلاء إلى زوال مهما عظم واشتد, وأن الله (تعالى) يمكر لأوليائه مكرا يليق بجلاله, وشتان بين قدرة الخلق وقدرة الخالق, كما يظهر من الآية الكريمة أن مكر هؤلاء المجرمين عائد إليهم ومنقلب عليهم, بتلك الصورة الحاصرة, (وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون).

والمتأمل للقرآن والواقع يدرك لماذا يمكر هؤلاء ولماذا يطّرد ذلك في كل أمة من الأمم ومع كل رسالة وإصلاح (إنها سنة جارية أن ينتدب في كل قرية - وهي المدينة الكبيرة والعاصمة - نفر من أكابر المجرمين فيها، يقفون موقف العداء من دين الله. ذلك أن دين الله يبدأ من نقطة تجريد هؤلاء الأكابر من السلطان الذي يستطيلون به على الناس، ومن الربوبية التي يتعبدون بها الناس، ومن الحاكمية التي يستذلون بها الرقاب، ويرد هذا كله إلى الله وحده.. رب الناس.. ملك الناس.. إله الناس.

إنها سنة من أصل الفطرة.. أن يرسل الله رسله بالحق.. بهذا الحق الذي يجرد مدعي الألوهية من الألوهية والربوبية والحاكمية, فيجهر هؤلاء بالعداوة لدين الله ورسل الله ثم يمكرون مكرهم في القرى، ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً, ويتعاونون مع شياطين الجن في المعركة مع الحق والهدى، وفي نشر الباطل والضلال، واستخفاف الناس بهذا الكيد الظاهر والخافي..

إنها سنة جارية ومعركة محتومة, لأنها تقوم على أساس التناقض الكامل بين القاعدة الأولى في دين الله - وهي رد الحاكمية كلها لله - وبين أطماع المجرمين في القرى, بل بين وجودهم أصلا.

معركة لا مفر للنبي أن يخوضها، فهولا يملك أن يتقيها، ولا مفر للمؤمنين بالنبي أن يخوضوها وأن يمضوا إلى النهاية فيها.. والله سبحانه يطمئن أولياءه.. إن كيد أكابر المجرمين - مهما ضخم واستطال - لا يحيق إلا بهم في نهاية المطاف. إن المؤمنين لا يخوضون المعركة وحدهم فالله وليهم فيها، وهو حسبهم، وهو يرد على الكائدين كيدهم: {وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون} فليطمئن المؤمنون!)

وفي نص القرآن على إصابة المجرمين الماكرين ببعض العقوبات في الدنيا والآخرة تناسب عجيب, وتلطف بقلوب عباده الممكورين بديع: (فالصغار عند الله يقابل الاستعلاء عند الأتباع، والاستكبار عن الحق، والتطاول إلى مقام رسل الله.. والعذاب الشديد يقابل المكر الشديد، والعداء للرسل، والأذى للمؤمنين.)

2- والآية الثانية التي تعد عمدة في قضية سنة الله في الماكرين هي قوله تعالى: (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّت اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّت اللَّهِ تَحْوِيلًا), فاطر:43.

ومن العجيب في آية فاطر تلك أن لفظ السنة فيها ورد ثلاث مرات, مفتوح التاء, وهذا يدل على الوقوع في السابق وما وقع يقع وما حدث يحدث, فالزركشي في "البرهان" له كلام بديع في الفرق بين التاء الممدودة والمقبوضة, ( فهذه الأسماء لما لازمت الفعل صار لها اعتباران أحدهما من حيث هي أسماء وصفات وهذا تقبض منه التاء, والثاني: من حيث أن يكون مقتضاها فعلا وأثرا ظاهرا في الوجود فهذا تمد فيه كما تمد فى قالت وحقت, وجهة الفعل والأمر ملكية ظاهرة وجهة الاسم والصفة ملكوتية.... ويدلك على أنها بمعنى الانتقام قوله (تعالى) قبلها ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله, وسياق ما بعدها

فهو يرى أن الممدودة إشارة إلى أن هذه السنة طبقت ووقعت في عالم الناس وأن المقبوضة قدرية لم تنزل ولم تطبق, وتلك من روائعه, ومن طمأنات الممكورين المقهورين الذين مكر بهم أكابر المجرمين واستعملوا معهم أكذب التهم وأقبح الأوصاف, حتى يحملوا الناس على بغضهم وعدم رحمتهم إذا نزل بهم مكر هؤلاء الماكرين, ولكن ربك بالمرصاد.

ومعنى الآية الكريمة: (فَهَلْ يَنْتَظِرُ هؤلاءِ المشركونَ إِلاَّ أَنْ يُنْزِل الله بِهِم نِقْمَتُه وَعَذَابه جَزَاءً لَهم عَلَى كُفْرِهِم، وَمَكْرِهِم، وَتَكْذِيبِهِم رَسُول رَبِّهم، كَمَا أَنْزَلَ نِقْمَتَهُ وَعَذَابَهُ بِمَنْ سَبَقَهُمْ مِنَ المكذِّبينَ؟ وتِلْكَ سُنَّةُ اللهِ في كُلِّ كَافرٍ مُسْتَكْبِرٍ مُكَذِّبٍ، ولا تبديلَ لِسُنَّةِ اللهِ، وَلا تَحوِيلَ لها، فَلَنْ يَجْعَلَ الرَّحْمَةَ موضعَ العذابِ، ولنْ يُحوِّلَ العَذَابَ مِنْ شَخْصٍ إِلى آخرَ.)

 

سنة الله في المكر والماكرين/رمضان الغريب

السراج TV