دعائم الأخوة فى الاسلام ... ضرورة بناء المجتمعات/أولاد عبدالله مرزوق
الثلاثاء, 08 أكتوبر 2013 15:32

altaltإن إعلاء قيمة الإخاء بين الأفراد والجماعات فى المجتمع، يرسخ نوعا من التلاحم والتناغم والمحبة والشعور بأواصر الروابط المتينة التى تعلو فوق الانتماءات العائلية أو القبلية أو القطرية، بحيث يصبح الكل يخضع  للميزان الذى وضعه المولى جلت قدرته فى محكم تنزيله لينظم به العلاقة بين المواطن وأخيه المواطن وبين الأسرة والأسرة الأخرى وبين الشعب والدولة ليعيش الجميع فى كنف هذه المبادئ أخوة متحابين تحت الرعاية والعناية الإلهية.ولقد دستر القرآن الكريم منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرنا من الزمان هذه العلاقة الأخوية بين المؤمنين جميعا وبين أبناء الوطن الواحد وعلى مستوى الأمة بأكملها فى قوله تعالى: " إنما المؤمنون إخوة " وهذا يعني أن القرآن الكريم قد  دستر القيم التى ينبغي أن يسير عليها أبناء المجتمع الواحد على وجه الخصوص والأمة بأكملها على وجه العموم، وهل هناك دستور أعظم من الدستور الإلهى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم  "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" .

وقد عرض القرآن الحكيم لكثير من معاني الأخوة ومضامينها، وفى السنة النبوية الشريفة ووقائعها، فهما أصل الأصول، ومصادر النور، ليس وراء حجتهما حجة، ولا مع دليلهما دليل، فنصهما هو القاطع، وقولهما هو الفصل، فهما أحق بالتدبر وبالاتباع، والحق أحق أن يتبع . إن الأخوة فى الإسلام  تقوم على حقوق وواجبات لا ينهض بها إلا النذر اليسير من الناس فى زماننا هذا، علما بأن هذه الأخوة هي التى تنبني  عليها المجتمعات وتصان وتحمى بها، وتصنع من أبناء الوطن الواحد جسدا ونسيجا واحدا متلائما متسقا متناسقا ومتناغما، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالوقوف إلى جانبه ومواساته والتلطيف مما حل أو نزل به، ليبقى جسم أبناء الوطن الواحد قويا متلاحما يعضد بعضه بعضا، ليقوم بدوره فى تحقيق المصالح العاجلة والآجلة للفرد والجماعات والدولة  والأمة. لا بأس أن نذكر وأن نشير الى أن أول عمل قام به نبي الإسلام بعد هجرته من مكة إلى المدينة، أن آخى وألف بين المهاجرين والأنصار والمؤمنين جميعا حتى بلغ ذالك حد التوارث بينهما كما يروى، وقد ألغى هذا التوارث بينها فيما بعد، وبقيت أواصر المحبة والأخوة والتناصر والتضامن تجمع وتوحد بينهما فى حركة سيرهما فى الحياة وهو ذالك الموقف الذى سجله القرآن الكريم وبلغ به درجة الأثيار. ولأن المجتمع  الحضاري الذي صنعه الرسول الأعظم محمد بن عبد الله على عينيه وينبغي علينا أن نتخذه نموذجا في حياتنا، يقتضي أن يتسع  للجميع، لأبناء الوطن الواحد، ولأبناء الأمة الواحدة، ولغير أبناء الأمة الواحدة، يحمي الجميع، يلجأ إليه الجميع، يحنوا على الجميع، يأوى إليه الغريب ويحتضنه -، ولعل من المناسب أن أنوه بتلك اللفتة الحضارية والخطوة الكبيرة والعظيمة التى قام بها المغرب فى الآونة الأخيرة  فيما يخص المهاجرين والوافدين إليه والنزع إلى تقنين تواجدهم وحقوقهم  ببلادنا، لهي خطوة تستحق التقدير والاحترام لما تحمله المملكة المغربية الشريفة من رؤى إنسانية وحضارية خالصة اتجاه الإنسان كل الإنسان، بصرف النظر عن اللون والدين والجنس والعرق، وهي خطوة ليست بالغريبة عن الشعب المغربى الذي يتصف بالكرم وحسن الضيافة، وحتى يصبح المغرب ملاذا آمنا لكل من استجار به، وطلب حمايته، - يخلوا من الأحقاد والأضغان ينصهر الجميع فى بوتقته، تعلوا مصلحة الأوطان على مصلحة الأفراد الزائلة، يجتمع فيه الجميع من أجل إعلاء راية الوطن، التي فى ظلها ينعم الأفراد بالأمن والاستقرار. يتنافس أهله في الإحسان إلى بعضهم البعض، فى ظل طوارئ الحياة وتقلباتها. وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم فى حياته الشريفة بين ظهراني أصحابه، يعلمهم ويوجههم ويرشدهم إلى هذه المبادئ العليا السامية، ويأخذ بيدهم إلى واقع السلوك والعمل، فكانوا بذلك وبحق دعاة الخير والبناء ورسل الهداية والأخوة.  ولتدعيم الأخوة بين المواطنين عموما والمسلمين عموما ينبغى اعتماد النهج الذى يساعد ويرسخ وشائج الأخوة وتفعيلها من خلال المنظور الإسلامى والحضاري:  -  تفعيل التواصل بين أبناء المجتمع الواحد والأمة أيضا على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم وأفكارهم، وقال صلى الله عليه وسلم " من أكرم أخاه المؤمن فإنما يكرم الله "" وإكرام المؤمن التواصل معه واحترامه وزيارته والسؤال عنه لوجه الله لا يريد من ذلك جزاءا ولا شكورا.   -  إحياء السلوك الإسلامى  فى تعاملاتنا مع بعضنا البعض، إحياء لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستجابة لذلك، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضيلة زيارة الأهل والإخوان.  -  العمل على تأليف القلوب وتليينها، بالتقريب بين الإخوان والخصوم تأليفا  للقلوب، وإحياء للمحبة القرآنية، وإدخال السرور والمحبة  والود على أخيه المواطن، وقد قال النبي الأكرم "....وإن مثل المؤمن كمثل الكفين تغسل إحداهما الأخرى، لا بد لها منها ". رابعا:  إخلاص النية لله فيما يقوم به  ويرنو إليه من الإصلاح  والتقريب بين الخصوم وأبناء الوطن الواحد. لعل الله أن يوفقه فيما يصبو إليه، وتسخير النفس لخدمة الله والمجتمع والأوطان. خامسا: تقديم النصح عطاء وأخدا رجاء محبة الله، واستنصاح أخيه المؤمن أو أخيه المواطن فيما يعينه على شؤون حياته الدينية والدنيوية وحفظ الأوطان.  إن الإخاء يقتضي من المواطن الإيجابي أن يحرص على قدسية  حياة أخيه، وكرامته، ومكانته، وأحاسيسه وشعوره وأن يحزن لحزنه، وأن يفرح لفرحه، ينبغي أن يتقاسم أبناء المجتمع الواحد وشائج الإخاء والمحبة، يتقاسمها المؤمنون والمواطنون فيما بينهم مناصرة وتعاضدا، وارتفاقا، فلا يكمل إيمان المؤمن إلا إذا جعل من هذا الحب الأخوي ميزانا لا تميل إحدى كفتيه إلى جانب واحد. وحينئذ يرتفع من البين، "أنا" "وأنت"، "ولي ولك"، ويحل محلهما أنا، وأنت، فى الآمال والأحلام، فى البناء والتشييد،     فى الرخاء والشدة، فى اليسر والعسر، فى الرحمة والمودة، فى العطف والرفق، فى الحياة والتعمير، ضد الفوضى والهدم والتدمير والتخريب، نعم معا جميعا  لنبني وطننا، فالمواطن في وطننا وفي  مجتمعانا أخو المواطن، فى المواطنة وفى الدين والمصير والإنسانية. معا جميعا لنشيد مجتمع المحبة والسلام، لا يعرف الكراهية والتغالب، ينبذ الحقد والتباغض، والتظالم والتهالك، معا لنقيم مجتمع العفو والصفح، ومقابلة الإساءة بالإحسان، ننهج نهج الحق والخير والهدى والنور، ومعا لنبني قلوبا تفهم، وتعرف الخير، وبناء العقول التي تعقل والقلوب التى تفقه، وأبصارا ترى نور الهداية، والتطلع إلى بناء مجتمع ينمو فيه الحب والصفاء، والتطلع إلى جو نقى هادف. إن مجتمعاتنا تحتاج إلى أواصر الأخوة الإيمانية، وسياسة متأنية، وإصلاحه يتطلب الإيمان، والإيمان قوة روحية عارمة، والتعقل والحكمة والرفق، والحزم. ومعالجة الأمور بالتي هى أحسن وأقوم، يذهب الجميع وتبقى الأوطان إلى أبد الدهر. هذه المؤاخاة بين أبناء الوطن الواحد، أو بين الأمة الواحدة أو بين أبناء الإنسانية جميعا شريعة، من لدن حكيم عليم وهي عموم الرسالة الإسلامية زمانا ومكانا وجيلا, ألا يعلم من خلق وهو اللطيف  الخبير. إن التطبيق الواقعي للمبدأ "المؤاخاة " أو إن شئت التلاحم بين أبناء الوطن الواحد، أو الأمة الواحدة، كما عاشها ورسخها الرسول صلى الله عليه وسلم، ومبدأ الأخوة، كما أشار إليه القرآن الحكيم، نقطة تحول فى حياة البشرية والمجتمعات وفى نفوس المواطنين والقادة، ومن بيدهم زمام الأمور والمعنيين بالأمر، وقد كان الحب الأخوي بين المؤمنين أساس المؤاخاة والأخوة التكافلية والاجتماعية. إن الموروث الإسلامي حافل بصور مشرقة من معاني الأخوة الصادقة والمؤاخاة.  إن الاعتصام بمنهج الرسالة  المحمدية، وبمنهج المؤاخاة كان أقوى عوامل القيادة فى غمرة الحياة، فعلينا أن نستفيد من موروثنا فى معالجة الأمور، وفق هذه المبادئ التي كانت ولا تزال ملئ سمع الزمان فى مجال التطبيق الواقعي، لعلها  تسهم في التوجيه والترشيد أو  في  تسهيل  وحل  ما استعصى حله، ومن يدرى لعل فيها الشفاء لكل داء، وما أنزل الله  داء إلا وضع له دواء علمه من علمه وجهله من جهله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.  إن التآخي (الإخوة) فى الإسلام - أو في الأخوة الإنسانية العالمية -  ينبغي أن يتحول إلى التآخي في التوجه وفي المصالح، وفي المشاعر وفى التضامن وفي التكافل، وترجمة ذلك عمليا وعلى أرض الواقع المعيش. لكي لا تبقى هذه القيم والمبادئ حبرا على ورق. أو في المصادرالإسلامية والمراجع المتراكمة عبر التاريخ الإسلامي، أو في التنظير الديني - في الخطب وعلى المنابر-، والفكري والخطابي والإعلامي، بل علينا كمواطنين قدر المستطاع  أن نحولها جميعا إلى ترجمة عملية، لننتقل من القول إلى العمل ومن التنظير إلى التطبيق وأن تصبح ثقافة حضارية  نعمل جميعا  كل في موقعه وحقله وميدانه واهتماماته على غرسها فى النشئ والكبار معا. إن هذه المعاني الأخوية الرفيعة تعامل بها أجدادنا وأسلافنا القدامى الذين حرصوا كل الحرص على  الالتزام بمنهج الإسلام  فى الحياة، - والاستفادة من النظم الأخرى والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها - وبالاعتصام بحبل الله، لأنه فيه الحياة والنجاة  والملاذ لكل من اعتصم به "ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم "، وبهذه المعاني خدموا دينهم ووطنهم ومجتمعاتهم وشعوبهم، حتى صاروا نماذج يشار إليهم بالبنان، ويقتدى ويحتذى بهم فى دنيا الناس. ينبغي أن نعلم وأن نتيقن  أن ترسيخ مبدأ  التآخي فى نفوس المواطنين والنشئ والناس عموما هو المخرج، وهو السبيل الوحيد لمجابهة التحديات، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى ما فيه الخير والصلاح وفي ذلك فليتنافس المواطنون.

دعائم الأخوة فى الاسلام ... ضرورة بناء المجتمعات/أولاد عبدالله مرزوق

السراج TV