بعد 5سنوات من رحيل بداه.. تلامذته يحيوون ذكراه |
السبت, 15 مارس 2014 20:58 |
أنعش عدد من تلامذة ومحبي الإمام بداه ولد البصيري ندوة نظموها بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيله.وأجمع المتحدثون في الندوة على تيز الإمام بداه بالزهد والوسطية والاعتدال والقدرة على الصدع بالحق لا يخاف في الله لومة لائم مع تمام القرب من كل الناس قادة ومقودين.وقد توزعت الندوة على محاور عن موسوعية الإمام، ومجالات تجديده، ودعوته، وجوانب شخصيته.... بداه ولد البصيري الإمام الموسوعي: كان أول محاور الندوة عن موسوعية الإمام بداه ولد البصيري، وقدمه تلميذه: محمد يسلم ولد محفوظ، وقال فيه : "إن كل الناس كانوا شهودا على موسوعية بداه، لكن السؤال الأهم كيف كان بداه عالما موسوعيا؟ فكثيرون درسوا كما درس بداه بن البصيري لكنه كان متميزا.وسيرة الإمام بداه بن البصيري تذكرنا بسيرة مالك بن أنس رحمه الله تعالى في التربية والزكية والتوجيه.أسباب وأسرار تميز بداه بن البصيري: وعن أسرار تميز الإمام بداه عدد ولد يسلم ما يلي: 1- التربية: لقد تربى بداه بن البصيري في بيئة ربانية تهتم بالتزكية والتربية، تربى بين شيوخ مهتمين بالتربية والتزكية، فتخلق بأخلاقهم، ونافسهم في فنهم من تربية وتزكية وتعليم.فلم يأخذ شيخ بداه في القرآن ومعلمه الأول الأجرة على دراسته، لأنها لم تكنن تكلفه جهدا، كما لم تكن العبادة تكلفه جهدا، فقد روينا من سيرته رحمه الله في قيامه الطويل في الليالي الباردة، ووضوءه الدائم وصيامه الدائم، ولا شك أن هذا النوع من التربية والتزكية يفتح الله على صاحبه من المعارف ما لا يفتح به على غيره ممن نلم يتزك هذه التزكية؛ وقدوته في ذلك مالك الذي أرسلته أمه ليتعلم من أدب ربيعة قبل علمه، فكان بداه كذلك، لذلك ييسر الله الله له العلم والعلم. 2- علو الهمة والتوفيق: لقد أعطاه الله من علو الهمة، ما جعله يطوف بأغلب مشايخ البلد، فلم يبق شيخ يشار إليه إلا أخذ عنه. فمن مشايخه الشيخ يحظيه بن العبد الودود، ومم بن عبد الحميد في اللغة العربية، والتاه بن يحظيه شيخه الذي لازمه طويلا. أما شيخه الذي كان يفد إليه من بعيد لينهل من تربيته ويتزكى من رؤيته، فقد كان ذلك هو العالم الرباني الشيخ أحمد بن أحمذي، فقد كان يقول: "عندما تضعف همتي للعبادة أذهب لابن أحمذي آخذ من دله وسمته وعبادته ودعوته وتربيته. فقد كان من علو همته كما علمنا أنه كان يسأل الله تعالى أن يرزقه الإمامة في الدين، وأن يعطيه مسجدا يقيم فيه الدين، ويكون إمامه ويدرس فيه، وعندما مر بهذه المنطقة في حي رحل، ورأى مسجد لكصر هذا علم أنه مسجد لكصر الذي كان يسأل الله أن يعطيه إياه....كما كان يسأل الله تعالى أن يرزقه الحج المبرور فحج الإمام بداه رحمه الله في السفن عبر البحر من السنغال.وظل كذلك يسأل الله أن يرزقه من العلوم والمعارف حتى فتح الله عليه في علوم الحديث والتفسير وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب يبحث عن هذه الكتب التي لم تكن موجودة في المحاظر، ومما فعل إذ ذاك أنه أرسل عجلا ليشتري به كتاب "نيل الأوطار" وغيره من الكتب؛ لذلك كما يقول لما تبصر ذهب يبحث عن العلوم الشرعية وتفرغ للتدريس. 3- التأليف والتدريس: كان مدرسا متنقلا قبل محظرته الحديثة في نواكشوط، وكان يدرس في الخيمة، وكان طلابه كثيرون، فلما وجد مسجده أقام فيه، فظل يدرس العلوم، ويؤلف الكتب التي لم تكن في الفترة التي عاش فيها مع العلماء.فدرس علوم التفسير والحديث ولم تكن تتدرس هنا.الشيخ الموسوعي، لا يشك أحد أنه حصل جميع المعارف التي كانت تدرس في البلد وزاد عليها من علوم الكتاب والسنة ما لم يكن يعرف هنا. مجالات التجديد عند الإمام بداه: حول هذا المحور تحدث د. الشيخ محمد الأمين ولد مزيد مذكرا بالحديث: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة من يجدد لها أمر دينها"، وبما قاله المحدثون في شرحه من تعدد التجديد، وكونه لا يكاد يجتمع بكل أركانه في كل مجدد غير عمر بن عبد العزيز، وبنى على ذلك قوله: "إذا قلنا إن الإمام بداه مجدد فهذا لا ينفي التجديد عن أي أحد آخر".وأضاف: لقد جدد بداه في مجال العقيدة، وفي مجال الفقه وفي مجال الدعوة، وفي مجال التعامل مع السلطة.وقد ركز ولد مزيد في عرضه على التجديد في جانبه الفقهي فقال:لما جاء بداه أعلن التعامل مع الكتاب والسنة فقها وعملا، وكان يرجع كل الأمور للدليل والراجح فيها، وكان يجد من أئمة المذهب من ذهب إليه، واعتمد على الكتب المسلمة من علماء هذه البلاد.وقد ألف في هذا المجال: "القول المفيد، في ذم فادح الاجتهاد وفادح التقيلد"، ولقد كانت الوسطية من ملامح شخصيته التجديدية المميزة. فكانت عودة عادلة إلى الكتاب والسنة لا تظلم الفروع، ولا تغمص العلماء حقهم، كما كان يستند في دعوته لأقوال علماء هذا القطر مثل قوله في بعض أنظامه: ثم الجمود عنه قد نهاكم محمد اليدالي ما ألهاكم وقد سلم كتاب بداه "أسنى المسالك في أن من عمل بالراجح ما خرج عن مذهب الإمام مالك" أغلب علماء هذا البلد"، كما قال ولد المزيد. بداه الإمام الداعية: وقد أنعش هذا المحور الوزير أحمد فال ولد صالح ، فقال: "إن بداه جسد الدعوة في كل حياته، ويمكن ان نقول عنه كما قال أهل البصرة، لما جاء أعرابي وسألهم من سيدكم؟ فقالوا الحسن البصري، فقال: بم سادكم؟، فقالوا: احتاج الناس لعلمه واستغنى عما في أيديهم.كانت هذه الخصلة هي سر نجاح هذا الإمام في هذا البلد في دعوته، فالدعاة كثير والعلماء كثير والمربون كثر، واإلإمام كن له سر جعله يترك آثارا كثيرة في هذا المجتمع، جعله محبوبا مقبولا عند الجميع، وجعل دعوته أيضا عامة، فمن الناس من تكون دعوته في العوام، ومنهم من تكون في النخب والسادة، ولكن الإمام جمع بين ذلك، فعدعا القاعدة كما دعا القمة.ويصدق عليه قول سهل بن سعد الساعدي: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال علمني عملا إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال ازهد في الدنيا يحبك الله،وازهد فيما عند الناس يحبك الناس"، فإمامنا كان يتمثل هذا الحديث، وهي علامة حب الله للمرأ ووضع القبول له في الأرض.فقد كانت دعوته سارية ، ونافعة، فقد امتاز ممن امتازوا بهذه الخصلة.ينضاف إليها خصلة التواضع، لذلك كان أثره كبيرا وكان مؤثرا، وكان خيره منتشرا، فكان على ما يبدو "اجتماعيا" كأنه درس العلوم الاجتماعية، ولعل موسوعيته حوت علم الاجتماع، وعلم الاجتماع من أدرك منه شيئا استطاع أن يتعامل مع النفوس البشرية، والمجتمعات، واستطاع أن يتعامل معها؛ إذ البشر تنتشر فيه الأمراض الاجتماعية، والسياسية، والمرض يحتاج تشخيصا ومتخصصا وعلاجا، وطبيبا يتابع، وقد كان للإمام الحظ الوافر من إدراك نفسيات المجتمع، والتدرج معه في الإصلاح، وإعطاؤه الدواء جرعات متفاوتة، تناسب المرض.فمن الأمراض ما يحتاج علاج سنة، أو سنتين أو أكثر، ومنها ما يكون علاجه كالغذاء دائما لأصحابه، لكونه مزمنا، فكذلك أمراض المجتمعات النفسية، والأخلاقية، والسياسية، في الغالب مزمنة، وتحتاج العلاج الدائم، والمثابةر والصبرة، وإلى خبير وعالم، والشيخ سيرته أهلته لذلك، ولذلك كان أثره الإصلاحي والتربوي لهذا المجتمع كبيرا. كانت دعوته عامة، وللناس جميعا، وكان يسع الجميع بأخلاقه بعلمه، بإدراكه، كان الجميع ينتظركلمته، وقد كنت أقرأ اليوم بعض الكتب، والمدونات لبعض زعماء هذا البلد، فقرأت في آخر كتاب صدر مذكرات أحد الرؤساء، (الرئيس هيدالة) أنه عندما استلم الحكم، جاءه الإمام فطلب منه تطبيق الشريعة، فرد عليه: "عندما أرى الفرصة لذلك"، فلم نجد بدا من أن نقرر ذلك القرار سنة 1983.فيقول خلال أسابيع، انتقصت الجريمة انتقاصا كبيرا، ووجدنا أن من يقوم بهذه الجرائم أكثره ليس من أهل هذا البلد، ولذلك كان بداه يطالب في كل جمعة بتطبيق الشريعة، وكان يدعو المجتمع كلها قاعدة وقمة حتى ترك هذا الأثر الكبير، وهذه الثروة العلمية التي كان يحدثنا عنها أحد المشايخ.وفعلا كان رحيله خسارة، أسأل الله أن يرحمه، وأن يعوض هذا البلد عنه خيرا". بداه.. وتعامله مع الناس: وحول هذا الموضع تركزت مداخلة الشيخ محمدالحسن ولد الددو التي قال فيها : "الشيخ بداه بن البصير يجمع بين الرمسية والشعبية، يجمع الأطراف التي يظنها الناس متناقضة، كان سلفيا في العقيدة، ويأخذ بتربية مشائخه من أهل حبيب الرحمن.كان يسير والطريق مخوفة، ولم يكن غيره كذلك. وقد حدثني بما فتح الله عليه به من علم الحديث والأدلة، ومنها قضية الجامع الذي سكن فيه، وبث فيه علمه، وكان يسأل الله أن يعطيه ذلك المكان لمدة 13 سنة. وقد وجدها غرفة طين، يصلي فيها باعة الأغنام، فأرسل إلى الأحياء يجمع كتبه واستقر هناك. ومن الغريب فيه أنه أب لكثير من الناس على مختلف توجهاتهم، فما كان الناس يحكونه عن الشيخ ملعينين، وما بينهم من خلاف مع طلاب الطريقة، يقول لطلاب المحظرة، لماذا تنافسون هؤلاء العباد الزهاد؟ ويقول إذا انصرفوا: لتلامذة الطريقة: لو أنكم عبدتم أعماركم لن تبلغة مد أحد هؤلاء ولا نصيبة.كان يظن كل قادم إليه، أنه ليس أحد أحب إليه منه، وأن له علاقة خاصة به، وقد كان بداه كأبي بكر ينزل الناس منازلهم، ويعرف معادنهم، وكلهم يخاطبه بما يناسبه. ومن غريب حياته، زهده في الدنيا وتواضعه لله تعالى، ومخالطه للناس ومباسطته لهم.وبعض من يسمعونه يقول: أنتم لا تعرفون وأنا أعرف، وأنا الخطيب وأنا الإمام، فقد كان في قمة التواضع، والزهد والخوف.وقد رزته في آخر حياته بعد منتصف الليل، فأخذ يدي وبكا بكاء شديدا، وقال كما قال شيخه أحمد ابن أحمذي:علمني كتابه، أكرمنيأحمده أحمده علمنيأسأل الله أن يخلفه في هذه الأمة بخير، وأن ينفس كروب الأمة وينصرهم على أعدائهم، وأن يديم على هذه الأمة علمائها وينصرها". بداه الإمام الزاهد: وحول زهد بداه تحدث الإمام محمد محمود ولد أحمد يورة ، فقال: "كل ما عندي في الموضوع تحدث عنه المشائخ، وما كان عندي خاصا جاء به كله الشيخ محمد الحسن بأفضل وأجمع مما كنت سأقول، إلا أنني أذكر من باب الملاطفات والتمثيل لما ذكره الشيخ من زهده، أنه كان عنده في مكانه المتواضع، "براك"، وكان يقول: "أنا لا حاجة لي في سياراتكم، لكن حبذا من يوصلني إلى مكاني كي أستريح" وكانت عنده كثير من الخنشات القديمة، وكان يسمي كل نوع منها باسم طبقة من الناس: فهذا للتجار، وهذا للحسن الثاني، وهذا للرئيس، وذاك للعلماء.... وهكذا يوزع الكراسي بتلك الخنشات الفارغة.وكان من يفهم طلابه الحياة فيقول للطلاب أترون أن جلستي هنا وصلاتي هنا ستتم لولا هذا الجندي المغبر الذي كان يحرس هذا البلد!، فهذا يدل على أهمية السلطة، وفكرة الدولة في فكر بداه. وكان عنده من الزهادة الشيء العجيب، وكان لكل الشعب، ومختلف مذاهبه ومبادئه وأجناسه، فكان كلهم إذا أصابته نكبة، يعلم أنه لا ملجأ إلا الله ثم بداه، فهو سيفرج تلك النكبة دون أن يمس بأمن الدولة، أو يثير فوضى.كان يخفف حماس الشباب، ويقول لهم ماذا ستفعلون لو وليتم مع الولاة والحكام، وكان يقول للحكام إن لقيهم: ماذا يضيركم لو وظفتم هؤلاء الشباب المتدينين الورعين.وقد قلت له مادحا: "فليتك يا مناي تعيش دهرا وليتك يا مناي تعود طفلا. وكلام المشايخ لن يكمل فضل بداه، وقد كنت قليل الجلوس معه، لأنه كان يرسلني في المهمات، ولكني كنت أفهمه كما أزعم". .شهادات وأشعار: وفي الختام أدلى بعض تلامذة ومحبو الإمام بداه بشهاداتهم حوله، فقدم الدكتور محمد محود ولد الصبار شهادته، وقدم الشيخ محمد ولد الدوَّ شهادة استظهر فيها خطبة للإمام مقدا فيها صوته نالت إعجاب الحاضرين، كما تقدم الأستاذ الدد محمد الأمين السالك بشهاداته للإمام، وأدلى بعض تلامذته ببعض أنظامه الطريفة، وقدم عدد من الشعراء قصائد قالوها فيه، منهم التقي بن الشيخ ، ومحمد فاضل ولد أحمذي ، الذي تحدث عن علاقة الإمام بشيخه الشيخ أحمد بن أحمذي، ويحي ولد عابدين ، وغيرهم من الشعراء والأدباء والتلامذة المخلصين. |