قبسات من الخلق العظيم ح1 ..أدب الحديث
الخميس, 20 يونيو 2013 18:37

بسم الله الرحمن الرحيم

القدرة على الكلام والبيان من أجل النعم التي أنعم الله بها على البشر وهذه النعمة من مقومات النجاح والتفاعل في هذه الحياة مع الناس بعضهم البعض وقد امتن الله بها على الإنسان فقال تعالى " الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان "  وبما أن هذا الإسلام شمولي بطبيعته لايترك أي أمر من أمور الناس إلا وجهه بتوجيهاته وأحاطه برعايته فقد وضع لهذا البيان المنعم به على الإنسان أدبيات وضوابط تضمن حفظه واستمراريته على النهج الأحسن والطريق الأقوم، وهذه العضلة (اللسان) التي تقوم بهذا الدور العظيم من التواصل وبحركة منها يرقى الإنسان إلى مصاف الصالحين وبحركة منها أيضا يتردى إلى أسفل السافلين اهتم بها الإسلام اهتماما بالغا فالذي ينظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ينجلي له ذالك بكل وضوح

 قال تعالى (لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نوتيه أجرا عظيما )

وأوصى جل وعلى عباده أن يختاروا من الكلام احسنه وأنفعه لئلا ينزغ الشيطان بينهم قال تعالى ( وقل لعبادي يقول التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا )

وفيما يلي سنحاول تلخيص بعض آداب الحديث التي جاء بها الإسلام

أولا: التفكير في أبعاد الكلام قبل النطق به

 ينبغي للمسلم أن يفكر في الكلام الذي سيتكلم ويفكر في عاقبته فإن كان الكلام خيرا تكلم به وإن كان شرا امتنع عنه وإن كان بلا فائدة أمسك عنه أما أن يتكلم بما جاء على لسانه فذلك ما لا ينبغي ولا يرتضيه العاقل لنفسه لأنه يعرض نفسه للزلل ويقحمها في الخطر

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إن العبد ليتكلم بالكلمة بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب "  رواه البخاري ومسلم

وفي حديث معاذ رضي الله عنه " وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم "

فالإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يحصد يوم القيامة ما زرعه في الدنيا

وحتى أن الإسلام جعل الكلام بالخير والصمت عن فضول الكلام من علامات الإيمان " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت "

يقول حسن البصري رحمه الله ـ كانوا يقولون : " إن لسان الحكيم من وراء قلبه ، فإذا أراد أن يقول رجع إلى قلبه فإن كان له قال وإن كان عليه أمسك، وإن الجاهل قلبه في طرف لا يرجع إلى قلبه ما أتى على لسانه تكلم به "

ثانيا: التثبت من صحة الكلام قبل التحدث به

إن عدم التثبت في الحديث ربما أدى إلى مفسدة عظيمة تتجاوز المتحدث إلى السامع بل وتتجاوزهما إلى المجتمع لذلك جاء الإسلام بالحض على التثبت في الخبر حتى لا يصير المسلم بوقا من أبواق نشر الشائعات والمضللات ومالا أصل له من الكلام

قال تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر ولفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)

وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )

وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كفى بالمرء كذبا ان يحدث بكل ما سمع"

وكم من أمور بسيطة صارت مهولة ومعقدة بسبب عدم التثبت في الحديث

ثالثا: البساطة وعدم التكلف في الكلام

العاقل هو الذي لا يقبل أبدا أن يزور نفسه ولا أن يتصنع ما ليس فيه فلا تراه يتصنع الفصاحة في كلامه ولا يتكلف في حديثه حتى يصير كلا على الآذان ولا تتقبله الأذهان بل إنه يتكلم على سجيته وطبيعته من دون تكلف ولا تعسف وقد كان القدوة صلى الله عليه وسلم يتكلم بكلام فصل لا هزر ولا نزر ويكره الثرثرة في الكلام والتشدق به أي التكلف والتصنع.

رابعا: المخاطبة على قدر الفهم

ينبغي للمتكلم أن يتكلم بالأسلوب والطريقة التي يفهمها المخاطب لا أن يتكلم بالطريقة التي يفهمها هو، فعليه أن يخاطب الناس من واقع ظروفهم وبيئتهم وثقافتهم فلا يشعر من أمامه بالدونية في الثقافة والفكر

يقول علي رضي الله عنه " حدثوا الناس بما يعرفونه أتحبون أن يُكَذَبَ اللهُ ورسولُه"

وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال " ما انت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة "

خامسا: إقبال المتحدث على الجلساء جميعا

وذلك من أدب الحديث حيث يقبل المتحدث على مستمعيه جميعا فيوزع نظراته وابتساماته وحواراته عليهم جميعا وذلك من هديه صلى الله عليه وسلم فكان إذا تحدث إليهم ظن كل واحد منهم أنه أقربهم إليه منزلة وأكثرهم حظا منه صلى الله عليه وسلم وذلك من شدة اهتمامه بهم جميعا

سادسا: الإصغاء التام إلى المتحدث

بمعنى أن ينصت المستمع إنصاتا تاما ليعي ما يسمعه

وذلك مما يزيد في رغبة المتحدث فيشعر بالاهتمام من قبل من ينصت إليه وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنما على رؤوسهم الطير

وكان صلى الله عليه وسلم ينصت إلى من يكلمه أو يسأله

سابعا: التحدث بدون دون خلل ولا ملل

  يلزم المتحدث أن يعطي الكلام حقه دون أن يختصر اختصارا يبتر الكلام بترا ويذهب بجماله وحلاوة معناه،  ودون استطراد يجلب الملل والكلل ويشتت الذهن ويشرد الفكر ومن أمارت الفصاحة والبلاغة أن يأتي المتحدث بالكلام على قدر الحاجة من اختصار مخل أو تطويل ممل

وقد روى مسلم في صحيحه عن جابر ابن سمرة رضي الله عنه قال " كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا " أي وسطا

ثامنا: عدم التناجي بين اثنين دون ثالثهما

الإسلام يحافظ على شعور المسلم نحو أخيه ويحرص على ان تظل أواصر المحبة ودواعي الأخوة والألفة قائمة بين الناس تزيد في علاقاتهم وتوثق الصلة بينهم لذلك نهى عن أن يتناجى اثنان دون الثالث فقد يظن أنهم يتحدثون في أمر من أموره وسرا من أسراه أو أنه ليس محل ثقتهم حتى يتحدثوا حوله إلى غير ذلك من الظنون التي تطوف بنفسه فيبقى لذلك أثرا نفسه

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه " متفق عليه

فعدم التناجي على الواحد خصلة عظيمة من خصال الإسلام ولديها الكثير من الدلالات وقد حرص السلف الصالح على امتثالها لما يعود على امتثالها من الخير والبركة والمودة بين الناس.

 هذا ما تيسر من تلخيص لآداب الحديث في الإسلام نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لها وأن ينفع بها وأن يتقبل منا أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

قبسات من الخلق العظيم ح1 ..أدب الحديث

السراج TV