التقويم الدعوي(2) مصادر معرفة أحوال الناس/ د.عادل الشويخ |
الجمعة, 13 ديسمبر 2013 14:04 |
وهي رسالة صدرت ضمن مجموعة رسائل العين، التي أصدرتها دار البشير للثقافة والعلوم عام 2004، ونظرا لتطاول العهد بها، وقلة وجود هذا النوع من الأعمال الدعوية على المواقع الموريتانية، يعيد السراج الدعوي اليوم نشر الرسالة راجيا من الله القبول، وللقراء الإفادة. روافد ثلاثة يعرف الناس وأحوالهم بطرق متعددة ، منها : شهادة الاستفاضة ، وهي ما ينتشر بين الناس، ومنها : طريقة الاختبار والامتحان ، ومنها : عملية التقويم بواسطة الجرح والتعديل ، وقد لخص شيخ الإسلام ذلك فقال: ( ومعرفة أحوال الناس تارة تكون بشهادة الناس، وتارة تكون بالجرح والتعديل ، وتارة تكون بالاختبار والامتحان)- . ولهذا فيمكن للدعاة أن يأخذوا بشهادة الاستفاضة إذا لم يكن لها معارض ، وهي الأصل في الحكم على الناس وأحوالهم ، ولا يستفصل إلا عند الحاجة التي يبنى عليها أحكام، فيمكن التفصيل ببعض الخصائص والاستفسار عنها عندما تدعو ضرورة التعامل، ومنها الانضمام ، أو إسناد مهمة دعويه له، وكلما زادت أهمية المركز الدعوى أو الولاية الدعوية كلما كان الداعي إلى الاستفصال أهم وأكثر ضرورة، وكذلك يمكن للجماعة المسلمة وأميرها أن تسلك طريق الاختبار والامتحان بواسطة التكليف بالمهمات الخاصة، وبمراقبة تنفيذ التكاليف الدعوية ، والنظر إلى الممارسات الدعوية للداعية، وكذلك فإن معرفة تاريخه خلال عمله من نوع من الاختبار بالممارسة ، ومع الأخذ بهذين الطريقين المذكورين يبقى المجال الثالث في عملية التقويم بجناحيها من الجرح والتعديل أحد الطرق المهمة، والذي لا بد من استعماله ، ولا غنى عنه ، وتظل دائرة التوثيق والتضعيف رحبة لولوج الدعاة فيها بالعدل والإنصاف والمنهجية.
ضوابط ... وموازين إن أهمية استعمال قواعد التقويم داخل الجماعة المسلمة تقود بالضرورة إلى وضع الضوابط الشرعية، والموازين العقلية المبنية على قواعد الشرع، واللازمة لإتمام العملية التقويمية على الوجه الأفضل ، والارتفاع بكفاءتها ، والاستفادة منها، دون الجنوح بها عن الحد الذي يخرجها عن الاعتدال، أو يتجاوز بها حدود الفضل والإنصاف، أو ينحرف بها عن المسار الصحيح، ولكي تصبح وسيلة شرعية صائبة وفق مقاصد التشريع العامة، ولكن تصبح وسيلة شرعية صائبة وفق مقاصد التشريع العامة، ويمكن استعمالها دون ضيق وتعسف، ودونما حرج وتكلف، من أجل خدمة مصالح الدعوة ما يرضاة الله تعالى.
احتكار بالمعروف رغم سبق الحديث بأن عملية التقويم قد يقوم بها عموم الدعاة ، إلا أن هذا محدود بعموم الناس، أو الذين هم تحت إشرافهم من جهة، وفي ظروف خاصة ، كالحاجة الماسة لذلك من جهة أخرى، وإلا فالأصل في عملية التقويم أن يقوم بها الأمراء، فهم يقمون بمجل العملية التقويمية لغرض معرفة الداعية وما يصلح له ، والمسؤول عن عمل ما أقدر من غيره على اختيار من يصلح معه لذلك العمل ، وبناء على هذا فاحتكار العمل التقويمي لطبقة معينة هو أولى، دفعا للمفسدة ، وغلقا لأبواب السوء ، وسد الذريعة على طرق النجوى، ومسائلك الغيبة ، والأمراء ، هم أشبه- في عملية التقويم – بعلماء الجرح والتعديل، فتقويم الرواة والحكم على روايتهم لم يقم بها كل عالم ، بل وامتنع عنها حتى بعض علما الحديث من أهل العلم به دراية ، أو من شراحة ونقلته ، ولم يضطلع بهذه المهمة الصعبة إلا جهابذة علم الحديث رواية، كالبخاري ومسلم والنسائي، وابن معين والدار قطني وابن حنبل والذهبي وابن حجر ، وإضرابهم من الأفذاذ. والسبب محاولة اقتصار العملية على الأمراء فوق أنها سداً لذريعة بعض المفاسد: أنهم أقدر على وضع العملية موضعها الصحيح، والالتزام بضوابطها، وكذلك غلبة الأمر بمعرفتهم الأوسع بعلوم الشرع والواقع، وما يستندون عليه من أدلة وقرائن وممارسات تمكنت منها عقولهم على مر الأيام، وفوق ذلك فهم أعلم بمقاصد الولاية ، ومقادير الحاجة إليها، والخصائص التي يبنى الترشيح على أساسها ، ومع ذلك فلا بد من الوعظ المستمر للأمراء بضرورة الالتزام بالخلق الإسلامي، وتذكر الضوابط الشرعية ، والشعور بالورع المستمر، من أصلاح البنة ، وحفظ اللسان أثناء عملية التقويم، تجنبا للإسراف، ومنعا للوقوع في المفسدة، التي فيها تفتقد المعادلة ، ويكون وزر الإسراف أكبر من أجر التقويم.
موازين في التقويم وهذه جملة ضوابط عامة ، وموازين ثابتة لعملية التقويم بنوعيها توثيقى والتضعيفي ، ثم يستل منها على وجه التفصيل مجموعة ضوابط لكل عملية، إذ أن مبنى التوثيق على الموضوعية وعد اللغة ،وضوابط التضعيف والجرح أساسها الآداب الإسلامية، والعدل والإنصاف ، كما أن هذه الضوابط تحتوي على كثير من المفاهيم التربوية ، وآداب الدعاة.
الإخلاص أولاً (1) أن يتحرى من يقوم بعملية التقويم ، الإخلاص في قوله ، وأن يكون التوثيق والتضعيف مقرونا بحب الأجر والمثوبة ، وأن يكون كلا من المدح والثناء أو الذم والنقد خالصاً لوجه الله تعالى غير مشوب بنية أخرى، كأن يكتسب من وراء ذلك مصلحة شخصية حتى ولو كانت صغيرة كاكتساب ود، أو عبارة مجاملة ، أو أن يحصل على شيء لنفسه، كما يجب أن لا يكون الذم من أجل استبعاد شخص أو محاربته لهوى جامع، أو رغبة ذاتية ، أو لخلاف في الرأي ، أو الحسد الطارئ ، إذ أن عملية التقويم يدار لها أن تكون خالصة حتى تؤتى ببركة ثمارها للدعوة ، كما يجب التذكر أن ذمة الله ورسوله تبرآن ممن رشح لمهة، وهو يرى غيره أصلح لها وليكن المقوم على انتباه عظيم أن لا يكون عمله في التقوم لإثبات قدرته في جزالة الرأي ، وأن لا يجعل العملية كنوع من الترف العقلي الذي يمارسه إذ أن فضول الآراء وجزالة العقول أزل لم تستعمل للخير كانت طامة على صاحبها ، واسمع قل الحسن البصري: ) .... وفضل الرأي إذا لم يستعمل في رضوان الله ومنفعة الناس قائد إلى الذنوب). وعلى المقوم التذكر دائما أن لا يلجأ للتقويم ما لم تدع حاجة إليه، وأن الأقوال من الأعمال ، والأعمال بالنيات ، وليعلم دائما أن أعراض المسلمين حفرة من حفرة النار، فكيف إذا كانوا من العلماء أو الصالحين ، وما أحلى قول ابن عساكر – وإن كان حول العلماء على وجه الخصوص – إذ قال: )الوقيعة فيهم بما هم منه براء: أمر عظيم ، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم ليفشي العلم خلق ذميم ، والاقتداء بما مدح الله به قول المتبعين من الاستغفار لمن يسقهم وصف كريم .... ). ولا بد من التذكر دائما قول المصطفى – صلى الله عليه وسلم – كما ورد في البخاري: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها ، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق).
يتواصل............ |