الرحمة من منظور مختلف
الجمعة, 07 فبراير 2014 02:49

altaltكثيرة تلك القيم التي تحجمت بسوء الفهم لسعة النصوص القرآنية، والنبوية، وعوامل كثيرة أخرى، قد نتعرض لها في مرات قابلة، ولكن من أبرز القيم التي انتقصت حدود تمددها برغم سعة الإشارات القرآنية والنبوية إليها: قيمة الرحمة محور البعثة النبوية يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وأشارت الآيات الكريمة إليها في عدة مواطن مشيرة إلى سعة معانيها.

وفي هذا السياق نبدأ بالقول: إن الرحمة عنوان الصلة بين الخالق جل وعلا والمخلوقات، فالله تعالى يفتتح قرآنه بالبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم»، ويصف ذاته بأنه: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، وفي هذا إشارة لطيفة إلى عموم الرحمة الإلهية للكون كله، ولذا قيل في تفسير الرحمن بأنه الراحم للخلق كلهم، بغض النظر عن طاعتهم ومعصيتهم، وأما الرحيم فهو بالمؤمنين رحمة خاصة منه بهم.

وعلى هذا يتأسس أن البعثة النبوية كانت رحمة للعالمين، يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، ويقول في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)، فكان اسم الرحيم من الله تعالى رحمة خاصة بالمؤمنين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بهم رؤوفا رحيما كذلك.

وعلى هذا الأساس نفهم مستويات الأخلاق في الإسلام، فهناك مستويان من حيث الطرف المتعامل معه من قبل المسلم، مستوى الرحمة الخاصة بالمؤمنين بعضهم وبعض، فيقول تعالى: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، ويقول تعالى: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وإما الرحمة العامة التي تشمل غير المسلمين، بل وكل المخلوقات يقول تعالى: (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، وهذا دال على أن الكفر ليس سببا لعدم التعامل بالرحمة مع الكافر، بل إن الرحمة بالكافر المسالم تظهر بكلمة البر، ومنه قوله تعالى في حق المسالمين من غير المسلمين: (أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)، فميز في حقهم بين مستويي البر والقسط، أي البر والعدل، والبر فضل بالمبادرة، والقسط هو العدل وتجنب الظلم.

وتأسيسا على ما سبق، فإن الشريعة كلها مدارها على الرحمة، فالعدل من الرحمة بالفرد والمجتمع، يقول تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)، وهي تنفي الكبر عن الإنسان، فالساعي لرحمة الله يتذكر ذنبه، وفقره لربه، فيرحم غيره، فقد شكا حذيفة رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حدة لسانه فأمره بالاستغفار، وبرأيي القاصر فالاستغفار يذكر العبد برأيي بذنبه فيتواضع للخلق، ويلين لهم.

وعلى هذا نعول، ونواصل، وحتى حينها ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

 

 

التوحيد والإصلاح

الرحمة من منظور مختلف

السراج TV