سلامة الصدر من الأحقاد وسعته/ذ. أحمد مارسو |
الثلاثاء, 11 فبراير 2014 23:53 |
ثم يقضي على قدرته الإبداعية بالتركيز على نعم الغير، كل ذلك يبدأ بغضب مذموم وثورة مؤقتة لم نلق لها بالاً، وكلمة ساءت صياغتها أو أسيئ فهمها لتقوم الدنيا وتقعد في عراك نفسي ثم عراك مادي ضحيته المحبةونتائجه التمزق والتفرقة، ولهذا أوصانا القرآن فقال{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال : 46]، وحتى نحقق حياة سعيدة بعيدة عن أمراض القلوب نحتاج جميعاً أن نشخص هذه الأمراض، ونتعلم كيف نتروض نفسياً لمواجهة المرض قبل التعرض له في الموقف، فإذا وقع عرفنا كيف نتعامل معه، وعرفنا كيف نتحاشى وقوعه بمعرفة كيفية استخدام الذات بدراسة أجهزتها المختلفة ومراقبة أدائها الوظيفي ليكون متقيناً ومحمياً بإذن الله تعالى من كل أمراض الصدور وحرائقها، وأمراض القلوب متنوعة وأخطرها، الغضب والحقد والحسد.. فالغضب: هو تصرف انفعالي يصدر رداً على موقف استفزازي، يفقد فيه الغاضب تعقله واتزانه، كأنه الوحش الكاسر الذي ينطلق من داخله ليدمر المواقف الإنسانية في واقع الحياة وعلاقتها المرتبطة بها في لحظات احترافية يفقد الغضبان فيها سيطرته على عقله ثم قراره ثم سلوكه ليكون في أضعف نقطة في المنحنى السلوكي،كل ذلك يدل على خلل واضح في قيادة الذات وإدارة الطاقات، ومع ذلك لا يستطيع الإنسان أن يعيش من غير الغضب حتى يمثل جزئية من تركيبته البشيرة، فالجميع يتذمر من هذه الطبيعة الآدمية التي تميل إلى قذف الشظايا الاحتراقية من آن إلى آخر حسب اختلال المواقف وحسب استجابة الإنسان لمثيرات الغضب. إن أصباك غضب أو أغضبك أحد فعليك بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وتغيير حركة الجسم بالوقوف أو الجلوس أو الاضطجاع وتغيير حركة الفكر فتتجه للعموميات ولا تغرق في التفاصيل التي تزيد من حدة الغضب وتغيير حركة الحال بالوضوء والاشتغال بالعبادة وتغيير حركة الخيال وقارن بين جمال الكاظم وقبح الغضب وتغيير حركة التقييم. فالكاظم قوي رابح والغاضب ضعيف خاسروتغييرحركة الموقف لصالحك واخرج من الموقف قائداً باستهدافك للتغيير، وكل هذا ينتج عنه: تحجيم قوى السلب في الذات، وحسن الظن بالطرف الآخر والتماس العذر للآخرين، والعفو عنهم والإحسان إليهم فتكوم أنت الرابح الآمن، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يُبْعِدُنِي مِنْ غَضِبِ اللهِ؟ قَالَ: "لَا تَغْضَبْ"[البيهقي في شعب الإيمان] وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ: «لَا تَغْضَبْ وَلَكَ الْجَنَّةُ»[المعجم الأوسط للطبراني] والحقد: مرض قلبي ناتج عن الغضب المذموم المكظوم والذي أهمل علاجه حتى تفاقم تدريجياً فتحول إلى حقد محتوياً على كراهية المحقود عليه والرغبة في التشفي منه فكراً ووجداناً، وسواء استطاع ذلك في حيز الواقع أم لم يستطيع فالحاقد قد حول حياته بيده إلى تعاسة محضة يحترق بمحتوياته الداخلية ومحقوده مستريح البال، وكثيراً ما يكون الحاقد مظلوماً مما تحفزه مشاعر الظلم للانقياد إلى دواعي الحقد غافلاً ذلك الحاقد أن علاج المواقف المعتلة لا يكون بإحراقها وإنما يكون بإصلاحها، فما الاحتراق إلا تشويهات علائقية تسبقها تشوهات فكرية ووجدانية في أطراف الموقف من حاقد ومحقود عليه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا [مسلم] وعن ابن عباس رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلاثٌ مَن لَم يَكُنَّ فِيه غُفِرَ لَه مَا سِواهُ لِمَنْ شَاء، مَن مَات لَا يُشرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، ولَم يَكن سَاحِراً يتَّبِعُ السَحَرةَ، ولَم يَحقِد عَلى أَخيه) [البخاري في الأدب المفرد] فلا تخرج بسبب الحقد إلى ما تعصي الله به كأن تستثقله في الباطن ولا تنهى قلبك عن بغضه، حتى تمتنع عما كنت تتطوع به من البشاشة والرفق والعناية والقيام بحاجاته والمجالسة معه على ذكر الله تعالى والمعاونة على المنفعة له، أو ترك الدعاء له والثناء عليه أو التحريض على بره ومواساته، فهذا كله مما ينقص درجتك في الدين ويحول بينك وبين فضل عظيم وثواب جزيل. والحسد: كلمة ينفر منها الجميع وتتثاقل الآذان عند سماعها لعظم الأذى المترتب عليها، ويتحول الحسد إلى مرض قاتل عندما يؤدي بصاحبه إلى الاعتراض على حكمة الله تعالى في توزيع أرزاقه فيتمنى زوال النعمة عن المحسود، لهذا كان الحسد مرض فتاك بالفرد والجماعات يعمل على إهدار الطاقات الإنسانية في ثقوب نارية تحرق الحاسد والمحسود والدوائر المحيطة بهم لتقضي على الأخضر واليابس. فالحاسد بدل أن يكد ويبذل السبب ليحصل على ما يريد يقع فريسة الشيطان لقتل كل طاقاته الخاصة به والميسرة له من خالقه تعالى للإبداع فيها والتي قد تميز بها دون الخلق كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلّ مُيَسّرٌ لما خُلِقَ له"[صحيح البخاري] وعن أبي هريرة، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:" إياكُم والحَسَدَ، فإنَّ الحَسَدَ يأكُلُ الحَسَناتِ كما تأكُلُ النَارُ الحَطَبَ - أو قال: العُشب" [أبو داود] وقال النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ وَهِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» [الترمذي ومالك وأحمد] وقال النبي صلى الله عليه وسم: لَا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد" [النسائي وصححه] فالقلب السليم المنيب هو الوعاء المناسب لاستقبال أفضال الله تعالى ومننه ليعكسها قوية مؤثرة في دوائر الاتصال مع النفس والإنسان الآخر والموقف والمنتج المراد عمرانه وإقامته لتكون الحصيلة عملاً رائعاً مفيداً، لذا كان علينا أن نهتم بالصحة النفسية لقلوبنا مثل اهتمامنا بالصحة المادية لجسدنا أو أكثر منه، لأن المرض البدني ينتهي بانتهاء الحياة، ولكن المرض النفسي القلبي يلحق بالإنسان بعد موته، وفي ذلك يقول القرآن الكريم{يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء :88- 89]{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات :83- 84] {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} [قـ : 33] فالفائز من أتى ربه بقلب سليم منيب. فلا ينبغي للعاقل أن يطلب طاعة غيره وطاعة نفسه ممتنعة عليه فكن قائداً لذاتك تعرف أولوياتها كما وضعها الله تعالى لنا ورسوله صلى الله عليه وسلم وتمييز بين الهدف والوسيلة وتضع الخطط التي ترضي الله ورسوله، هذه الأولويات أعلاها وأَفْضَلُهَا وَأَرْفَعُهَا "لا إله إلا الله" وأدناها وَأَوْضَعُهَا"إماطة الأذى عن الطريق". وكن مديراً مسؤولاً لذاتك خبير بالكيفية التي تنفذ بها أجهزة الذات المختلفة هذه الأولويات استهدافاً لتحقيق المراد الأصلي من وضع الخطة والحنكة في تخطي العوائق والصعاب المعيقة للوصول إلى الهدف والبصيرة الواعية لتفادي الانزلاق في دهاليز ومطبات النفس وسلبياتها على قدر الاستطاعة، موجهاً طاقاتك التوجيه الأمثل لتصل إلى هدفك بأسرع السبل وأقل الجهود وأدنى الأزمات. لذا كان من الضروري معرفة كيفية الحفاظ على سلامة الصدر من الأمراض الفتاكة وتدريبه على تحمل الأكثر حتى لا يخرج عن المسار أو ينحرف عن الهدف أو تغيب عنه الغاية" الموت على الإسلام والرقي في منازيل الجنة عند الرحمن. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
التوحيد والإصلاح |