صفات "عباد الرحمن"/سيد ولد عيسى
الثلاثاء, 18 فبراير 2014 12:50

altaltوردت في خاتمة سورة الفرقان صفات وصف الله تعالى بها عباده المؤمنين في قوله: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا...} إلى نهاية السورة.

وقد اشتملت تلك الآية على عشر صفات مصرح بها بالإضافة إلى ما أشير إليه بدلالات مختلفة متفاوتة.. ومن المناسب الوقوف  مع هذه الصفات العشر كل على حدة:

1-   {يمشون على الأرض هونا}: تشير هذه الصفة إلى حالة قلوب هؤلاء المؤمنين العابدين للرحمن، إنهم يسيرون على الأرض سير الملآن الذي لا يغتر بعباته، ولا يتكبر على إخوانه في الخلق والعبودية، لا يقعده شعوره بالتقصير عن العمل والحركة والسير في مناكب الأرض عبودية لله وإعمارا لأرضه.. كما لا يغتر بعبادته، فلا يدعي بها لنفسه منزلة ولا قربا خاصا من الله تعالى.. يدفعه للتكبر وازدراء من دونه...

2-   {إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}: ومشية الواثق من نفسه المتواضع في مشيته تدفع بعضا من منحرفي الفطر منقلبي الأذواق إلى السخرية والاستهزاء من هذا النوع من الناس، لكن هؤلاء العباد بلغوا من الانشغال بالمصير والسعي للدار الآخرة مبلغا جعلهم غير مكترثين بأذى إخوانهم، يقابلون خطابهم حيث كان بالقول "سلاما"، أو بقول أي كلمة تؤدي للسلامة، فلا يستفزهم خطاب الجاهلين، بل هم عن اللغو معرضون، لا يبتغون الجاهلين.

والقرآن هنا لم يحدد نوع خطاب الجاهلين للعابدين، لكن السياق والآيات الأخرى الوارد في الموضوع يقتضيان أن خطاب الجاهلين للمؤمنين خطاب يلبس صفة "الجهالة" ويتحلى بحلي اللغو وينتفش انتفاشة الهزأ...

3-   {يبيتون لربهم سجدا وقياما}: وجلي الفرق بين الصفة السابقة وهذه، فلا ينتميان إلى مجموعة واحدة، ففي تلك الفجائية، "إذا"، والماضوية "خاطبهم"، الدالان على مجرد الوقوع، وفي هذه المضارعة الدالة على التجدد والاستمرار كما في الصفة الأولى "يمشون". والمخالفة بين السجود والقيام دلالة واضحة على تغير الحال والأخذ من عبادتي القيام والسجود وما بينهما من ركوع وجلوس بنصيب، كما هي مقتضية لاستماعهم لكلام الله حين تلاوة القرآن، وتوجيههم خطاباتهم لله حين السجود، ويضح ذلك أكثر من سرد القرآن لدعائهم المنبعث من قلوب مؤمنة بالله خائفة من عذابه، مدركة لخطورته وفداحته؛ {يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم؛ إن عذابها كان غراما، إنها ساءت مستقرا ومقاما}.

4-   {إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا..}: لا شيء يرقق القلب ويقرب من الله كما يقرب منه يدني إليه قيام الليل ومناجاته في الظلام، ولا شيء يفتدي الإنسان من عذاب الله كما يفتديه ماله كما قال تعالى: {إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به...}، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار"، فلذلك يسارع هؤلاء المؤمنون إلى الإنفاق حين يفيقون وقد ازدادوا بقيامهم لليل يقينا بما عند الله وخوفا مما أعد للعصاة والمذنبين والمكذبين، فيقدمون أموالهم وقد صغرت في نفوسهم الدنيا ورقت قلوبهم، لكن ضابط الوسطية ومنهج الاعتدال ما زال يحكمهم، فلا يسرفون ولا يقترون، في أي إنفاق ينفقونه سواء كان على الأهل والولد؛ إذ سماه القرآن إنفاقا: "لينفق ذو سعة من سعته"، وذكر النبي صلى الله وعليه وسلم فيه الأجر والمثوبة في قوله: "..حتى ما تضعه في امرأتك"، ففي كل الأنواع الإنفاق يظل طابع الاعتدال حاكما مهيمنا على تصرفاتهم. وتقديم الوصف "لم يسرفوا" على لاحقه "لم يقتروا" التفاتة من القرآن الكريم عجيبة، فالذي يتذكر الآخرة هذا التذكر ويخاف النار هذا الخوف، غالبا ما يسبب له ذلك زهدا في الدنيا قد يتجاوز المقدار، فينفق من ماله نفقة لا تناسب المقدار فيسرف في الإنفاق فيعود ذلك عليه بالإقتار في نفقات أخرى لاحقة، بينما المؤمن العابد المتوازن ينفق هذا الإنفاق المعتدل المتوازن، وإذا كان في إنفاقه في لحظات تذكر الآخرة وعذاب النار معتدلا، لا إسراف فيه ولا تقتير فمعناه أن كل أموره كذلك، إذ من لم يقتر في المال وهو أحب الأشياء إلى النفس، لن يميل إلى التقتير فيما سواه، وممن عدل فيه هان عليه العدل والوسطية فيما سواه. والقرآن هنا جعل صفة الإنفاق وكأنها الأقل أهمية، بينما الأهم هو وسطية الإنفاق واعتداله، مخالفا بذلك أسلوب سرد الصفات السابقة التي كانت إثباتية، في حين كانت هذه صفة نافية لشوائب ومشوشات الإنفاق أكثر من كونها مثبتة لأصل الإنفاق ليمهد بذلك للصفات اللاحقة...

5-   {لا يدعون مع الله إله آخر}: وما أجمل هذا التعبير، فقد ثبت من قبل أنهم يدعون الله، ويسألونه، وعدل هنا بالدعاء عن لفظ العبادة، تأكيدا لتمحض الإخلاص، وتمام الرجاء... وقبل أن يثبت القرآن هنا أنهم لا يدعون مع الله إله آخر، كان قد أكد أنهم لا يدعون أحدا غيره؛ وذلك في قوله: {يبيتون لربهم}، وفي قوله: {يقولون ربنا...}، فثبت لهم بذلك نفي الوصفين المذمومين؛ الدعاء من دون الله، والدعاء مع الله. وتأخير الشرك بالله رغم أهميته وخطورته إلى هذا المكان أمر في غاية المناسبة، فالذي يعبد الله تعالى، ويقدم كل هذا الخير قد يدخل عليه الغرور فيعبد هواه، وقد يدخل عليه الرياء، فيعبد الناس، لذلك؛ ولئلا يتوهم حبوط هذا العمل بشرك –أصغر أو أكبر- جاء الوصف هنا متوسطا بين الصفات السابقة له واللاحقة عليه، ليطمئن القلب إلى خلوص العمل وقبوله وخلوه من الشوائب المانعة للقبول كالكفر والرياء... ثم بداية صفات كلها نافية في مقابل الصفات الخمس المثبتة السابقة...

6-   {لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق}: وفي هذا التعبير أسلوب بديع آسر أخاذ؛ يدل على غاية الوسطية والاعتدال، فهؤلاء الرحماء المتواضعون، الذين لا ينزلون إلى مستوى الجاهلين، لا تدفعهم رحمتهم إلى استماتة وضعف، فالمنفي عنهم هو الوصف المذموم المتعلق بقتل النفس المحرمة..

ووصف النفس هنا بالتحريم، تأكيد زائد مشدد على حرمة النفس البشرية وأن تمس بغير حق، وفتح نافذة أمل لقلوب مؤمنة كانت في مكة مستضعفة ينزل عليها القرآن أن {كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة}، فتشير هذه النافذة على الغيب إلى أن الوضع سيتغير وأن الميزان سيتبدل لصالح المؤمنين المستضعفين فيستطيعون بعد العجز الرد على الظالم، والأخذ بحق المظلوم...

وهذا هو المشار إليه بكون النفس الوحيدة التي يقتلها هؤلاء إنما قتلت بالحق؛ بغض النوع عن ذلك الحق، أكفرا كان ومفارقة للجماعة بعد إيمان ، أم حرابة وسلا للسيف على الآمنين، أم كفرا وظلما وفتنة للمؤمنين، فتفصيل ذلك لم يرد بعد وإنما سينزل في المدينة لاحقا، والضابط لكل ذلك هو أن هذه النفس الوحيدة التي يتسلط عليها هؤلاء إنما قتلت "بحق".

7-   {لا يزنون}: وإيلاء الزنا للموبقتين السابقتين في محله؛ حيث يشير إلى خطورته،وأصالته في الرذائل، بل هو قتل للنفس من حيث هو تسبب في مولود غير شرعي يعيش كالعديم بسبب ذنب والديه يلاحقه خزيهما مدى الحياة، وهو قتل للنفس أيضا من حيث هو تسبب في قتل الولد الناتج عنه غالبا –خوفا من العار والفضيحة-، وهو قتل لنفس الجاني والمجني عليه أيضا من حيث هو عدم اعتبار لها وإهدار لكرامتها حتى تتغلب الصفة الحيوانية التي هي أرذل رذائلها وأقبح أوصافها على الصفة الملائكية الطاهرة بل وحتى الصفة الآدمية فيها... فلذلك لا غرابة أن يكون تابعا لقتل النفس مواليا له...

8-   {لا يشهدون الزور}: وشهادة الزور تشمل الشهادة الكاذبة التي تعطي غير المستحق ما ليس له، أو تعفي الجاني من جنايته، والظالم من ظلمه، وما شابه، كما تشمل الشهادة بمعناها اللغوي الأصلي وهي "الحضور"؛ كما في قول الشاعر: ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود (أي حضور)، فهي تقتضي الإدلاء بالشهادة الكاذبة، أو حضور مجالس الكذب والزور والبهتان فكل ذلك منفي عن هؤلاء، وهم أجل وأعظم من أن يسقطوا إلى ذلك المستوى، ومع ذلك، فليسوا بسلبيين، ولا بمحايدين هاربين، بل:

9-   {إذا مروا باللغو مروا كراما}: فهم يعايشون المجتمع الذي هم فيه، ويحاولون التأثير في المجالس التي يمرون بها، بتقليل الباطل "الزور" فيها، ومحاولة طمسه والقضاء عليه، رغم تحاشيهم لما لا ضرورة في حضوره في مجالس اللهو واللعب والانشغال بما لا يعني، بما لا يفيد، كما هو واضح من لفظ "إذا" الفجائية، ومن تكرير الفعل "مروا"، المشير إلى أن المرور الأول بتلك المجالس اللاغية وإن كان غير مقصود في الأصل، فإن محاولة التأثير فيها وتقليل باطلها مع الاحتياط والسلامة من شرها المستطير مرور مقصود متعمد من قوم كرام يبذلون أكثر مما يطلبون، ويعطون عطاء الجواد الذي يبذل عقله وعلمه ووقته لإسعاد الآخرين والنهوض بحالهم نحو الأحسن.

10-                     {إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا}: ويشير هذا الوصف القرآني لهؤلاء العباد المؤمنين إلى سمة دقيقة ووصف ركين في أوصاف البشر، وهو النسيان المقتضي للتذكر، فصفة البشر مهما تساما النسيان، فقد قال الله عن أبيه آدم: {فنسي ولم نجد له عزما}، ولكن علاج هؤلاء للنسيان والتقصير الناتج عنه، أو المخالفة، هو الاستجابة لأي داع مذكر مهما كان، ولذلك لم يبين الله فاعل التذكير في كاتبه، بل أورده بصيغة المبني للمجهول "ذُكروا"، ليشمل الفاعل النفس، والخاطر الرباني، ونصيحة الأخ، وآيات الله المبثوثة في الكون وآياته المسطورة في كتابه، فكل ذلك داخل في شمول لفظ "ذُكِّروا". والتعبير بالفعل "خر" الوارد بصيغة المضارعة، المنفي بلم، مشير أيضا إلى معنى آخر مهم في معادلة الأنفس وصعودها وهبوطها في/أو عن الصراط المستقيم؛ وكأن اللفظ يشير إلى الإجمال الوارد في قول الله تعالى: {لمن شاء من كم أن يتقدم أو يتأخر}، وكأن الذي لا يريد التقدم هو في تأخر مستمر، ولو أخذنا لذلك مثالا ماديا، (وحاشى المعاني الإيمانية المطلقة من أن تنحصر بالماديات النسبية)، لجعلنا العلاقة وكأنها صعود إلى الأعلى، فالجسم الذي يتوقف في صعوده تجتذبه الجاذبية، فيرتكس إلى الأرض ويخر أصم أعمى، وربما أصابته عاهات أكثر.. وهذا المعنى واضح في آيات كثيرة من القرآن، منها من غير هذه الآية قول الله تعالى: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}، وقوله: {ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه}، وكأن المسيرة إما في علو نهايته "عليون"، أو في هبوط نهايته "الدرك الأسفل" أو "سجين".

والصمم والعمى المعبر بهما في الآية عن حال المعرض عن الذكرى، يشيران إلى ما يختاره الإنسان لنفسه حين يعرض عن آيات الله المذكرة إياه بالعهد الأول وهو في ظهر أبيه، وبما جاءت به الرسل من بعد لئلا يكون للناس على الله حجة، حيث يكون بذلك قد عطل أهم الحواس الناقلة للمعاني، المعبر عنها بالسمع والبصر، وواضح في آيات أخرى أصرح معنى ذلك كما في قوله تعالى: {لهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها}.

هذه إذن عشر صفات وصف الله بها المؤمنين في هذه السورة، ويمكن أن يضاف إليها أمران في غاية الأهمية، وكأنهما وردا عرضا:

الأول: الدعاء: فكان من صفات هؤلاء الإلحاح في الدعاء كما في {يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم...}، وكما في قوله: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين...}، وكما في الإشارة الخاتمة: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم}.

الثاني: التوبة: فهي صفة هؤلاء الملازمة لهم، كما في الإشارة التنويهية الترغيبية في أصل التوبة المعقب بها على الوعد الشديد للمشرك القاتل الزاني...: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا}، ثم كما في تبيين صفة التائب: {ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا...}.

نوع في العبادة، وتنوع في المعاملة:

والملاحظ لصفات عباد الرحمن يرى أول ما يرى أن الله سبحانه وتعالى لم يرتبها حسب الأولوية ولا حسب الحكم الشرعي لها، ولا حتى حسب الجنس أو النوع بل وردت منثورة غير مسرودة، ليؤكد ذلك عليها كلها وعلى ضرورة التحلي والاتصاف بها، ويغلق الباب أمام من تسول له نفسه التخلي عنها أو عن بعض منها، إذ هي مكملات لأصل الإيمان وعلامات لتحقق العبودية لله تعالى.

فالله سبحانه وتعالى بدأ الصفات بوصف متعلق بالإحسان وهو عمل قلبي "يمشون على الأرض هونا"، ومظهره مظهر أدبي، "المشية الحسنة"، ومجاله مجال التربية والتزكية والآداب، وليس في متناولات الفقيه بعناه الفقه التقليدي الاصطلاحي والوضعي، وحكمه الوجوب، وحكم ضده الحرمة، "إن الله لا يحب كل مختال فخور"، "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".

ثم أتبعه بوصف سلوكي قولي –كما يشير ظاهر اللفظ- "قالوا سلاما"، وهو حكم متأرجح بين عدة أحكام حسب الوقت والمكان والزمان والإنسان.

ثم أتبعه بوصف عملي بدني "يبيتون لربهم سجدا وقياما"، حكمه الندب، ومجاله المسنونات والنوافل التطوعية...

وهكذا شملت الأوصاف الثلاثة الأولى الأوامر الموجهة للقلب وتلك الموجهة للسان، وتلك الموجهة للبدن، وهي مستويات الأعمال كلها، فلا تصرف يتصرفه الإنسان إلا وهو داخل تحت أحد هذه الأصناف الثلاثة، على أن الملائكة تكتب الأقوال "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، وتعلم الأفعال: "يعلمون ما تفعلون"، ويختص الله تعالى بمعرفة ما في القلوب "ونعلم ما توسوس به نفسه".

وكما شمل تعامل عباد الرحمن مع الله تعالى المجالات الثلاث كما في الآيات السابقة والأوصاف العشر المذكورة في الآيات، فقد شمل تعامل الإنسان المؤمن أيضا جميع أنواع الناس كما في هذه الآيات، فهو يعامل الكبار  المنحرفين، "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"، "وإذا مروا باللغو مروا كراما" ويأنس ويأمل  في الأزواج والذرية: "هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين"، ويتطور إيجابيا داخل سياق المتقين، ويطمح لإمامتهم، "واجعلنا للمتقين إماما".

بالصبر تنال الغرفات:

وفي الختام يبين الله تعالى أن المتقين الذين هذه صفتهم "يجزون الغرفة"، ويعلل ذلك بوصف ملازم لهم من الغريب أنه لم يرد في الصفات السابقة لا أصالة ولا تبعا، وذلك الوصف هو "الصبر"، ولكن القارئ المتمعن للآيات يدرك أن هذا المنهج يحتاج الصبر بجميع مراحله، وجميع أنواعه؛

-         صبرا على الطاعة {يبيتون لربهم سجدا وقياما} .

-         صبرا عن المعصية {لا يدعون مع الله إله آخر}، {لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق}، {لا يزنون}..

-         صبرا على الخلق: {إذا مروا باللغو مروا كراما}، {إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}.

-         صبرا على أذى الأزواج والأولاد {هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين}، وهو دعاء منبئ عن تخلف المطلوب؛ إذ لو كان متحققا لكان المقام مقام شكر وحمد، وليس مقام دعاء وسؤال، إلا إذا كان سؤال تثبيت وإدامة للنعم...

-         الصبر على مكائد الشيطان، ويضح ذلك من خلال التوبة المتكررة، والإنابة الدائمة: المشار إليهما في قول الله: {إلا من تاب وأمن وعمل عملا صالحا....}، وفي قوله مبينا وصف التوبة: {ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا}، وفي قوله مبينا نهوضهم من الكبوة وانتباهتهم من الغفلة: {إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا}.

-         الصبر على إقامة الدين، وتولي شؤون الناس كما هو مفهوم ضمنيا في قوله: {لا يقتلون النفس التي حرم الله بالحق}، إذ قتل النفس بالحق إقامة للحدود تحتاج صبرا وقضاء ودولة وسلطة وقانونا....

إلى آخر أنواع الصبر التي يحتاجها كل عمل مهما كان، وتحتاجها ديمومة هذه الأعمال واستمرارها، ويحتاجها تجديد التوبة كلما حصل ضعف أو ارتكاس طمعا في رحمة الله، وتيئيسا وإرغاما للشيطان..

خاتمة:

إن الدلالات النصية والظاهرة للآيات الواصفة لعباد الرحمن أكثر من العد وأكثر من أن تحصى فلكل كلمة دلالتها، ولها دلالة زائدة بتركيبها بين الكلمات، بتقديمها أو تأخيرها، لها دلالة بالمجاورات والسوابق واللواحق، وإذا كان هذا في الدلالات النصية والظاهرة فما بالنا بغير الظاهرة، كدلالة التضمين والتنبيه والإشارة اللزوم والإيماء والاقتضاء....

إلا أن الواضح أن الآيات تبقى ركنا ركينا في تأسيس المجتمع الإسلامي المنشود لا يمكن تجاوزه ولا القفز عليه، وتبقى رغم مكيتها إجمالا لكثير من الأحكام سيرد تفصيلها في العهد المدني، فلو أن المؤمن طبقها في نفسه، وحاول تنزيلها في مجتمعه لحصلنا على مجتمع مثالي مؤمن ناجح مؤهل للاستخلاف والتمكين.

صفات

السراج TV