مقام الإحسان والتأسي برسول الله عليه السلام/د.حسن الموس |
الأربعاء, 19 فبراير 2014 11:11 |
عباد الله: مازلنا مع أخلاق نبينا وتوجيهاته الطيبة المباركة، ونقف اليوم مع قيمة الإحسان وتجويد العمل. إن أمتنا اليوم أبعد ما تكون عن الإحسان، بل شعارنا أصبح أن " نقضي بما تيسر وتحقق" (نسلك) (عدي) واصبح أداؤنا للأعمال خالي من روحه وهي الاتقان. أي أننا نقوم بما يؤدى الغرض وأعمالنا ليس عليها طابع الجودة والإتقان، بل الإستعجال والتسيب... عباد الله إننا ونحن نتابع هدي نبينا وأخلاقه نتذكر أنه عليه السلام كان يحث على الإحسان والاتقان في كل شيء. وكان يرفض الاساءة في العبادات وفي الأعمال. ويأمر بإعادة العمل الذي ينقصه الإحسان. روى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ؛ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ السَّلاَمَ؛ فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلاَثًا فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَاان الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ". فهذا الرجل أساء صلاته فأمره عليه السلام أن يعيد. فالعمل السيئ يتطلب إعادة ليكون حسنا. الإحسان في كل شيء: قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [البقرة: 195] ذكر العلماء في تفسير: قَوْله تَعَالَى : { وَأَحْسِنُوا } عدة أَقْوَالٍ منها: أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاَللَّهِ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ . وقيل أحسنوا فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ . وقيل أيضا : أَحْسِنُوا إلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ .ولاشك أن الإحسان مطلوب في كل شيء. عباد الله حين أمر الله تعالى بالإحسان في هذه الآية لم يحدد مجالاته، بل تركها مرسلة لتتضمن الإحسان في كل جوانب الحياة، وعلى كل أحوال الإنسان. كما أن الإحسان يستمر حتى آخر لحظة من حياة الانسان: وقال تعالى: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 93]...وذكر أن من معانيها: " لُزُومِ النَّوَافِلِ، وَهُوَ الْإِحْسَانُ إلَى آخِرِ الْعُمْرِ" ويؤيد شمول الاحسان لكل نواحي الحياة قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ... الإحسان في طلب العلم : على طلبة العلم أن يجدوا، ويتقنوا في تعلمهم، وفي مراجعتهم لدروسهم. وألا يقبلوا التقصير والإساءة. ومما يروى في السيرة النبوية أن النبي عليه السلام أمر زيد بن ثابت أن يتعلم العبرية فتعلمها وأتقنها، وأصبح يترجم للرسول عليه السلام خطابات اليهود ورسائلهم. الإحسان في التدريس وأداء المهمة: إن المدرس على ثغر كبير، وقد كاد أن يكون رسولا، وعليه أن يقتدي بالنبي عليه السلام المربي الأول، فقد كان محسنا في تعليمه، إذا تكلم أعاد الكلمة ثلاثا " حِرْصًا لِكَيْ تُتْقن عَنْهُ " مسند أحمد. وكان يحرص على متابعة أصحابه وتعهدهم، وكل ذلك من الإحسان... إحسان التاجر والصانع إن الإحسان مطلوب في كل عمل وفي كل صنعة. وقد أمر عليه السلام الجزار الذي يتولى الذبح أن يحسن فيه فقال: " وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا اَلذِّبْحَةَ, وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ, وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " . وهكذا فالإحسان يحتاجه كل عامل، وهو مطلوب في كل شيء ، وحتى في اللحظة التي سننهي بها الحياة. ولقد أعطانا الرسول وسائل الإتقان : حد الشفرة اى جعل نصلها مسنونا حادا ..وإراحة وضع الذبيحة .... إذن فالإتقان له وسائل يجب اللجوء اليها ولا يصلح معه إننا نشكو من الإساءة في أشياء متعددة، وتجد الواحد منا يبحث عن الماركة الأجنبية ويترك صنعة وطنه لتقديره أنها أتقن صنعا." هناك دول بعينها تشتهر بصناعات معينة ولا ينافسها فيها أحد" ... نموذج الإتقان والإخلاص: عباد الله لقد أخذ غيرنا وصية رسول الله عليه السلام بالإحسان في كل شيء، وهاهي اليابان تنتج اربعة أضعاف ماتنتجه الأمة الإسلامية مع إن 80% من مساحتها تغمرها المياه، وهى معرضة دائما للزلازل والبراكين، ولكن حيوية موطينيها، وتفانيهم في العمل أوصلتهم إلى أن ينافسوا الدول العظمى... هل يعقل أن يكون متوسط ساعات العمل اليومية الفعلية فى الغرب من 8 الى 10 ساعات وان يكون متوسط ساعات العمل الفعلية اليومية فى الأمة العربية على أحسن الدراسات 12 – 13 دقيقة والبعض هبط بها الى 5 روى الطبراني عن عاصم بن كليب عن أبيه أنه خرج مع أبيه إلى جنازة شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام أعقل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( يحب الله العامل إذا عمل أن يتقن). وفي العلاقة بين الإجير ورب العمل إحسان وإتقان : فالعمل أمانة وجب على العامل أن يؤدى عمله كاملا غير منقوص وأن يتقنه و ألا يغش فيه. إن العلاقة التي ينبغي أن تكون بين العامل ورب العمل هي علاقة التناصح والإحسان المتبادل قال الله عز وجل في سورة التوبة :" لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" وفي التدافع السياسي بين أبناء الوطن يكون الإحسان بالمجادلة بالتي هي أحسن، ومقارعة الحجة بالحجة والدليل لقوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. ويكون بالتغاظي عن زلات الغير والعفو عن إساءتهم: لقوله تعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). محمد صلى الله عليه وسلم وإحسانه : }وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ منْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً منْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ}. كما يكون بالحذر من تضييع النعم، وبتقدير عواقب التصرفات والمواقف، والنظر إلى مآلات الأفعال. إن نجاح واحد من أمتنا فيما يعود بالنفع على الجميع نجاح للأمة، وقد علمنا القرآن الكريم أن نحسن ولو مع المخالف، ولو مع من ظلمنا، وأن نسعى لتخفيف كربته كما فعل يوسف عليه السلام مع ملك مصر. إنه الكريم بن الأكرمين سيدنا يوسف عليه السلام حين احتاج الملك الى تفسير الرؤيا لم يمتنع، ولم يكتف بالتفسير للرؤيا بل رشح نفسه للإشراف على إدارة سنوات الجفاف والإحسان في توزيع المؤمونة في انتظار سنوات الخصب والرخاء... ما يعين على الاتقان والإحسان: -مراقبة الله في السر والعلن: إن الإحسان درجة من درجات الإيمان تجعل صاحبها يقظ القلب يراقب الله تعالى في سكناته وحركاته، ففي حديث جبريل حين سئل الرسول عليه السلام عن الإحسان قال :"أن تعبد الله كأنك تراه ....". فعلى المسلم أن يعلم أن الله يراقبه باستمرار، ويطلع على عمله وإذا كانت بعض المؤسسات تضع كامرات لمراقبة العمال، فلنعلم أن هناك ملائكة من قبل الله ز وجل يحصون أعمالنا، ولا يفرطون في شيء منها. وأننا سنجازى يوم القيامة على ذلك: قال تعالى {وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى. - اليقين أن الاساءة تقلل من الأجر : فالأجر يكون على قدر الاتقان، وقد ولقد ورد في السنة أن الانسان يؤجر على قدر إحسانه، ولا يؤجر من عمله إلا على نصفه أو ثلثه....
التوحيد والإصلاح |