رحلة إبراهيم إلى الله/أحمد أبورتيمة
الأربعاء, 19 مارس 2014 01:07

altaltإن رحلة إبراهيم عليه السلام في البحث عن الله تمثل تجربةً فكريةً روحيةً متكاملة الأركان، وهي دليل بأن طريق الفكر والتساؤل التي يصدق فيها الإنسان في طلب الحق ستصل به إلى الإيمان يقيناً، فلا خشية على الإيمان من التساؤل والبحث وإخضاع المسلمات للتحقق والتأكد والشك الموصل إلى اليقين..

لقد رأى إبراهيم كوكباً فقال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين، وإبراهيم في هذا الموقف يتبع منهجاً علمياً تجريبياً، فهو وضع فرضيةً واختبرها لتفسير حقائق الواقع حتى ثبت بطلانها، ففرضية أن الكوكب هو الرب ظلت ساريةً حتى أفل الكوكب، والرب المفترض لا ينبغي له أن يأفل لأن أفوله يعني غياب الرقابة وفساد الكون، فسقطت هذه الفرضية علمياً، ثم لما رأى القمر بازغاً وضع فرضيةً علميةً أخرى: "قال هذا ربي"، فلما أفل سقطت هذه الفرضية بدورها لكن إبراهيم يدرك ابتداءً بفطرته وعقله أنه لا بد من رب، وأن سقوط فرضية كون الكوكب أو القمر رباً لا ينفي مبدأ وجوده لذلك دعا هذا الإله الذي يبحث عنه: "قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ"، ثم لما رأى الشمس بازغةً وضع فرضيةً ثالثةً: "قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ"

وهو أيضاً منطق علمي، فالرب ينبغي أن يكون أكبر من كل شيء، وما دامت الشمس أكبر من الكوكب ومن القمر، فهذا يعني أن نخضعها للتحقق إن كانت تختلف عن سابقيها اللذين ثبت بطلانهما حين أفلا، فلما أفلت الشمس بدورها علم إبراهيم أن الإله أكبر من ظواهر الطبيعة التي تنتابها مظاهر الأفول والمحدودية والقصور لذلك أعلن براءته الفطرية من الشرك بكل شيء دون ذلك الإله الأكبر المتعالي المطلق.

إن رحلة إبراهيم في الوصول إلى الله قامت على حرية التفكير والتساؤل إلى آخر مدىً وكان يضع كل الفرضيات تحت مجهر الفحص والتدقيق باحثاً عن الحق، فالحق هو ما يثبته البرهان والمنهج العلمي، والباطل هو ما يبطله التساؤل والتفكير، وحين آمن إبراهيم بالله تعالى فإن إيمانه كان ثمرة اتباع المنهج العلمي فقد آمن بالإله الذي توافرت فيه كل صفات الكمال والتعالي والقدرة: "الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين"، ومحاججة إبراهيم لقومه كانت قائمةً على التفكير العقلي فبطلان عبادة الأصنام راجع لأسباب علمية إذ إنها تفتقد للشروط التي تؤهلها لتكون آلهة: "قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون".

 

 

 

ينابيع

رحلة إبراهيم إلى الله/أحمد أبورتيمة

السراج TV