الشكر/إعداد الدكتور أحمد مولود ولد محمدن ، لولي |
الأحد, 30 مارس 2014 10:09 |
أما بعد: فإن الشكر من أعظم الأعمال وأهمها إليه تسعى الخاصة وعنه تغفل العامة، والسعي إما شكر وإما كفر قال تعلى: { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } وقال حكاية عن نبيه سليمان عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام {هذا من فضل ربي ليبلوني آشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم } ومنزلة الشكر في مراتب الأعمال من أعلى المنازل وهي فوق منزلة الرضا فالرضا مندرج في الشكر إذ يستحيل وجود الشكر دونه وهو نصف الإيمان إذ الإيمان نصفان شكر وصبر. وقد رغب الله في الشكر وحذر من الكفر فقال { لإن شكرتم لأزيدنكم ولإن كفرتم إن عذابي لشديد } وأثنى على أهل الشكر وجعله غاية خلقه وأمره ووعد أهله بأحسن جزائه وجعله سببا للمزيد من فضله وحارسا وحافظا لنعمته وأخبر أن أهله هم المنتفعون بآياته واشتق لهم اسما من أسمائه ووصف به خواص خلقه فقال: { وقليل من عبادي الشكور} وقال جل من قائل: { واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون }[ البقرة : 172 ] وقال: { واشكروا لي ولا تكفرون } [ البقرة : 152 ] وقال عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم: { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه} [ النحل : 120121 ] وقال عن نوح عليه السلام : { إنه كان عبدا شكورا}[ الإسراء : 3 ] وقال: { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} [ النحل : 78 ] وقال تعالى: { واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون } [ العنكبوت : 17 ] وقال تعالى : { وسيجزي الله الشاكرين } [ آل عمران : 144 ] وقال تعالى : { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } [ إبراهيم : وقال تعالى : { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } [ لقمان : 31 ]، ورضيه لعباده فقال جل من قائل { وإن تشكروا يرضه لكم } [ الزمر : 7 ] ويقتضي الحديث عن الشكر طروق سبعة محاور: أولها ـ تعريفه: فمن حيثية اللغة فالشكر مَصْدَرُ شَكَرْته وَشَكَرْت لَهُ أَشْكُرُه وأشكر له شُكْرًا وَشُكُورًا وَشُكْرَانًا، وهو عند أهل الوضع الاعْتِرَافُ بما أسْدَى إلَيْك من المعروف وَنَشْرُهُ وَحمد فَاعِلِهِ. وَلَا يَكُونُ الشكر عندهم إلَّا فِي مُقَابَلَةِ مَعْرُوفٍ وَنِعْمَةٍ. وفشُكْرُ النِّعْمَةِ هو ما يقَابِلُ كُفْرهَا ولذلك كانت مقابلة النعمة إما شكر وإما كفر قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَة عن لُقْمَانَ: { وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }. وَالشُّكْرُ: عند أهل السلوك هُوَ ظُهُورُ أَثَرِ النِّعْمَةِ عَلَى اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ بِأَنْ يَكُونَ اللِّسَانُ مُقِرًّا بِالْمَعْرُوفِ مُثْنِيًا بِهِ, وَيَكُونَ الْقَلْبُ مُعْتَرِفًا بِالنِّعْمَةِ, وَتَكُونَ الْجَوَارِحُ مُسْتَعْمَلَةً فِيمَا يَرْضَاهُ الْمَشْكُورُ. عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ: أَفَادَتْكُمْ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَ الْمُحَجَّبَا ولهذا عرفوه فقالوا هو صَرْفُ الْعَبْدِ النِّعَمَ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ فِي طَاعَتِهِ ونظمه بعضهم فقال: الشكر صرف العبد ما أولاه مولاه من نعماه في رضاه والشكر نوعان قديم وحادث فالحادث نوعان شكر العبد لله وشكر العبد للعبد، والقديم نوعان شكر الله لعبده ومن أسمائه جل وعلا الشكور قال تعالى: { وَاَللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } والثاني ثناؤه على نفسه. وَمعنى شُكْرِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ أن يزكي قليل أعماله فَيُضَاعِف لِه الْجَزَاءَ. وَفِي الْحَدِيثِ: "أَنَّ رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ, فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَه بها حتى أرواه فشكر الله له فأدخله الجنة" ثانيها ـ الألفاظ ذات الصلة: يشتمل لسان العرب على ألفاظ تتداخل مع لفظ الشكر من جهة الدلالة وهي اثنان: 1 ـ الْمَدْحُ وهو لُغَةً الثناء الحسن ونقيضه الهجاء، ويشمل مدح الحي ومدح الميت وقد فرقوا في الاصطلاح بينهما فسموا الأخير رثاء، كما فرقوا بين مدح النبي صلى الله عليه وسلم وغيره فسموا الأول مديحا. وربما تقدم المدح على النعماء كما يفعل الشعراء وهو مجازفة لذا قال الشاعر: لا تمدحن امرأ حتى تجربه ولا تذمنه من غير تجريب ولا يكون الشكر إلا بعد النعماء ومن هنا فرق بينهما 2 – الحمد: وهو الثناء على المحمود بجميل صفاته وأفعاله على قصد التعظيم, ونقيضه الذم. فالحمد بهذا المعنى أعم من الشكر من جهة أن الشكر لا يكون إلا على نعمة أسداها المشكور إلى الشاكر خاصة, والحمد يكون في مقابلة نعمة بذلها المشكور للشاكر أو بذلها لغيره، كما يكون في غير مقابلة نعمة أصلا بل لمجرد اتصاف المحمود بالأوصاف الحسنة والفضائل لذا كان الحمد رأس الشكر وفي الحديث { الحمد رأس الشكر فمن لم يحمد الله لم يشكره }، فيقال: حمدت الله على حكمته وعلمه كما أحمده على إحسانه وفضله, ولا يقال: أشكر الله على عدله وحلمه. أما من جهة أوجه الشكر فالشكر أعم من الحمد إذ الشكر يكون باللسان والقلب والجوارح, والحمد لا يكون إلا باللسان, فيجتمع الحمد والشكر في الثناء باللسان على النعمة, وينفرد الحمد في الثناء باللسان على الأوصاف الذاتية ونحوها, وينفرد الشكر فيما يكون بالقلب والجوارح. ثالثها ـ حكمه : يختلف حكم الشكر باختلاف أنواعه وهي اثنان كما تقدم, شكر لله تعالى, وشكر عباد الله. فأما شكر الله تعالى على نعمه التي لا تنحصر فهو في تحصيل أصله واجب في الجملة وجوبا عينيا, فلا يجوز تركه بالكلية قال المعتزلة هو واجب بالعقل وأقره الشرع، وقال الأشعرية إنه لا يجب بمجرد العقل; لأن العقل لا مجال له في أمور الآخرة من إثبات الثواب والعقاب. واستدل العلماء لوجوب الشكر شرعا بآيات منها قوله تعالى: { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } وقوله سبحانه: { فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون }، وقوله جل وعلا: { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } قال العلماء المسألة عن النعيم هي عن شكره. والإكثار من الشكر مستحب مرغب فيه وهو قيد النعماء ومدعاة لزيادتها قال تعالى { لإن شكرتم لأزيدنكم ولإن كفرتم إن عذابي لشديد} وتجدده بتجدد النعم آكد. رابعها ـ النعم التي يلزم عليها الشكر: اختلف الناس في أجل ما أنعم الله به على العبد فقال المعتزلة هو الحياة أو خلقه حيا وقد قال تعالى { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم } سورة البقرة 28 ، وقال الأشعرية إدراك اللذات ونيل الشهوات، وقال أصحاب الحديث الإيمان، ولم يجعلوا ما قبل الإيمان نعمة لأن تلك النعم وإن تعددت وجلت فإنما هي إن لم يكن إيمان نقم لا نعم ولذا قالوا إن الكافر ليس عليه نعمة وهو مروي عن الأشعري. والصحيح أن نعمة الله عامة الخلق كافرهم ومؤمنهم لكن النعمة المطلقة التامة هي التي أنعم الله بها على النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهم الذين نسأل الله في صلاتنا أن يهدينا صراطهم {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين }، هذه هي النعمة المطلقة التامة. هذا في الدنيا أما أعظم نعمة ينعم بها الله على العبد في الآخرة فهي الرؤية وفي الحديث : "إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة" والأمور التي يكون عليها الشكر مردها إلى ثلاثة أنواع: ـ الأول: الشكر لله تعالى على نعمه التي أنعم بها على الشاكر, والعبد في كل أحواله إنما هو في نعم الله تعالى, قال تعالى: { وما بكم من نعمة فمن الله } والإنسان مبتلى بهذه النعم هل يشكر أم يكفر؟ ومن أجل تلك النعم إرسال الرسل وإنزال الكتب والتوفيق إلى اتباعهم والإيمان بما جاؤوا به من ربهم وهذه نعمة خاصة بالمسلم دون الكافر وأولى النعم بالشكر نعمة الله تعالى على العبد بالإيمان والإرشاد إلى الحق, والتوفيق لقبوله, لأنه هو الغرض الذي ليس بتابع لما سواه, وكل غرض سواه فهو تابع له, والتيسير له نعمة عظيمة تقتضي الشكر لها بالانتهاء عن المعاصي وإتباع الإيمان حقوقه; لأن الإيمان بالله عهد بينه وبين العبد ولكل عهد وفاء. وكل عبادة تتلو الإيمان من فعل شيء فهو شكر لنعم الله تعالى, والتيسير لكل شيء من ذلك نعمة يجب شكرها بالقلب واللسان. ـ الثاني: الشكر على دفع النقم سواء اندفعت عنه أو أهل بيته أو عن عامة المسلمين وذلك كذهاب مرض أو انحسار طاعون أو عدو, ونحوهما مما يخشى ضرره كغرق أو حريق ومنه قول أهل الجنة: { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور }، وله يدل أيضا حديث الإسراء وفيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به أتي بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما, فأخذ اللبن, فقال له جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة, لو أخذت الخمر لغوت أمتك". ولهذا سن الحمد عند رؤية المبتلى فيقول الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا, وقد ورد "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد لرؤية زمن" .
ـ النوع الثالث:الشكر عند وقوع المصائب والآلام وهذا النوع من الشكر عظيم الأجر لقاة من يحصل عنده من الرضا بقضاء الله والخضوع لقدره من يشكره عن المصيبة والبلوى وفي حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم, فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم . فيقول: ماذا قال عبدي ؟ فيقولون: حمدك واسترجع, فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة, وسموه بيت الحمد" . وفي هذا النوع من الشكر من تكفير الخطايا ورفع الدرجات ما لا يخفى لاشتماله على شطري الإيمان الشكر والصبر, قال ابن القيم في توجيه ذلك: يكون الشكر كظما للغيظ الذي أصابه, وسترا للشكوى, ورعاية للأدب, وسلوكا لمسلك العلم, لأنه شاكر لله شكر من رضي بقضائه. ولهذا يسن للمريض إن سئل عن حاله أن يحمد الله تعالى حديث ابن مسعود مرفوعا : "إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك"، وكان أحمد أولا يحمد الله فقط فلما حدث بهذا الحديث صار يقول: أحمد الله إليك, أجد كذا وكذا. خامسها ـ بم يحصل الشكر: يتحقق شكر الله تعالى على نعمه المتضافرة وآلائه المتناثرة بأمور منها: ـ معرفة النعمةأي الاعتراف بأنها نعمة ووزيادة على الاعتراف بها يعترف بعظيم قدرها فقلت نعمة مهمى صغرت في عن المنعم عليه غلا وكانت حياته مرتبطة به ارتباطا، ويذكر أن رجلا جادل الله فوزنت أعماله مع نعمة بصره فرجحت النعمة بالعمل. ـ معرفة أنها من الله تعالى, قال تعالى { وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } فمن لم يقر بالله, أو لميقر بأن النعم منه, لم يتصور شكره له, وإذا عرف أنها من الله كانت مدعاة لحب الله إذ من غرائز النفس حب المحسن. ـ قبول النعمة بإظهار الفقر والحاجة إليها, ومعرفة أن وصولها إليه بغير استحقاق من العبد ولا بذل ثمن بل بمحض فضل الله تعالى. ـ الثناء على المنعم بها, وعدم كتمانها فإن كتمانها كفران لها, والثناء إما عام كوصفه تعالى بالجود والكرم والبر والإحسان, وإما خاص وهو التحدث بتلك النعمة وإسناد التفضل بها إلى المنعم بها, وحمده عليها, قال الله تعالى: { وأما بنعمة ربك فحدث } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { التحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر } . ـ ترك استعمالها فيما يكرهه المنعم بها, والعمل بما يرضيه فيها. ـ مقابلتها بطاعة المنعم والانقياد له والابتعاد عن معصيته شكرا على النعم, وقد ورد عن المغيرة بن شعبة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قام حتى تفطرت قدماه. فقيل يا رسول الله: أتتكلف هذا وقد غفر لك؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا }؟ . سادسها ـ الشكر عند تجدد النعم: يستحب الحمد بتجدد النعماء وتنوع النعم كما يجب الشكر بصرف تلك النعم في طاعة المنعم وقد ورد في الحديث أذكار متضمة للثناء على الله بتجدد النعم وتنوعها كأدعية الأكل والشرب واللباس والأوبة من السفر والإصباح سالما من ذلك ما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "من قال إذا أصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر ذلك اليوم ومن قال إذا أمسى اللهم ما أمسى بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر تلك الليلة ". وفي الحديث: "الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر"، وفيه: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها, أو يشرب الشربة فيحمده عليها". ومن أوجه الشكر سجود الشكر والتصدق بما يحب قال تعالى {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}, وذبح ذبيحة والتصدق بلحمها على الجوعى من الفقراء والمساكين ودعوتهم وإطعامهم . ومن ذلك الدعوات المأثورة لتجدد النعم والتي تجب لها الإجابة ومنها الوليمة والعقيقة والوكيرة لتجدد المسكن والنقيعة للأوبة من السفر، والحذاق لختم القرآن.. وقد أثر عن عمر أنه لما ختم البقرة نحر جزورا وأطعم الناس. سابعها ـ شكر العبد على صنائع المعروف: - شكر المنعم مما يجب بالسمع ويحسن بالعقل ولا يخالف عاقل في أنه من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، وكل منعم عليه ينبغي له الشكر لمن أولاه النعمة ولو كانت قليلة وقد وردت أحاديث مرغبة في شكر من أسدى إليك معروفا منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله" وقوله: "إن أشكر الناس لله أشكرهم للناس" وقوله: "من أولي نعمة فليشكرها, فإن لم يقدر فليظهر ثناء حسنا". وقد أمر الله تعالى بالشكر للوالدين إذ هما أعظم الناس نعمة على الولد وجعل شكرهما قرين شكره فقال جل وعز: { أن اشكر لي ولوالديك } ومن شكرهما أن يكافئ ما بذلا في سبيله من بر بما يقدر عليه من لطيف القول وجميل الثناء وأكمل أوجه الرفق وكريم أشرب الإحسان وصنائع المعروف إذ الشكر يشمل القول والفعل كما تقدم. ومن أوجه شكر المنعم مكافأته بما هو أفضل أو يساوي نعمته التي أسدى فإن لم تستطع فعلى قدر طاقتك، فإن لم تستطع بذلت له من الدعاء والشر وإظهار المحبة ما يقوم مقتم الفعل، وفي الحديث "من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء" وفيه: "من صنع إليكم معروفا فكافئوه, فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" وفيه "من أعطي عطاء فوجد فليجز به, ومن لم يجد فليثن فإن من أثنى فقد شكر, ومن كتم فقد كفر".
ملاحظة طلب الشكر خلاف الأولى: طلب مسدي المعروف أن يشكر عليه خلاف الأولى إن لم يكن من المن المنهي عنه, وخاصة فيما من شأنه أن يعمل لله , ولذلك أثنى الله تعالى على من يحسن إلى الضعفاء دون أن ينتظر منهم شكرا أو جزاء قال تعالى: { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} قال مجاهد وسعيد بن جبير: أما والله ما قالوه بألسنتهم ولكن علم الله به من قلوبهم فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغب ولو أحب أن يحمد على المعروف لم يحرم . قال العلماء: الإحسان إلى الغير إما أن يكون لله تعالى وحده, أو لله مع غيره أو لغيره, فإذا كان لغيره فإما أن يكون طلبا لمكافأة, أو طلبا لحمد أو ثناء . فالأول مقبول عند الله تعالى , والثاني رياء والرياء شرك غير مخرج عن الملة، لأن الله تعالى لا يقبل إلا ما كان له خالصا . وأما الثالث فإذا عمله طلبا للمكافأة أو الحمد فله ما طلب, وليس ذلك حراما إلا أن يظهر أنه لله ويبطن خلاف ذلك, لأن ذلك يكون رياء.
|