القيافة ..إحدى البينات/د.الشيخ التراد ولد محمدو |
الاثنين, 12 مايو 2014 14:08 |
عهد عند العرب قديما ظاهرة القيافة وعرف صاحبها بالقائف وتم اعتمادها عرفيا في إثبات الأنساب وغيرها من القضايا ذات الصلة بمسألة القيافة، وظلت تلك من سمات العقل العربي وقوة ذكائه وفطنته وحدسه. ونسجت في ذلك الإطار قصص وروايات بعضها ثابت والبعض الآخر مبالغ فيه حد الغرابة. وبعد مجيء الإسلام وظهوره في الجزيرة العربية، استمرت الظاهرة على حالها وعرفت حينها قبائل حصريا بامتلاكها تلك الصفة ومن تلك القبائل الشهيرة في هذا المجال قبيلة "بني مدلج " التي كان أبناؤها يتوارثون تلك الملكة كابرا عن كابر، ولم يرد أن المشرع أبطل هذه الصفة والملكة في مجال البينات، لما عرف عن الدين الإسلامي من تمجيد للعقل وتشجيع للفراسة والفطنة في شخصية المسلم ولما للمسألة من أثر بالغ في حياة الناس "فاالمؤمن القوي خيروأحب إلى الله من المؤمن الضعيف..". وأول إثارة لمسألة القيافة في التاريخ الإسلامي كانت بسبب ماعرف بقصة زيد وابنه أسامة رضي الله عنهما، فلم يكن أسامة يشبه أباه زيدا في اللون فكانت قريش لمكرها وحقدها تهمز وتلمز في نسب أسامة رضي الله عنه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أشد الاستياء والغضب من ذلك الكلام الظالم والمسيء لأسرة زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذات مرة دخل عليه مجزز المدلجي ومعه زيد وأسامة وقد غطيارؤوسهما بقطيفة، وأقدامهما مكشوفة فقال المدلجي إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر ، وهذه القصة وردت في البخاري ومسلم من روايتين لعائشة رضي الله عنها ، تقول عائشة: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: ألم تري أن مجززا نظر آنفاإلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال إن بعض هذه الأقدام لمن بعض". وفي راية أخرى لها: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسرورا، فقال ياعائشة ألم تري أن مجززا دخل علي فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضهما من بعض". إن هذه القصة أصل في مسألة القيافة، والبشارة الكبيرة التي بدت على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤكد شرعية القيافة وقبول المشرع لها في قضايا الأنساب نصا، وغيرها قياسا. وقد اعترض البعض على المسألة بحجة أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد رد على الأمر بأن الأصل في الشريعة أن النبي صلى الله عليه وسلم يشرع للأمة كلها ولابد أن يكون هناك دليل صارف عن الأصل لايقبل التأويل. واعترضوا أيضا أن القيافة عمل بها ثم نسخت بعد نزول آية اللعان، ويرد على ذلك بأن اللعان قد حسم الشارع أمره إذ فيه نفي النسب ، وجيء بالملاعنة لتنهي النزاع الذي حصلت فيه شبهة، أماالقيافة فنحتاجها في أمر ليس فيه دليل وشبهة ، فتستدعى القيافة في القضايا التي ليس فيها لعان. هذا إضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم توفي ومسألة القيافة موجودة في الجزيرة العربية، ولم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القيافة، ولايعقل في ميزان العقلاء أن يقع النكير على مسألة القيافة التي هي بينة من البينات والشارع يشجع كل بينة وإن كانت ضعيفة كماهو الحال في باب الجنايات حيث اعتمد اللوث وإن كان من القرائن الضعيفة، فماظنك إن كانت تلك القرائن قوية كحال القيافة التي يحتاج إليها عادة في شبه خفي كم اجرى في حادثة زيد وابنه أسامة رضي الله عنهما. وعلى هذا الأساس وانطلاقا من تلك المعطيات نتساءل عن السر وراء عدم اعتماد هذا النوع من البينات حاليا في قضايا الخلاف ذات العلاقة بقضية القيافة ، التي ثبتت شرعيتها وأكد الواقع صدقيتها وحاجة الناس إليها في قضايا الأنساب الملتبسة . |