الحسبة في الإسلام/ميمونة بنت سيدي
الأحد, 25 مايو 2014 11:51

altaltتتبوأ الحسبة مكانة رفيعة في الإسلام إذ تندرج في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن هذا المنطلق فهي مهمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ،ومن جاء بعدهم من الصحابة الكرام الذين سعوا جاهدين في إقامة الدولة الإسلامية التي يؤمر فيها بالمعروف وينهى  فيها عن المنكر

لقد تعرض الكثير من العلماء والفقهاء لمفهوم الحسبة في الإسلام فأعطوها مجموعة من التعريفات الختلفة من حيث اللغة والاصطلاح.

الحسبة بكسر الحاء مصدر من أحتسب يحتسب أحتسابا وحسبة ، قال ابن منظور: (الحسبة مصدر من أحتسابك الأجر عند الله تقول فعلته حسبة واحتسب فيها الاجر عند الله والاسم الحسبة بالكسر وهي الأجر..) [1]

ويقول الزبيدي : ( الحسبة بالكسر هي الأجر,,,) [2] ، والاحتساب طلب الأجر، والاسم الحسبة بالكسر وهو الأجر، واحتسب فلان ابنًا له أو ابنة له إذا مات وهو كبير، وافترط فرطًا إذا مات له ولد صغير لم يبلغ الحلم, وفي الحديث: ((من مات له ولدًا فاحتسبه)) أي: احتسب الأجر بصبره على مصيبته به، ومعناه: اعتد مصيبته به في جملة بلايا الله التي يثاب على الصبر عليها، واحتسب بكذا أجرًا عند الله والجمع الحسب, وفي الحديث ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا)) أي: طلبًا لوجه الله تعالى وثوابه[3]. والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد، وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه؛ لأنه حينئذ أن يعتد عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به، والحسبة اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد، والاحتساب في الأعمال الصالحات، وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر، والقيام بها على الوجه المرسوم فيها؛ طلبًا للثواب المرجوِّ منها، وفي حديث عمر -رضي الله عنه-: " "أيها الناس احتسبوا أعمالكم، فإن من احتسب عمله كُتب له أجر عمله وأجر حسبته"[4]

وقيل الحسبة الإنكار كذالك ، قال ابن منظور: ( أحتسب عليه أي انكر عليه )[5]، ويقول الزبيدي : ( ,, واحتسب فلان عليه أنكر عليه قبيح فعله ..)[6]

وأما الحسبة في اصطلاح العلماء: فقد قال فيها الإمام العالم العلامة أبو الحسن الماوردي[7]-رحمه الله-: "الحسبة من قواعد الأمور الدينية، وقد كان أئمة الصدر الأول يباشرونها بأنفسهم لعموم صلاحها، وجزيل ثوابها، وهي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله، وإصلاح بين الناس[8], قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[9]). فالحسبة إذًا هي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والمعروف اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فيشمل الاعتقاد وهو الإيمان بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، ويشمل العبادات من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، والنكاح، والطلاق، والرضاع، والحضانة، والنفقة، والعدة، وما إلى ذلك[10]. ويشمل النظم والتشريعات من المعاملات المالية، والحدود، والقصاص، والعقود والمعاهدات، ونحوها، ويشمل أيضًا الأخلاق من الصدق، والعدل، والأمانة، والعفة، والوفاء، ونحوها, وسمي المعروف معروفًا؛ لأن الفطر المستقيمة والعقول السليمة تعرفه، وتشهد بخيره وصلاحه. ومعنى الأمر بالمعروف: الدعوة إلى فعله، والإتيان به مع الترغيب فيه، وتمهيد أسبابه وسبله بصورة تثبت أركانه، وتوطد دعائمه، وتجعله السمة العامة للحياة جميعًا. وأما المنكر: فهو اسم جامع لكل ما يبغضه الله تعالى ولا يرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فيشمل الشرك بكل ألوانه وصوره، ويشمل الأمراض القلبية من الرياء والحقد والحسد والعداوة والبغضاء ونحوها، ويشمل تضيع العبادات من الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ونحوها، ويشمل المنكر أيضًا الفواحش كالزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف وقطع الطريق، والكذب، والحرابة، والبغي، ونحوها، ويشمل الكذب والجور والظلم، والخيانة والخسة ونحوها، وإنما سمي المنكر منكرًا؛ لأن الفطر السليمة المستقيمة والعقول السليمة تنكره، وتشهد بشره وضرره وفساده، ومعنى النهي عن المنكر التحذير من إتيانه وفعله، مع التنفير منه والصد عنه، وقطع أسبابه، وسبله بصورة تقتلعه من جذوره وتطهر منه الحياة جميعًا.

وترمي الشريعة إلى إشاعة الخير ودرء الشر، ولذا علت منزلة الاحتساب، وجلَّت رتبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا غرو فهو أصل من أصول الشريعة، وركن عظيم من أركانها المنيعة، مفتاحٌ للإصلاح، وبوابةٌ لاستقرار المجتمع وظفره بالأمن والسعادة، وضرورةٌ كبرى تُحمَى به العقيدة، وتصان الفضيلة، ويُدافَع الباطل، وتُحْمَى الأمة من عبث ذوي الأهواء والشهوات، ويُوقَى أفرادها من اتِّباع الهوى وولوج سوق الرذيلة.يقول الغزالي: " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طُوِي بساطه، وأُهمِل علمه وعمله، لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمَّت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد"[11]

وكيف لا يكون الاحتساب بهذه المنزلة وقد جعله الله - تعالى - شعار هذه الأمة ومناط خيريتها، فقال - تعالى -: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[12] ، وأبان - عز وجل - أن القيام به عنوان السعادة وبوابة الفلاح، وأن تركه سبيل استحقاق لعنته، والطرد من رحمته فقال آمراً به: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[13] وقال  عز من قائل : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ  كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[14]

وأوضح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن القيام به شرطٌ للنجاة، وأن الإعراض عنه سببٌ للهلاك، وتعرُّضٌ للعقوبة، وحرمانٌ من إجابة الدعوة فقال - صلى الله عليه وسلم -: (( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً))[15] ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (( والذي نفسي بيده! لتأمرن بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم))[16].

وهكذا يبقى الاحتساب طريقة ضرورية لحفظ ثوابت الامة والدفاع عن حرماتها، ويبقى علينا نحن معاشر المسلمين لكي نحفظ ديننا.

 

 

[1] ابن منظور ، لسان العرب ، المكتبة الوقفية ، الجزء الأول ، ص, 305,

[2] الزبيدي ، تاج العروس على شرح القاموس ، الجزء الأول ، ص . 312 ,

[3]  عبد العزيز بن مرشد ، الحسبة في الاسلام ، جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية ، 1972 ,ص ,11,

[4] مناهج الجامعة الإسلامية ، الحسبة ، الجامعة الاسلامية ، ص , 2 ,

[5] ابن منظور ، مصدر سابق ، ص , 355,

[6] الزبيدي مصدر سابق ، ص. 313 .

[7] هو ابو الحسن علي بن محمد ، بن حبيب ، الماوردي المتوفى سنة 450 هـ .

 [8]   الماوردي، ابي الحسن علي بن محمد ، الأحكام السلطانية، جامعة الكويت ، 1989 ، ط 1 ، ص . 240.

[9] سورة النساء:الآية 114

[10] مناهج الجامعةمرجع سابق ، ص ,4.

[11] الغزالي ، ابو حامد ، أحياء علوم الدين ، دار الكتب العلمية : 2/306.

[12] سورة آل عمران:الآية ،  110.

[13] سورة آل عمران:الآية ، 104 .

[14] سورة المائدة:الآية ، 78 – 79 .

[15]  البخاري (2493).

 

[16] رواه الترمذي (2169)، وحسنه الألباني.

الحسبة في الإسلام/ميمونة بنت سيدي

السراج TV