جمعية يدا بيد... التجربة الدعوية.. والعوائق الواقعية/ أحمدو بن محمد عبد الله |
الثلاثاء, 24 يونيو 2014 14:07 |
1 ) _ الفكرة والتطوير
في عام 2003م كانت مقاطعة السبخة على ميعاد مع مولد فجر إسلامي جديد... انبرى ثلة من الشباب لسد ثغرة لطالما أتي الإسلام من قبلها, هي ثغر الوحدة المجتمعية..
وعلى عواتق الشباب كان العبئ, لما رأوا في بيع معظم العرب لمنازلهم في مقاطعة السبخة وانتقالهم منها "البيظان إلى مقاطعتي عرفات وتوجنين ولحراطين إلى مقاطعتي الرياض ودار النعيم" , وتمركزت الكثافة السكانية من الزنوج " لكور " في السبخة, رأوا في ذالك إيذانا بالتقوقع العرقي وبادرة لنفرة بين أطياف الشعب الموريتاني المسلم...
فكانت جمعية يدا بيد جمعية ثقافية دعوية إسلامية, ناطقة باللغة الفرنسية. متجنبة بذلك التحيز للغة عرق دون آخر, وواضعة أرضية صلبة عليها يجتمع كل الطيف الاجتماعي الموريتاني: هي الإسلام. فنادت الكل أن " تعالوا إلى كلمة سواء .. "
2)_ الدوافع والأهداف
ولعل من أبرز الأحداث التي أثرت كثيرا على تماسك وحدة النسيج الاجتماعي الموريتاني : هي أحداث 1987 الدامية, والتي اعتمد فيها أعداد الوحدة اللعب على وتر العرقية لتصديع البيت المجتمعي, ولم يرعوا في مؤمن إلا ولا ذمة,, ولم يردعهم عن فعلهم خسة الوسيلة والغاية.
وبدأ نوع من الحقد والكراهية يتسرب بين قلوب المواطنين المفجوعين, وموجات من فعل ردته, وشائعات وخرافات نسجها الأفاكون, لم تقصر فقط على قصص لتخويف الأطفال, بل صارت مع الزمن قناعات راسخة لدى كل طيف عن أخيه, لتزيد الشرخ والهوة بين أطياف الشعب ذي الدين والوطن الواحد, كل هذا لأجل خدمة مشروع سياسي لا مصلحة فيه لدين أو وطن, والضحية المواطن والوطن.
فكان لا بد من شباب مخلصين يتعالون على الجراح, يعون قدر المكيدة, ويعيدون الألفة والمحبة بين كل الموريتانيين.. ولأجل هذا كانت "جمعية يدا بيد"...
3)_ عوائق النشأة
شكل عامل الاختلاف اللغوي أكبر عائق أمام التواصل الاجتماعي, رغم أن الكثير من الزنوج يتقنون لغة العرب " الحسانية ", إلا أن الأغلبية الساحقة من العرب بالكاد تعرف التحية باللغات الوطنية الأخرى, الأمر الذي زاد التباعد وعدم التواصل بين أطياف المجتمع.
هذا بالإضافة إلى التراكمات التاريخية والقناعات الخاطئة والأحكام المسبقة لكل طرف عن الطرف الآخر, وتفسير كل الأحداث والوقائع والتصرفات سلبا, في إطار الإقصاء والتهميش, واتهام النوايا بالسوء, وغالبا دون تبين ولا تدقيق.
4)_ أول لبنة
كان الإحساس القوي بضرورة وضع حد لهذه التفرقة بين أعضاء المجتمع الواحد هو أكبر دافع لتأسيس الجمعية, فعقدت أول جمعية عمومية لها عام 2003م بحضور نخبة من كل الطيف المجتمعي الموريتاني في مقاطعة السبخة, وخطى مشوار الألف ميل خطوته الأولى.
5)_ الخطوات الأولى
بعد الجمعية العمومية وانتخاب أول هيأة لإدارة عمل الجمعية, بدأت الخطوات الأولى لمشروع وطني كبير للم شمل المجتمع المسلم, وتوحيده وإدماجه... وكما كانت كل الدعوات الإصلاحية عبر التاريخ, بدأت الخطوات الصغيرة حجما والكبيرة تأثيرا, الواعية بخطورة الفشل لا قدر الله في مشروع هو أمل كل الموريتانيين في رد اللحمة الاجتماعية بين أعراق المجتمع المسلم.
6)_ الوسائل والآليات
بدأ تأثير الجمعية يسري في هذا المجتمع الطيب. وكانت البرامج الدينية والثقافية والخدمية التي تنظمها جمعية يدا بيدا مثالا واقعيا يحتذى به في المؤاخاة بين أفراد المجتمع الواحد, ووسائلها في ذالك كثيرة ومتعددة من مخيمات, ورحلات, وليالي وأيام تربوية, ودورات في تعلم اللغات الوطنية, وإفطارات, وملتقيات, وغيرها.
ولقيت أنشطة الجمعية وبرامجها التربوية والدعوية قبولا واسعا بين سكان مقاطعتي السبخة والميناء بفضل الله ثم بفضل ثم بفضل الجهود الشبابية المخلصة.
7)_ ريح في الطريق
كان شح الوسائل والإمكانيات المادية هو العائق الأبرز دون تنفيذ الكثير من الخطط والبرامج التي تتطلب أموالا باهظة, وتوسع العمل ليشمل كل المقاطعات الأخرى, إذ كان عمل الجمعية معتمدا بشكل كلي على القدرات المادية لطاقمها ومنتسبيها, الذين جادوا بأموالهم وأوقاتهم في سبيل تحقيق الواحدة الوطنية واقعا معاشا في كامل ربوع الوطن.
8)_ حتى استقام العود
ومضى عام 2005م بنظام سياسي ظالم، لم يدخر جهدا في تفكيك المجتمع وزرع العداوة بين مكوناته, وأتى آخر في دورة من دورات الزمان " وتلك الأيام نداولها بين الناس.. " ووجدت جمعية يدا بيد اعترافا رسميا تمثل في ترخيصها من طرف وزارة الداخلية عام 2006م.
مثل ذالك دفعة جديدة للجمعية وطاقمها المتحمس, وبدأ عمل "جمعية يدا بيد" يتوسع وانتقل نقلة نوعية ليشمل ولاية نواكشوط, بل وحتى بعض الولايات الداخلية من خلال الأنشطة الفصلية والرحلات الدعوية والثقافية.. وخصوصا الولايات التي يتمركز فيها الزنوج والناطقون بالفرنسية.. وأصبح للجمعية مقر مركزي هو الآن في وسط العاصمة نواكشوط جنوب قيادة الحرس الوطني.
9)_ الانجازات والتأثير
حققت الجمعية لحد الآن الكثير من المشاريع من خلال أنشطتها المتميزة, فكان مخيم الأخوة الأول 2009م من أهم الأنشطة التي جسدت الأخوة الإيمانية في أسمى معانيها, فجمع بين شباب عرب وزنوج واستطاع إزالة الكثير من الأفكار الخاطئة لدى الشباب, حدث رئيس المخيم عن شاب من البيظان لم يستطع أن ينام ليلة المخيم الأولى, فقد ترسخ في عقله منذ الصغر أن "لكور" ينقلبون بالليل إلى وحوش يأكلون الناس, فلما انتهى المخيم عرف أن كل ما كان يسمعه إنما هو خرافات لا نصيب لها من الصحة.
كما استضافت الجمعية شخصيات دعوية عالمية من أشهرهم هاني رمضان حفيد الإمام الشهيد حسن البنا الذي حل ضيفا على الجمعية مرتين خلال العامين الماضيين 2010 و 2011
وتنظم الجمعية قوافل دعوية ثقافية وخدمية دورية إلى الولايات الداخلية وبخاصة مناطق الضفة والمناطق ذات الأغلبية السكانية الزنجية...
بعد نجاح تجربة الجمعية في المؤاخاة بين الأفراد من خلال الإفطارات الجماعية, والأنشطة الأخوية, تعمل الجمعية الآن على مشروع كبير لتجسيد اللحمة والتكافل الاجتماعي من خلال المؤاخاة بين الأسر الموريتانية المختلفة عرقيا " العربية والزنجية "..
تواجه الجمعية الكثير من العوائق تتمثل بشكل كبير في اختلاف اللغة, وضعف الوسائل المادية للجمعية, وانعدام الدعم الرسمي من طرف الدولة أو رجال الأعمال, وضعف إقبال المجتمع البيظاني على أنشطة الجمعية العامة, إضافة إلى المشاكل التاريخية وما ترتب عليها من خرافات شاعت لدى كل طيف اجتماعي عن الطيف الآخر.
قال أحد قادة حركة " افلام " الزنجية : " لو قدر للوحدة الوطنية للشعب الموريتاني أن تتحقق واقعيا فإن جمعية يدا بيد هي من ستحقق ذلك ", ولئن كان في هذه الكلمات بعض اليأس من عودة اللحمة المجمعية, إلا أنها تعبر عن مدى أهمية الجهود التي تبذلها الجمعية في هذا المجال إن تكللت بالنجاح إن شاء الله.
البشير الدعوي |