عشر من رمضان/سيد ولد عيسى |
الاثنين, 07 يوليو 2014 12:43 |
تتسارع أيام رمضان وتمر مر السحاب أو كلمح البرق الخاطف، وكذلك تمر المواسم، وقديما قال القائل: "وليالي الهنا تمر عجالا"، مخلفة وراءها عمرا منقض وأسفا دائما وعملا صالحا لا ينقطع لمن وفق له. ومع تسارع العشر الأول من رمضان ودق ساعاتها الأخيرة صافرة النهاية يحق للمؤمن أن يسأل نفسه عما قدم فيها من أعمال، وما أزلف فيها من حسنات هي زاده الباقي وهي خير الزاد، "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا"، "والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا". آت وماض وحاضر: كذالك الإنسان مع الزمن، ماض لا يعود، وآت لا يدري هل يبلغه، وحاضر هو فيه، وهو ملكه: "ولك الساعة التي أنت فيها"، ولكن الوقوف عند هذا الحد من الإدراك، وهذا المبلغ من العلم لا يكفي بل لابد من عمل يبنى على هذا العلم، "والعلم محض الجهل إن لم ينفع". لا بد من إدراك أن الفائت لن يعود، وأن ليت لا تنفع، وأن "لو تفتح عمل الشيطان"، و"لن يرجع الأسف الصبا المتصرما"، وما مضى فات، وعلاجه استغفار صادق وتوبة منيب، وإخلاص أواب، وصدق عازم، ومع ذلك لا بد من معرفة أسباب مضيعات الوقت الماضي حتى لا تتكرر التجربة في المستقبل، فنعمة العقل المحس المدرك لمضي الزمن ينبغي أن تستثمر في معرفة أسباب ضياع الوقت وفوات الفرصة، فتُجرد سببا بعد الآخر، حتى لا يكرر التائب خطأ الماضي في جهل وغفلة. وبنفس النظرة الفاحصة للماضي المشفقة مما فيه من تقصير وعجز قادر، وجهل عاقل وسفاهة حليم ينبغي أن تكون النظرة للمستقبل، لكن بأسلوب آخر بناء يعرف كيف يؤسس بالعزمات، ويصدِّق بالأعمال ويستدرك بالتوبة، "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"، "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفروا الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"، "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعلمون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يتموتون وهم كفار". ولك الساعة التي أنت فيها.. نعم للإنسان تلك الساعة، وهي التي يملك وحدها، وهي التي منها يبدأ وهي التي بها يصلح الماضي ويستدرك أخطاء المستقبل، الساعة التي يبدأ فيها التوبة، ويبدأ فيها الاستدراك، ويبدأ فيها الإقلاع، ويبدأ فيها العمل، ويبدأ فيها التخطيط، ويبدأ فيها التنفيذ، ويبدأ فيها السير إلى الله على مدارج السالكين، يحدوه الخوف مما بدر منه من خطأ وتقصير، ويحدوه الإشفاق من الحور بعد الكور "إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون"، ويصاحبه الخوف من أن لا يقبل منه جراء ذنوبه: "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون"، "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا". وما زال الباب مفتوحا: ما زالت فرصة رمضان مواتية، ولئن كان ثلثه قد ضاع فلقد بقي ثلثاه، ولئن كان الثلث كثيرا فو الله للثلثان منه أكثر، فكيف يغلب أسف الماضي على أمل المستقبل، وكيف يغلب ثلث ثلثين، وكيف يسيطر العجز المثبط على الأمل المحفز!!!!. إن باقي مدرسة رمضان يحتاج عزمة وهمة وثقة بالله وصدقا معه يجعل الإنسان قادرا على الاستدراك والتوبة والإنابة، والتزود من خير الزاد والتحلي بخير الصفات والتخلي عن سيء الأخلاق "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم". |