الأربعاء, 23 يوليو 2014 13:18 |
الهداية التي نحتاجها جميعاً/ أبو جرة سلطاني عندما أراد الله جلّ جلاله أن يُسوق لنا أفضاله على نبيّه محمد (صلى الله عليه وسلم)لنعلم عظيم فضلها علينا، إقتصرها على ثلاث فضائل أساسية في حياة أمّة الإسلام، كونهما من مؤيدات هذا المنهج الإيماني القويم، وهي :
- الإيواية من اليتم : للتأكيد على أن الإيمان لا علاقة له بالميراث، لا بالحماية الأبوية، ولا بالشوكة العصبية.."ألم يجدك يتيما فآوى". الضحى :06.
- الهداية من الضلالة : للفت النظر إلى أن الهادي هو الله وحده لا شريك له، وأن هداه ليس مقصورا على "المحظوظين" بمعايير الإجتماع والإقتصاد والسياسية..إنما بمشيئة الخالق وحده : "ووجدك ضالا فهدى" الضحى : 07.
- والإغناء من العالة : لكي لا يزعم أحد أن محمدا (صلى الله عليه وسلم)كان طالب ثأر قديم، أو وارث ملك تليد، أو نافذا في قومه يريد بسط نفوذه على من هم دونه منزلة ومالا وسؤددا : "ووجدك عائلا فأغنى"الضحى :08.
مما يعني أن الهداية "هدية" من الله لعباده، وليس لأحد الحق في أن يمنّ على الناس – ولو كان عالما جليلا أو داعية موفقا- بأنه هو الذي هداهم للإيمان، وليس لأحد من علماء هذا العصر ودعاته "هداه" الله إلى منهج الوسطية فساهم بجهده وماله وعلمه في "هداية" الأمة أو في تقوية مؤسساتها أن يقول : لولاي لما كانت ولما أصبحت.
- ولولا فلان لذهبت ريحنا.
فقد حاول أقوام المنّ على هذا الدين، فذكروا "فضلهم" على نشر المنهج الإيماني وتقوية شوكة الإسلام..فردّ عليهم المولى عزّ وجل هذا المنّ بقوله : "يمنون عليكم أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين" الحجرات :17، فالهداية من الله إلى الله هي لله وحده وفق منهج إيماني شامل يحمد كل مؤمن به ربّه على أن هداه إليه لأنه منطلق الحياة الصحيحة القائمة على منهج قويم لا يفرق المنتمي إليه بين الصلاة والصناعة، والزكاة والتجارة، والحج والإستثمار، والدعوة والسياسية..لأن الصلاة والنسك والمحيا والمماة لله رب العالمين لا شريك له، ولأن الله هو الهادي لهذا بإذنه : "والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم البقرة : 213.
فما معنى الهداية إلى صراط الله المستقيم؟ وماذا يترتب على من هداهم الله برحمته إلى ما بعث به رسله بالحق : "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق".الأعراف :43.
أما الهداية إلى الصراط المستقيم فلها خمسة معان عملية لابّد أن "نحييها" في قلوبنا وعقولنا وواقعنا الدعوي والسياسي بعيدا عن الخطابات النظرية وبمنآى عن فقه الأوراق وثقافة "الإسلام الأنيق" كما يحلو للبعض تسميته.
-للهداية طريق واحد : لا يُوجد سبعون (70) طريقا إلى الاستقامة على الهداية، فهناك طريقان فقط شاكرون وكفار : "إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفروا".الإنسان :03 الناس أبرار وفجار : لا يوجد مائة صنف من العاملين ومائة رهط من الخاملين، وإنما هناك صنفان فقط أبرار وفجار : "إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم".الإنفطار: 13، 14.
- الناس طائعون وعصاة : لا يوجد تنظير في الدين، فإما سمع وطاعة وإما سمع وعصيان فالمؤمنون إذا سمعوا أطاعوا، والعصاة إذا سمعوا عصوا : "وقالوا سمعنا وعصينا"البقرة:93، وهؤلاء هم عبدة العجول والأبقار والدينار والدرهم..
- إبدأ والله يتمم : كلما زاد العمل الصالح زاد الإيمان، وكلما زاد الإيمان اتسعت دائرة هداية الله للناس فانتصر بهم المشروع الإيماني الممكَّن في النفوس والواقع : "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم" يونس :09، فإذا ترجموا هذه الهداية إلى مشاريع عمل زادهم الله هدى وأشاع في الناس تقواهم فدخل الناس في دين الله أفواجا : "والذين اهتدوا زادهم هدى وأتاهم تقواهم" محمد : 17.
- لا فصل إلاّ في الوظائف : من العبث تضييع الوقت وتبديد الجهد مع القائلين بفصل مشاريع بناء الحياة والتمكين للمشروع باسم الدعوي والسياسي، فذلك من تزيين الشياطين للمصطلحات للصد عن سبيل الله، فلا دعاة الدعوي نصروا دعوتهم ولا شطار السياسي مكّنوا لمشروعهم : "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سلبا".
والسؤال الذي أجابت عنه كل وقائع السيرة النبوية العطرة هو :
هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قائدا سياسيا أم كان مرشدا دعويا؟ أم كان صاحب هداية ربانية جعلت الدعوة سياسة والسياسة دعوة، وكلتاهما هداية إلى صراط الله المستقيم. فالدعوة "وظيفة" للتمكين والسياسة "وظيفة" للتمكين، فإذا صارت أحداهما للتكوين والأخرى للتمكين فسدتا.
|