ما دموا يستغفرون..../د.عبد الوهاب ادليمي |
الثلاثاء, 07 أكتوبر 2014 15:52 |
إن هذه الأمة التي تعاني من أزمات كثيرة وشدائد متعددة وثورات ضد الظلمة والمستبدين بحاجة إلى استكمال أسباب النصر ومن أهمها التوبة والاستغفار فقد كان عمر يوصي جنده بقوله عليكم بالتوبة فإنها ترد عنكم ما لا ترده السيوف وإذا كان الجيش النبوي قد هزم في أحد بعد نصر بسبب معصية أربعين من الجيش فقط فكيف إذا كان في الأمة آلاف العصاة، وصدق الله القائل: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} [آل عمران:152] وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]. الاستغفار طلب المغفرة من الله عز وجل والمغفرة تعني ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها وحماية الإنسان من اقترافها ومن أسماء الله الغفار وهو الذي أظهر الجميل وستر القبيح والذنوب من جملة القبائح التي سترها حيث أسبل الستر عليها في الدنيا وتجاوز عن عقوبتها في الآخرة. والاستغفار حالة لازمة ومستمرة لكل مسلم باعتبار أن التقصير في الطاعات والوقوع في الذنوب والمعاصي ملازم للإنسان بحسب طبيعته الإنسانية ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم يلازم الاستغفار في كثير من أحيانه ففي الحديث عن الأغر المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة» وفي رواية: «مائة مرة» وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب» [رواه ابن ماجة واحمد وصححه احمد شاكر]. وكان يكثر من ذلك عقب كل صلاة فعن ثوبان قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً» رواه مسلم. كما حث على ذلك في ختام كل مجلس فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك» [رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب وإسناده حسن]. ولزوم الاستغفار يعني ملازمته على كل حال عن ابن عمر قال: «إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة، رب اغفر لي وتب علي انك أنت التواب الرحيم» [رواه أبو داوود والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي]. وأفضل الاستغفار ما كان في وقت السحر ولهذا وصف الله به خاصة عباده فقال عنهم: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:17] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ينزل ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة فيقول: من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فاغفر له؟» [متفق عليه]. فبالاستغفار وملازمته يفرج الله عنا وعن امتنا ما نزل بهم من هم وغم وكرب وشدائد ومصائب. الاستغفار سبب العيش الكريم والمتاع الحسن والحياة الطيبة قال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود:3]. الاستغفار مصدر أمان للأمة من عذاب الله بكل صوره وأشكاله لقوله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء. فقال: «النجوم أمنة للسماء. فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد. وأنا أمنة لأصحابي. فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون. وأصحابي أمنة لأمتي. فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» [رواه مسلم]. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «إن الله جعل لهذه الأمة أمانين وجود الرسول والاستغفار فذهب أمان وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي أمان وهو الاستغفار فإن ذهب هلكنا» وأخرج الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنزل الله علي لأمتي أمانين: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] فإذا قضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة». الاستغفار سبب نزول الأمطار والبركة في المال والولد والزروع والثمار والمياه الجوفيه وغيرها قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12] وفي الأثر جاء بعض الناس يسألون التابعي الكبير الحسن البصري فشكى أحدهم قلة المال فأرشده إلى الاستغفار وشكى الآخر عدم الأولاد فأرشده إلى الاستغفار وشكى ثالث قلة الأمطار فأرشده إلى الاستغفار ثم تلى الآية المذكورة سابقاً. والاستغفار مصدر قوة للفرد والجماعة والأمة قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود:52] والاستغفار علاج للقلوب من أمراضها وما يحيط بها من الغفلة عن الأغر المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليغان على قلبي وإني لاستغفر الله في اليوم مائة مرة» [رواه مسلم]. والاستغفار يكفر الذنوب ويخفف على صاحبه من آثارها. سئل سهل بن عبد الله التستري عن الاستغفار الذي يكفر الذنوب فقال: "أول الاستغفار الاستجابة ثم الإنابة ثم التوبة فالاستجابة". أعمال الجوارح والإنابة أعمال القلوب والتوبة إقبال المخلوق على مولاه بأن يترك الخلق ثم يستغفر الله من تقصيره الذي هو فيه وقال ابن الجوزي قال إبليس: "أهلكت بني آدم بالذنوب فأهلكوني بالاستغفار وبلا إله إلا الله فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً". وفي مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان قال وعزتك وجلاك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» [رواه أحمد والحاكم، وقال صحيح الإسناد]. المصدر شبكة ينابيع الحياة |