من الظلال.... الخشوع في الصلاة والإعراض عن اللغو
الأربعاء, 22 أكتوبر 2014 12:32

(الذين هم في صلاتهم خاشعون). .

 تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصلاة بين يدي الله , فتسكن وتخشع , فيسري الخشوع منها إلى الجوارح والملامح والحركات . ويغشى أرواحهم جلال الله في حضرته , فتختفي من أذهانهم جميع الشواغل , ولا تشتغل بسواه وهم مستغرقون في الشعور به مشغولون بنجواه . ويتوارى عن حسهم في تلك الحضرة القدسية كل ما حولهم وكل ما بهم , فلا يشهدون إلا الله , ولا يحسون إلا إياه , ولا يتذوقون إلا معناه . ويتطهر وجدانهم من كل دنس , وينفضون عنهم كل شائبة ; فما يضمون جوانحهم على شيء من هذا مع جلال الله . . عندئذ تتصل الذرة التائهة بمصدرها , وتجد الروح الحائرة طريقها , ويعرف القلب الموحش مثواه . وعندئذ تتضاءل القيم والأشياء والأشخاص إلا ما يتصل منها بالله .

(والذين هم عن اللغو معرضون). . لغو القول , ولغو الفعل , ولغو الاهتمام والشعور . إن للقلب المؤمن ما يشغله عن اللغو واللهو والهذر . . له ما يشغله من ذكر الله , وتصور جلاله وتدبر آياته في الأنفس والآفاق . وكل مشهد من مشاهد الكون يستغرق اللب , ويشغل الفكر , ويحرك الوجدان . . وله ما يشغله من تكاليف العقيدة:تكاليفها في تطهير القلب , وتزكية النفس وتنقية الضمير . وتكاليفها في السلوك , ومحاولة الثبات على المرتقى العالي الذي يتطلبه الإيمان . وتكاليفها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وصيانة حياة الجماعة من الفساد والانحراف . وتكاليفها في الجهاد لحمايتها ونصرتها وعزتها , والسهر عليها من كيد الأعداء . . وهي تكاليف لا تنتهي , ولا يغفل عنها المؤمن , ولا يعفي نفسه منها , وهي مفروضة عليه فرض عين أوفرض كفاية . وفيها الكفاية لاستغراق الجهد البشري والعمر البشري . والطاقة البشرية محدودة . وهي إما أن تنفق في هذا الذي يصلح الحياة وينميها ويرقيها ; وإما أن تنفق في الهذر واللغو واللهو . والمؤمن مدفوع بحكم عقيدته إلى انفاقها في البناء والتعمير والإصلاح .

ولا ينفي هذا أن يروح المؤمن عن نفسه في الحين بعد الحين . ولكن هذا شيء آخر غير الهذر واللغو والفراغ . . .

                                من كتاب في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب

من الظلال.... الخشوع في الصلاة والإعراض عن اللغو

السراج TV