قبسات من الوفاء النبوي/الطيب الناجي
الاثنين, 24 نوفمبر 2014 13:09

هو بالفعل نبي الرحمة لذلك لا يمكن أن ينسى أهل الخير والمعروف ،وقد  وصف الله تعالى أنبياءه بأوصاف عديدة ووزع بينهم الفضائل رغم أنهم مجتمعون في هذه الصفات يقول الشهيد سيد قطب - عند قول الله تعالى واذكر في الكتاب إسماعيل........:

(وصدق الوعد صفة كل نبي وكل صالح ، فلا بد أن هذه الصفة كانت بارزة في إسماعيل بدرجة تستدعي إبرازها والتنويه بها بشكل خاص . _)

وإذا كانت الصفة العامة لنبينا صلى الله عليه وسلم هي صفة الرحمة فكل الأخلاق القرآنية متفرعة عنها لما امتلأ به ذلك القلب الكبير من عظمة الله تعالى وخشيته والإشفاق على عباده ،فإن أخلاقا كثيرة تميز بها صلى الله عليه وسلم منها التواضع والصدق والأمانة والوفاء ، وهذا الخلق الكريم الصادر عن النفس العظيمة المحبة للخير هو الذي سنقف معه في هذه العجالة :
قول وعمل : فهو صلى الله عليه وسلم يعلمنا فعل الخير ورد الجميل قولا وعملا فقد كان صلى الله عيه وسلم يقبل الهدية ويهدي من أهداه ما تيسر ويقبل الدعوة ولو كانت على فرسن شاة ويقول ( من دعي فليجب ) حتى ولو كان صائما هذا الحرص على الخير هو الذي جعله صلى الله عليه وسلم يحب أهل الخير ويحب كل من أسدى إليه معروفا مهما كان بسيطا في ظاهره ويذكره أهله بخير حتى ولو تقادم الزمان .
وما كان صلى الله عليه وسلم وهو عظيم الوفاء وعظيم الخلق لينسى من أحسن أو أسدى معروفا وكان يؤكد ذلك المعنى ويربي عليه الصحابة والمؤمنين من بعدهم فأطلق المبدأ العظم (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)
وسنذكر هنا بعض مواقف الوفاء العظيمة في حياته صلى الله عليه وسلم :
1- كانت تأتينا زمان خديجة :
خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها وأول نسائه صلى الله عليه وسلم وأول النساء إيمانا به بل أول المؤمنتين على الإطلاق لأنها آمنت لحظة رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من نزول الوحي لأول مرة حين جاء صلى الله عليه وسلم فزعا من غار حراء لشدة هول ما رأى وأحس من ضمة الملك ،فجاء صلى الله عليه وسلم يردد زملوني زملوني ...كانت خديجة على موعد مع بداية الجد والكفاح المتواصل والسبح الطويل ونهاية زمن النوم والتزمل والتدثر ،فكانت على مستوى اللحظة من أول يوم إيمانا بالرسالة الجديدة وتثبيتا للنبي لكريم ومواساة له بالنفس والمال وحفظا لأبنائه وهو المكلف بأعظم مهمة في التاريخ وهي دعوة البشرية ومواجهة العالم بكامله .
ظلت خديجة على نفس الوتيرة في التضحية للدعوة والوفاء للقائد والحيطة والرعاية لخاتم لرسل بل أوقفت تجارتها على الدعوة وواست -هي وذوو قرابتها-المسلمين ومن معهم من بني هاشم عندما قررت قريش مقاطعتهم في الشعب الظالم .
لذلك اشتد حزن النبي صلى الله عليه وسلم لوفاتها ووفاة عمه أبي طالب فسمى المسلمون ذلك العام عام الحزن.
وقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم وفيا للمرأة العظيمة خديجة طيلة حياتها ( لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة ) وبعد وفاتها...كذلك فظل يذكرها بخير ويذكر جهادها وتضحيتها ويأنس لكلما يتعلق بها فكلما رأى إحدى صواحبها هش لها وبش وقام إليها فرحا بها وقال كانت تأتينا زمان خديجة ،وكان ربما ذبح الشاة فيوزعها في صواحب خديجة كما تذكر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقد كانت تحدث أنها ما غارت من امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم كما غارت من خديجة .
والنبي صلى الله عليه وسلم أرحم الناس وأحسنهم خلقا وخيرهم لأهله فما كن صلى الله عليه وسلم ليظهر كل هذا الحب لخديجة بحضرة عائشة لو لا أن جانب الوفاء لتلك المرأة النبيلة غلب عليه لذلك لما رأى ضيق عائشة رضي الله عنها بذكر خديجة وهي تتصرف بمقتضى الغيرة- وكانت حب نساءه إليه -فقالت له منزعجة ( ....أبدلك الله خيرا منها ...) فرد صلى الله عليه وسلم : ( ما أبدلني الله خيرا منها....آمنت بي إذ كفر الناس .........)
2- لو كن المطعم حيا :

المطعم بن عدي سيد من سادات قريش وكبير من كبرائها ربما لم تطاوعه نفسه كبرا أن يسلم كما هو حال سادة قريش ولكن للرجل بقية فطرة وشيئا من الشهامة العربية وبعض مروءة جعله لا يستطيع رد طلب الجوار من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن تجرأت عليه قريش بعد وفاة عمه أبي طالب فصارت أجرأ عليه مما كانت .
كانت السنة الأخيرة قبل الهجرة من أصعب ما واجه النبي صلى الله عليه وسلم : والذي يقرأ خواتيم بعض السور المكية يدرك مدى الحزن الذي بلغ بالنبي صلى الله عليه وسلم .في تلك الفترة.

وقد بدأ صلى الله عليه وسلم يفتش عن مكان آخر غير مكة فذهب إلى الطائف في الرحلة المعروفة التي كانت نهايتها الرفض والتكذيب بل وتأليب السفهاء على النبي الكريم المهاب صلى الله عليه وسلم .
لكن تلك الرحلة التي كانت نهايتها هكذا لم تكن أصعب شيء وإنما كانت الصعوبة في العودة إلى مكة هنا قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمل وفق نظام الجوار المعروف عند العرب وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المطعم بن عدي يريد دخول مكة تحت حميته فقبل جواره وأمر بنيه وبني عمه بالنزول إلى الكعبة وإعلان النفير استعددا لدخول محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم )  .
لذلك ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لينسى هذا الجميل للمطعم،فقد تذكره في ساعة انتصار وذلك من عظيم وفاءه وهو المنتصر على قريش لم ينس ذلك الرجل الذي كان قبل سنتين أو ثلاث قائد حاميته فلما رأى أسرى قريش يقادون في السلاسل تذكر المطعم وقال لو كان المطعم بن عدي حيا وكلمني في هؤلاء النتنى لأجبته إليهم .
3- لو سلك الأنصار واديا :

كانت بيعة العقبة الثانية حاسمة في تاريخ الدعوة الإسلامية فبمقتضاها تقرر انتقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونقل دعوة الإسلام العظيمة إلى هناك لتتحول يثرب القرية الصغيرة إلى المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية ،ولكن هذا الانتقال ليس أمرا سهلا بل تترتب عليه تبعات فالمستقبلون سترميهم العرب قاطبة عن قوس واحدة لذلك أدرك الأنصار حجم التحدي واستوثقوا لبيعتهم .
انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وبدأ جهاده ودعوته ،ولما بدأت السرايا والغزوات أراد النبي الكريم أن يجدد البيعة مع لأنصار فكانوا عند الموعد بموقفهم لمشرف في غزوة بدر  ( والله إننا لصبر عند اللقاء.....) .
بعد سنوات من التضحية والجهاد فتح الله على نبيه فكان صلح الحديبية وفتح مكة وكان نصر حنين وكثرت الغنائم فوزعها صلى الله عليه وسلم في مسلمة الفتح والمؤلفة قلوبهم ....فكأن بعض الأنصار أحس بالأثرة وربما كان للمنافقين دور في ترويج الشائعات أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) قد عرف قومه.

روى البخري ومسلم من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم: قال  ;لمَّا أَفاءَ الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- يوم حُنَيْن قسم في الناس في المؤلفةِ قُلوبُهُم ولم يُعط الأنصارَ شيئا ، فكأنهم وَجَدوا ، إِذْ لم يُصِبهم ما أصابَ الناس، فخطبهم ، فقال : يا معشر الأنصار ، أَلم أجِدكم ضُلالا فهداكم الله بي ؟ وكنتم مُتفَرِّقين ، فَألَّفَكم الله بي ؟ وعالة فأغْنَاكُم الله بي ؟ كلما قال شيئا ، قالوا: الله ورسولُهُ أَمَنُّ ، قال : ما يمنعكم أن تجيبوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ قالوا : الله ورسولُهُ أَمَنُّ ، قال : لو شئتم قلتُم : جئتنا كذا وكذا ، أَلا تَرضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنَّبيِّ إِلى رحالكم ؟ لولا الهجرةُ لكنت امْرَءا من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشِعبا لسلكت وَاديَ الأنصَارِ وشِعْبَها ، الأنصار شِعار ، والناس دِثار ، إِنكم سَتَلْقَونَ بعدي أَثَرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض  .
و في رواية :; فقال : أما إِنكم لو شئتم أن تقولوا : جئتنا طريدا فآويناك ، وشريدا فنصرناك ، وكذا وكذا...

إنه الوفاء النبوي لو شئتم لقلتم جئتنا طريدا فأويناك .....المحيى محياكم والممات مماتكم رغم أن مكة أحب البقاع إليه ولكن ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكافئ ذلك الجهاد وتلك التضحية بالانتقال إلى مكان آخر فكان أن أكرمهم بمقامه بينهم وتوفاه الله على أرض المدينة .

قبسات من الوفاء النبوي/الطيب الناجي

السراج TV