بضع كلمات عن الشيخ القرضاوي/أحمد ميلود |
الجمعة, 18 أبريل 2014 00:50 |
الشيخ القرضاوي رجل له وزن، لذلك له أعداء. شاع صيت القرضاوي وسماه الغرب قبل الشرق، The global Mufti أو المفتي العالمي. وهو بالفعل كذلك. فكيف لا. إن الرجل الذي كتب أكثر من مائة كتاب، في الفقه وعلوم الشرع الأخرى، إن من لا يزال بعد الثمانين يخطب بحماس أبناء العشرين، من اذا قال أسمع، وإذا أنتقد أوجع، وإذا كتب غذّى الروح وحاور المنطق، من يستشهد بالشعر بسلاسة لا تضاهيها إلا سلاسة إستشهاده بالآيات، من يكتب الغزل كتابته لأناشيد الحماسة، من يتكلم في السياسة كلام العارفين، و في الفن كلام المتابعين المطلعين، من تخرج من مدرسة من الحضارة أختلط فيها "المشغوف بآيات المثاني مع اللاهث خلف رنات المثاني،" إن رجلا هذه حاله لجدير بنا أن نتعامل معه ببعض التواضع. القرضاوي عالم يصيب ويجانب الصواب. ليس ملكا و لا شيطانا. لكنه ليس أمعة وليس طالب مجد فردي. القرضاوي ليس تاجردين. لو كان متاجرا بآت الله أو متخذا لها هزء لكان اليوم غنيا في حياته الخاصة، و بين الناس نسيا منسيا. الكثير مما كتب القرضاوي يمكن للكثير من العلماء الموريتانين أن يكتبوه بيسر لو إمتلكوا عشر ما ما أمتلك من فهم الحياة، أو ربع ما وهب من الحيوية، أو سدس ما رزق من الثقة في النفس، أو خمس ما أتيح للمشارقة من الجرءة على التأليف. ومع ذلك تبقى فيما كتب القرضاوي جواهر و نوادر، لا تتأتى إلا لمن حاور المداد، و أطلق العنان للخيال، وجمع طرائف وطرائد من العلم و الثقافة. هذه لا تتأتى لكل الناس. بل أجزم أن أعلم علماء موريتانيا يحتاج خمسة أعوام من الكتابة لكي يسيل لعاب قلمه بما يشبهها. رزق القرضاوي، مع الجرأة دبلوماسية من ينحني لمن ينحني لأهدافه. هذه تحتاج إلى عقل غير متكبر، وإلى نفس تأبى الإسفاف. من رزق هذه، ورمته أقداره إلى حيث أصاب المطر، و نمى العشب، وجد من المال ما يصرف عنه هموم الكبد، ومن الوقت ما يبلى في الراحة أو يستثمر في النصب. لم يكن القرضاوي ليختار الدعة على النصب وهو يعلم "أن لذيذ العيش في النصب." في صباه كان الشيخ القرضاوي رجلا من الإخوان، ثم صار الإخوان رجالا يتفقون مع الشيخ القرضاوي. لم يكن يوسف القرضاوي ليترك فكرا لا يجد فيه مسلم مذمة ولا مسبة، إلا من طافه طائف من حنق، أو عمي لتطاول العهد أو لكذب المخبرين، لكن القرضاوي الرجل العصامي، الرجل المؤمن لم يكن ليختلط عليه فكر أمة مع نظام جماعة تتبناه. كان مع الإخوان في نوبات المحن، مستقلا عنهم في سنوات المنح، رافضا أن يرأسهم أو يرأسوه. إنتشر فكر الجماعة بسببه حتى صغرت الجماعة عن استيعاب منتسبين لا تعرفهم. خالف القرضاوي الإخوان المسلمين علنا عندما كان الخلاف لمصلحة الفريقين، ووافقهم عندما لم يكن بين الجماعة و الفكرة مسافة تسمح بالإختلاف. في خلاف الجماعة وافق القرضاوي، السلفيين، و السعوديين، و غيرهم، وفي إتفاقه مع الجماعة خالف هؤلاء جميعا. لم يعبأ القرضاوي على خلافه في الأولى ولا بسهام النقد في حال الإتفاق من غرماء الجماعة. لم يبع القرضاوي تاريخه في الجماعة ولم يحمله كله على ظهره. تعلم القرضاوي قبل أن يدرك ذلك غيره أن القوة في عالم اليوم، صوت وصورة وفكرة. فكان القرضاوي حريصا على ألا يلقي كلمة إلا ضربت في كل وسائل الإعلام: في الإذاعة، في التلفزيون، في الجريدة و على المواقع. ملأ القرضاوي التاريخ وهو حي، وسيذكره التاريخ وينشغل به أهله بعد رحيله. أطال الله عمره، ووفقنا وإياه للرشد.
نقلا عن صفحة الكاتب الشخصية على الفيس بوك.
|