الإمام بداه وجهوده الإصلاحية الكبرى/محمد الحافظ ولد الغابد |
الخميس, 18 سبتمبر 2014 13:40 |
بفقدان موريتانيا لعلامتها ومصلحها الكبير الإمام بداه ولد البصيري تكون قد خسرت مصلحا قل نظيره في المصلحين، وإماما مجددا ندر أن يوجد له مثيل في المجددين، فقد وفقه الله تعالى لنشر دعوة الإسلام والصدع بكلمة الحق أمام الظلمة من الناس والطغاة من الحكام خلال الخمسين عاما الماضية التي واكب خلالها نشأة الحاضرة في مجتمع البادية ،فكان المرشد والموجه والمعلم الذي نهل من علمه الكثيرون ،وكان الواعظ والمربي الذي ينهل من هديه ودله الجميع ،فهو المكرع العذب والمنهل الصافي رحمه الله رحمة واسعة . وسنحاول من خلال هذه السطور أن نشير لخطوط عريضة من هذه الجهود التي هي معالم بارزة مشهودة معلومة يعرفها أهل البلاد جميعا ولكن الشهادة بالحال في هذا المقام هي من العزاء الواجب لتلاميذ الشيخ ومحبيه في مختلف بقاع الأرض. أولا: نشأة الإمام العلمية: وقد أخذ الإمام عن جلة من الشيوخ والعلماء الأفاضل في موريتانيا من أهمهم: 1- الشيخ العلامة محمد سالم بن آلما المتوفى سنة 1383هــ 2- الشيخ العلامة محمد بن المحبوبي المتوفى سنة 1385هــ 3- الشيخ العلامة محمد عال بن عبد الودود المتوفى سنة 1387هــ 4- الشيخ العلامة المختار بن ابلول المتوفى سنة 1398هــ وغير هؤلاء فهو رحمه الله ظل يدرس العلوم الشرعية ويطالع ويصنف لمدة عقود تنبؤ بذلك مصنفاته المتنوعة وفتاواه المتعددة في شتى الفنون ،وقد جمع رحمه الله بين انتسابه للمدرسة الفقهية التجديدية التي يعتبر رائدها الأول بلا منازع في موريتانيا والانتساب للتصوف الذي برز فيه كإمام ومرجعية صوفية، ثم بدأ يشق طريقته الإصلاحية متعددة الجوانب والاهتمامات فهو قد اهتم بالإصلاح في ثلاث مجالات رئيسية أخذت جل اهتمامه،وله مواقف إصلاحية تضعه على قائمة من اهتم بأمر الإصلاح في هذا الركن القصي من العالم الإسلامي، فهو في الحقيقة من أضراب الشيخ محمد عبد والأفغاني والشيخ رشيد رضا ومدارسهم الإصلاحية وإن تأخر به الزمن ونأت به الدار هنا في "بلاد المنكب البرزخي" .
وقد صنف الإمام بداه كتابه:" أسني المسالك في أن من عمل بالراجح ما خرج على مذهب الإمام مالك" لمعالجة قضية منهجية وجوهرية في الفقه المالكي وأصوله تتمثل في تقديم متأخري فقهاء المالكية العمل بمشهور المذهب على العمل بالراجح ،ولمعرفة أهمية المسألة لابد من إدراك المقصود بالمشهور والمقصود بالراجح. فـــ"المشهور ما كثر قائله" بين الفقهاء في المذهب وكثيرا ما يتعارض مع الراجح وهو "ما قوي دليله" وهذا الجمود على المشهور في الفقه المالكي يعتبره الإمام نتيجة من نتائج ضعف الفقه في العصور المتأخرة ،مع أن التنافس بين الرأي والأثر قديم يرجع إلى عهد ابن القاسم وابن وهب حيث مثل الأول مدرسة الرأي التي تمثلها المدونة بينما ظل الثاني مخلصا للمدرسة الأثرية التي يمثلها مذهب مالك بامتداداته التاريخية وجذوره العريقة في المدينة النبوية كما يمثلها موطأ مالك نفسه. وقد بذل لإمام بداه جهدا مقدرا في سبيل إعادة التوازن للمذهب المالكي الذي اختل توازنه في القرون الأخيرة لصالح مدرسة الرأي الفروعية حاثا على نبذ التقليد واتباع السنة المطهرة وجاء العديد من مؤلفاته مهتما بإرساء معالم إصلاحية كبرى في هذا السبيل من أهمها إضافة إلى كتاب أسنى المسالك المتقدم: 2- علم الكلام الأشعري ومذهب السلف: أما التفويض فهو مذهب للسلف في العقيدة قديم منذ أيام الصحابة والتابعين كما هو مذهب بعض الأشاعرة ،والذي استقر عليه الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله وعبر عنه في كتاب الإبانة عن أصول الديانة كما ذكر مؤرخ الإسلام الكبير الإمام بن عساكر رحمه الله تعالى. وقد جدد الإمام في هذا الجانب تجديدا تعكسه عناوين كتبه المتنوعة والتي اهتمت بإرساء أسس النقاش العلمي الهادئ الذي يحفظ لأهل العلم فضلهم ومكانتهم مهما كانت آراؤهم مخالفة لرأيه ومن أهم كتبه في هذا المجال: وبهذا العلم الغزير الذي أودعه الإمام بطون الكتب وصدور الرجال يكون الإمام قد أسس مدرسة قائمة على الاعتدال في تقويم الرجال والمذاهب ستظل مؤثرة في الأجيال القادمة بعيدا عن مواقف مدارس ظهرت في السنوات الأخيرة في العالم الإسلامي انبثت منها نابتة منزوية اختصت بالزراية على أهل العلم المتقدمين. 3- معركة التشوف على بدع التصوف : وهو يعتبر التصوف "النقي من البدع" من التزكية التي ندب إليها القرآن في قوله تعالى:" قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" وكان يدرس حتى في السنوات الأخيرة العديد من متون التصوف مثل مطهرة القلوب لمحمد مولود ولد أحمد فال وكان ينصح بمطالعة إحياء الغزالي مع حاشية عبد الرحيم بن الحسين العراقي التي تركزت حول تخريج الأحاديث الواردة في الإحياء. ورغم كثرة الطرق الصوفية في موريتانيا فقد ظل الشيخ ينكر البدع القولية والفعلية التي تصدر عن هؤلاء ولكنه ظل يحظى بالاحترام والتقدير لدى جميع الطرق فهو رحمه الله تفرد بكونه إمام المسلمين جميعا ينصحهم ويوجههم بدون مجاملة أو مدارات ولم يحصل ذلك لغيره من العلماء. ورغم اشتداد النكير على التصوف في البلاد بفعل تنامي تيارات الدعوة الإسلامية خصوصا منها تلك التي تقوم فكرتها على مناهضة الطرق الصوفية إلا أنه ظل صاحب قول عدل يحتفظ للجميع بمكانتهم العلمية والروحية وإن خالفهم الرأي وأنكر عليهم بعض أفعالهم وأقوالهم وبين لهم ما يعتبره شرعا واجب البيان أو دينا واجب الإتباع. 4- إمام الدولة ومرجع الساسة : وكان الساسة يعتبرونه المرجع الذي يلجأ إليه في المشكلات والمعضلات وكان للرجل محبوه وتلامذته الكثر من الساسة والمثقفين في البلاد لأن أسلوبه ومنهجه الزاهد المعرض عن الدنيا وزخرفها يجعل الجميع يجله ويقدره إضافة إلى صدق الإمام وانسجامه مع مبادئه ودعوته القرآنية. وفي الختام نقول إنه لا يمكن لهذه السطور أن تستوفي معالم الجهود الجبارة التي بذلها الإمام في مجالات الإصلاح الفقهي والسلوكي وحتى السياسي ولكن الذي نؤكد عليه أنه لولا العلم النافع الذي بثه الإمام وتلامذته ومنهجه المتسم بالحكمة والموعظة الحسنة لشهدت موريتانيا هزات عنيفة جراء الفكر الوافد، ونحسب أن منهج الإمام في الدعوة إلى الله وإنكار المنكر وتصحيح الأخطاء الاجتماعية جدير بأن تقام له معاهد يدرس فيها ومراكز تقام لنشره حتى تستفيد الأمة من تجربة عملية عايشت الواقع وأثرت فيه تأثيرا إيجابيا بالغا جديرا بالإقتداء والتمثل للأجيال الجديدة. والله وحده هو حسبنا ونعم الوكيل. نقلا عن صفحة الكاتب على الفيس بوك
|