الأخوة الإسلامية .. أسس الرؤية وإشكالات الحل/أحمد جدو ولد أحمد باهي
الثلاثاء, 25 يونيو 2013 11:45

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين.

أولاً: الأخوة الإسلامية

هي حقيقة شرعية مؤكدة حتى حصر المؤمنون فيها "إنّما المؤمنون إخوة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم" الحديث.

والأخوة الإيمانية نعمة ربانية امتن الله -عزّ وجل- بها على المؤمنين، "واذكروا نعمة الله عليكمْ إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتُم بنعمته إخواناً" الآية.

والأخوة الإسلامية من نعيم الجنة المُعد للمتقين، ".. إخواناً على سُرُرٍ متقابلين لا يمسُّهُم فيها نصَبٌ وما هم منها بمخرَجين".

والأخوة الإيمانية لا يكون الإيمان كاملا حتى تكمل "لا يؤمنُ أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه".

وفي المقابل ففقدُها ضعف وضلال وسببٌ للعذاب "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبَ ريحُكم واصبروا إنّ اللهَ مع الصابرين"، "ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفُواْ من بعد ما جاءهُمُ البينات وأولئك لهم عذابٌ عظيم".

ثانياً: أسـس الرؤية: أسس الرؤية التي تقوم عليها هذه الأخوة وتقوّيها وتنميها وتُعين على استمرارها:

نحن نعرف أن هذه الرؤية تقوم على وحدة الدين عقيدة وعبادة، ووحدة الأصل والمساواة أمام الله، وأمام التكاليف والواجبات والحقوق، وعلى الكرامةُ التي خص الله بها هذه الإنسان وكرمه بها، وهي أسس متينة وكافية ولكن نذكرها بطريقة أخرى فيها تذكير وتوجيه، وعلى وجهٍ يطلب العمليةَ فيها وبشكل أكثر تفصيلا.

1.     الحرص على الفهم الصحيح للإسلام وعلى التفقّه فيه والتمسك به عبادة وخلُقا وسلوكا ومعاملات ومواقفَ ومشاعرَ وعواطفَ صادقة.

2.     أن نستحضر في أخوتنا ووحدتنا المعنى العميق لكرامة الإنسان، وأن نحترمها وأن نعول عليها ونصونَها.

3.     أن نزن بميزان الله ونتعامل على أساسه حتى ندفع الناس إلى التقوى لشعورهم بمكانتها في حياتنا وتعاملنا ومشاعرنا.

4.     الحرصُ على العدل والمطالبة به، والصدق في الدفاع عنه، فلا أضرَّ على الأمة والأوطان من الظلم وغياب العدل.

5.     تقدير الوطن والحفاظ عليه، فهو سفينة الجميع، وقدوتنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقّع وثيقة الحفاظ عليه مع اليهود والكفار فكيف بالحفاظ عليه بيننا نحن أهل الإسلام.

6.     احترام التاريخ والروابط المشتركة الكثيرة، وزرع معانيها في الأجيال من خلال البيت والمدرسة والوسائل العامة.

7.     أن نعلم أن الأخوة الإسلامية لا يقبل فيها أقل من قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنُ للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضُه بعضاً". وقوله: ".. كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

 

ثالثاً: إشكالات الحـل:

 

لا شك أن تأصيل الأخوة والتذكير به من الذكرى التي تنفع المؤمنين، وكذلك التذكير ببعض الأسس التي تقوم عليها هذه الأخوة، لكن من أهم ما نحتاجه الآن جوانب عملية نتواصى بها ونعمل لتحقيقها في حياتنا، وفي مؤسسات الشعب والدولة، وهنا نقول بشكل واضح إن مكونات هذا الشعب -من البيضان والبولار والسوننكي والولف والحراطين- عليهم أن يقدموا على خطوات عملية تتجاوز كل جفاء، وكل دعوة عنصرية أو جهوية أو قبلية، وأذكر هنا خطوات عملية قريبة سهلة ومؤثرة ونافعة بإذن الله تعالى:

1.     الاندماج في الأحياء السكنية وتشكيل لجان محترمة في هذه الأحياء رجالية ونسائية وشبابية تعمل على تفقد الأحوال ومساعدة المحتاجين، وقبل ذلك تقوم بأنشطة دعوية وزيارات تعارف، وتنظم الاحتفالات الاجتماعية بشكل مشترك بين جميع المكونات، وتعقد عقد المؤاخاة بين الأسر ببرامج محددة لأشهر من السنة على الأٌقل، وتحل النزاعات وتساعد في حل مشاكل الأبناء المراهقين والجانحين، وتشرف هذه اللجان على برامج المسجد وعلى محاضر الحي، كما تشرف بشكل قانوني وتعاوني مشترك على المدارس والإعداديات والثانويات التي إذا صلحت وجدّتْ حُلت كثير من مشاكل الأبناء والبنات دون شك.

2.     العمل على دمج مكونات الشعب العرقية والجهوية في كل الجمعيات والنوادي المدنية وخاصة تلك التي تحمل هم الدعوة أو همّ التعليم أو العمل الخيري الجاد، فهذه المؤسسات ينبغي أن تكون محاضن أخوية ودعوية تذوب فيها الفوارق وتظهر فيها كل المكونات بشكل يعطي الانطباع بأنها للجميع وتحترم الجميع وتعني الجميع. وعلينا أن نحذر من جعل أية واحدة منها بلون واحد، فإن ذلك يخالف قاعدة "يداً بيد" مهما سلمت النيات وصلحت البرامج.

3.     التخطيط لمنابر وأيام وليالي تربوية مشتركة في أماكن تواجد "لكور" و"لحراطين" و"البيظان"، والتعبئة لها حتى تكون منابرَ وأياما ولياليَ أخوة ومحبة وتعارف، وتوظيف المساجد والجمعيات لذلك أحسن توظيف.

4.     أن نجعل من مهام هذه اللجان التي سبق ذكرها تعليم اللهجات الوطنية واللغة العربية واللهجة الحسانية للجميع من خلال دورات في النوادي والجمعيات، ومن خلال عقد المؤاخاة الحاصل بين الأفراد والأسر، مع ملاحظة أنه إذا اتسع ما بدأ الآن في المقاطعات الشرقية من العاصمة فاشترك السكان في الأحياء وفي المدارس وفي المساجد مع الأنشطة التي سبق ذكرها فإن اللغات قد تصبح سائدة لدى الجميع بشكل سلس وتلقائي.

5.     التزاوج والمصاهرة المتبادلة مع توعية شاملة تجاه الجميع  أن يخففوا من العادات المتخصصة لصالح التفاهم والتعاون، دون أن نظن أن القضاء على الخصوصيات الثقافية والاجتماعية هدفاً نريده فليس ذلك من شأن رسالة الإسلام، وإنما نريده تخفيفا يسمح بحسن العشرة ويعين على التفاهم.

6.     تنظيم جهود علمية فقهية ودعوية وخيرية صادقة مفعمة بالاحترام والتقدير لا تريد استغلال الضعف والحاجة لمآرب عاجلة ولا تريدها للتبعية وإنما تريد تحرير الإنسان المواطن المسلم، وتربيته على العزة والشرف والأخوة.

هذه الجهود توجه لمكافحة بقايا الرق في البيظان ولكور ومحاربة مخلفاته حتى نشعر جميعا بالعزة والحرية والمساواة.

ومن نظر في أصول الرق وجوانب كثيرة من الممارسة السابقة، وفي طبيعة العصر وحاجة الوطن وكان له فقه في مقاصد الشرع لم يتردد في القول إن الرق اليوم في موريتانيا باطل شرعا، بالإضافة إلى مؤثرات أخرى كثيرة منها الاتفاقيات الدولية ومنها القرارات الوطنية.

ولا نريد هنا الدخول حول جدلية بقاء الرق من عدمه ولكن مما لا شك فيه أن كثيرا من الفقهاء التقليديين والمواطنين العاديين يعاملون شريحة كبيرة من السكان على أساس أنهم أرقاء، فلا يجيزون لهم العقد على بناتهم ولا أخذ الميراث، ولا يقبلون شهادتهم، ولا يرون                                          تنصيبهم أئمة للصلاة، بالإضافة إلى جوانب أخرى شديدة التأثير على الأخوة وعلى المحبة وعلى المساواة.

أما الآثار فصحيح أن الفقر يعم كل المكونات لكن المستوى الذي يعم به شريحةَ "لحراطين" حتى  أصبح الكثير من نسائها يعملن خادمات في البيوت لتأمين لقمة العيش يفوق ما هو حاصل في بقية المكونات الأخرى.

لا نريد بهذا نكأ الجراح ولا نحمل جهة معينة مسؤوليته، ولكن ندعو الجميع إلى أن تكون لهم مشاعر محبة وتضامن وأخوة تجاه مكونات المجتمع كلها، وأن لا تكون عواطفنا ومشاعرنا قاصرة تشعر بمأساة عادية أحيانا في جهة معينة ولا تشعر بمأساة أخرى قد تكون أكبر في جهة أخرى تتمتع بأخوة الدين وحق الجوار وحق المواطنة.

ولا بد هنا من الدفع بجهود أهل التأثير والوسائل لتدارك بعض النقص في ما أشرنا إليه، ولتجاوز كل دعوة عنصرية أو قبلية تتجاوز حدود الإصلاح والخدمة إلى حدود الفتنة والتفرقة.

هذا والمجال له جوانب أخرى كثيرة نتركها لجهات أخرى متخصصة، ونسأل الله -عزّ وجلَّ- صلاح الدنيا والآخرة وأن يحقق أخوتنا وأن يحفظ وحدتنا وأن يتمم مودتنا وألفتنا.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الأخوة الإسلامية .. أسس الرؤية وإشكالات الحل/أحمد جدو ولد أحمد باهي

السراج TV