قصدٌ في النية والقصد/ عمر ولد البشير |
السبت, 29 يونيو 2013 21:14 |
إنه منطق الخروج من ربقة الأهواء وملاحظة الشخوص إلى فضاء العبودية المحضة لله تعالى وتجريد البواعث وتفتيش المنطلقات في دقيق الأعمال وجليلها لتكون مرضية عند الله تعالى خالصة لوجهه الكريم، وهو أمرٌ ننشده اليوم إزاء التركيز على الأشكال وكثرة الألقاب.. وفي عالم استخفت فيه السرعة عن لوازم التربية أو أثقلت التربية عن لوازم العمل. وفي يسير الحديث نصحب كلام أئمة السلف رضوان الله عليهم لتجلية بعض تلك المعاني حيث يُحلل الإمام الغزالي رحمه الله معنى النية تحليلا عميقا ليكون بمقدور كل صاحب عمل أن يزن عمله بميزان الإخلاص انطلاقا من هذا التحليل فيقول : "هي الإرادة وانبعاث النفس بحكم الرغبة والميل إلى ما هو موافق للغرض إما في الحال و إما في المآل، فالمحرك الأول هو الغرض المطلوب وهو الباعث والغرض الباعث هو المقصد المنويُّ، والانبعاث هو القصد والنية وانتهاض القدرة لخدمة الإرادة بتحريك الأعضاء هو العمل"، كما يكشف رحمه الله عن معنى الإخلاص في الأعمال الذي لا تُقبل إلا به رادا المعنى إلى أصله بقوله: "اعلم أن كل شيء يُتصور أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه وخلص عنه سمي خالصا ويسمى الفعل المصفّى المخلص، والإخلاص يضاده الإشراك فمن ليس مخلصا فهو مشرك إلا أن الشرك درجات فالإخلاص في التوحيد يضاده التشريك في الإلهية والشرك منه خفي وجلي وكذا الإخلاص، والإخلاص وضده يتواردان على القلب فمحله القلب وإنما يكون ذلك في القصود والنيات". وطلب المحمدة من الناس يقع على رأس الشرك الخفي فالمخلصون كما يقول ابن القيم رحمه الله لا يبتغون من الناس جزاء ولا شكورا "بل قد عدوا الناس بمنزلة أصحاب القبور لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فالعمل لأجل الناس وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم ورجاؤهم للضر والنفع منهم لا يكون من عارف بهم البتة، بل من جاهل بشأنهم وجاهل بربه فمن عرف الناس أنزلهم منازلهم ومن عرف الله أخلص له أعماله وأقواله وعطاءه ومنعه وحبه وبغضه". وقد عدَّ الغزالي رحمه الله أشياء من الحظوظ قد تخالط كل الأعمال والقربات الشرعية وعقَّب على ذلك بقوله: "وبالجملة كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ويميل إليه القلب قلَّ أم كثر إذا تطرق إليه العمل تكدر به صفوه وزال به إخلاصه" وهو الأمر الذي يفسّر معاناة أئمة السلف والمكابدة التي كابدوها فهذا سهل بن عبد الله يقول: "ليس شيء أشق على النفس من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب "وهذا الشافعي يُعلن: "وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا ينسب لي منه شيء" وبشر بن الحارث يُردف: "لا تعمل لتذكر، اكتم الحسنة كما تكتم السيئة". وإبراهيم بن أدهم يُبرز معلم الصدق " ماصدق عبد أحب الشهرة " ولم يقف بهؤلاء –والذين اتبعوهم بإحسان– الحد عند التحذير من التخليط بل تناولوا الإخلاص من كل زواياه تنقيبا وتمحيصا فمنهم من رأى مكابدة النية واتهام النفس وشهود التشريك في العمل هو الإخلاص كما قال السوسي: "الإخلاص فقد رؤية الإخلاص" فالنظر إلى العمل بعين العجب ولو كان العجب بالإخلاص يُزيل عنه تلك الصفة ويتكدر بذلك. وقد ركز بعضهم على الرياء وخطره حتى كان حديثه عن الإخلاص منصبا عليه فهذا أبو عثمان يقول: "الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق فقط" وهذا احتراز عن آفة الرياء فحسب لعظم مقارعتها ولذلك قال الآخر: "أعز شيء في الدنيا الإخلاص وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي وكأنه ينبت فيه على لون آخر". ومنهم من شملت عبارته المعنى الأعم فهذا سهل رحمه الله يقول: "الإخلاص أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة". وأخيرا – للوفاء بشرط القصد- فإن الحصر في "إياك نعبد و إياك نستعين" المتلوّة آناء الليل و أطراف النهار منار لبعد العبد في الأعمال عن الخلائق والصفاء عن العلائق. |