بصائر قرآنية الحلقة 2 (إدراك الكافر)/علي ولد محفوظ
الثلاثاء, 02 يوليو 2013 21:32

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾.

معادلة المثال:

الكافر+ من يدعوه (اتبعوا ما أنزل الله) = الناعق + المنعوق به (ما لا يسمع) + دعاء + نداء.

قال الجوهري رحمه الله في الصحاح: (النعيق: صوت الراعي بغنمه، وقد نعق الراعي ينعق بالكسر نعيقا ونعاقا ونعقانا، أي صاح بها وزجرها، قال الأخطل:

انعق بضأنك يا جرير فإنما %منتك نفسك في الخلاء ضلالا

ونعق الغراب أيضا، بعين غير معجمة. والناعقان: كوكبان من كواكب الجوزاء).

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي - يريد عوافي السباع والطير - وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع ، خرا على وجوههما].

محل الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم:"ينعقان بغنمهما".

قال ابن جرير الطبري رحمه الله: (اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : مثل الكافر في قلة فهمه عن الله ما يتلى عليه من كتابه وسوء قبوله لما يدعى إليه من توحيد الله ويوعظ به ، مثل البهيمة التي تسمع الصوت إذا نعق بها ولا تعقل ما يقال لها.

وعن ابن عباس ، قوله ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً ﴾كمثل البعير ، والحمار ، والشاة إن قلت لبعضها كل لا يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك ، وكذلك الكافر إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك).

وبعد عرضه لأقوال متقاربة مدارها على تعطل إدراك الكافر عقب رحمه الله بقوله:

(وقد تحتمل الآية على هذا التأويل وجها آخر غير ذلك ، وهو أن يكون معناها : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم كمثل الناعق بغنم له من حيث لا تسمع صوته غنمه فلا تنتفع من نعيقه بشيء غير أنه في عناء من دعاء ونداء ، فكذلك الكافر في دعائه آلهته إنما هو في عناء من دعائه إياها وندائه لها ، ولا تنفعه شيئا).

ثم رجح قائلا: (وأولى التأويلين عندي بالآية التأويل الأول الذي قاله ابن عباس ومن وافقه عليه ، وهو أن معنى الآية : ومثل وعظ الكافر وواعظه كمثل الناعق بغنمه ونعيقه ، فإنه يسمع نعقه ولا يعقل كلامه على ما قد بينا قبل).

وقال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله: (شبه تعالى واعظ الكفار وداعيهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم بالراعي الذي ينعق بالغنم والإبل فلا تسمع إلا دعاءه ونداءه، ولا تفهم ما يقول، هكذا فسره ابن عباس ومجاهد وعكرمة والسدي والزجاج والفراء وسيبويه، وهذه نهاية الإيجاز. قال سيبويه: لم يشبهوا بالناعق إنما شبهوا بالمنعوق به. والمعنى: ومثلك يا محمد ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به من البهائم التي لا تفهم، فحذف لدلالة المعنى. وقال ابن زيد: المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم الآلهة الحماد كمثل الصائح في جوف الليل فيجيبه الصدى، فهو يصيح بما لا يسمع، ويجيبه ما لا حقيقة فيه ولا منتفع. وقال قطرب: المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم ما لا يفهم، يعني الأصنام، كمثل الراعي إذا نعق بغنمه وهو لا يدري أين هي).

وإذا نظرنا إلى المثل معتبرين سياق الآيات تجلى المعنى أكثر، فإن الله تبارك وتعالى ذكر في الآية التي قبل ذكر المثل أن الذين كفروا إذا دعوا إلى الخير والإيمان أعرضوا ولم يعقلوا معانيه العظيمة وركنوا إلى التقليد الأعمى لآبائهم في الكفر. ثم أعقب المثال مشبها الكافر بالبهيمة التي ينعق بها وتدعى فلا تفقه من الكلام معانيه وإنما تحس به إحساسا سطحيا يتمثل في درك الصوت في صورته الساذجة مقارنة بمعانيه المركبة العميقة، فلا تعقله ولا تفهمه، ولذلك ختم الله تعالى الآية بقوله سبحانه:﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾.

فالمشبه هو من يقول للكافرين اتبعوا ما أنزل الله، والمشبه به من ينعق بالبهيمة ويدعوها، ووجه الشبه بين الكافر والبهيمة انعدام الإدراك الحقيقي.

وبمقارنة خاتمة آية هذا المثال للكافرين: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾بخاتمة آية المثال السابقللمنافقين:﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾يتضح الفرق بين المنافق والكافر، فإن الله سبحانه وتعالى قال في الكافرين: ﴿لاَ يَعْقِلُونَ ﴾لأنهم لم يعقلوا أصلا كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.

 وقال سبحانه في المنافقين﴿ لاَ يَرْجِعُونَ﴾  لأنهم عقلوا ثم أنكروا. كما قال تعالى: ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ﴾.

والحمد لله رب العالمين، اللهم صل على عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى ونتوسل إليك بصفاتك العلى أن تحفظنا من الكفر والنفاق بكل أنواعهما، ونسألك الخاتمة الحسنى يا أرحم الراحمين. اللهم صل على عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

بصائر قرآنية الحلقة 2 (إدراك الكافر)/علي ولد محفوظ

السراج TV