خواطر رمضانية (الحلقة 3)أحمد باب ولد محمد عبدي
الأحد, 14 يوليو 2013 16:57

altaltفي الجزءين الثالث والرابع تستمر الآيات المدنية في تربية الجماعة المسلمة وإعدادها لحمل أعباء الرسالة وأمانة الدعوة وسنأخذ نموذجا من كل جزء نسجل حوله بعض الخواطر

ففي الجزء الثالث نأخذ الإنفاق الذي أخذ حيزا كبيرا من آياته

1 ـ تكرر في الآيات تذكير المؤمنين بعلم الله تعالى بإنفاقهم وأن ثوابهم من عنده ، تكرر ذلك بألفاظ متعددة فبعد ذكر الإنفاق يقول : " فإن الله به عليم " " فإن الله يعلمه " " فإن الله واسع عليم " " فلهم أجرهم عند ربهم " ... لأن شعور المؤمن وهو ينفق ماله بأن عين الله تراقبه وأنه مطلع على ما في قلبه كفيل أن يطرد عنه الرياء ، وشعوره بأن ثواب ما يقدم سيكون من عند الله حقيق أن يرغبه في الإنفاق وقصد أفضل الموجود.

2 ـ الصدقة لا تختص بوقت دون وقت ولا بحال دون حال ولا بنوع من المال دون نوع " الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلنية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".

3 ـ لما ذكر الله تعالى الصدقة وما تجره على صاحبها في الدنيا من نماء وبركة في المال وفي الآخرة من ثواب وجزاء ذكر بعد ذلك وجها آخر مناقضا لها وهو الربا الذي يمحق بركة المال ويؤذن صاحبه بالحرب مع الله.

4 ـ "وما تنفقوا من خير يوف إليكم ..." يوف إليكم مضاعفا بسبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة .. يوف إليكم من الله الغني الحميد .. لكن هذا الوفاء وهذا الجزاء المضاعف له شروط بينتها الآيات منها.

أـ النية والإخلاص لله:

فلا يقبل الله من الصدقة إلا ما ابتغي به وجه الله وأنفقه صاحبه في سبيل الله أما من أنفق ماله رئاء الناس أو لهوى من شهرة أو غرض دنيوي فليس له عند الله جزاء ، وقد ضرب الله للمخلص والمرائي مثلين محسوسين يرسمان من المشاعر والمعاني ما لا يصل إليه بليغ بقول ولا يؤديه فنان بريشة " كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يومن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكفرين ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير "

ب ـ تجنب المن والأذى:

فالمن والأذى يمحقان آثار الصدقة ويبطلان جزاء صاحبها في وقت هو أحوج ما يكون إليه وقد كان يؤمل أن يجني بر صدقته ويتفيأ ظلها الوارف ويجلو ظمأه وسغبه بريها وغذائها .. في تلك اللحظة " فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت " وما هو إلا منه وأذاه

ج ـ أن يجود بأفضل الموجود:

فيجب على المسلم أن يقصد في الإنفاق خير ماله ويبذل في الله أفضل ما جعله الله مستخلفا فيه فالله أجل من أن يقصد بالرديء فهو غني عنه وحقيق أن يبذل فيه الطيب فهو حميد لسعي عباده " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" " يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبت ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه .. ".

وقد أعقب الله تعالى هذا التوجيه بالتحذير من مكر الشيطان وكيده الذي لا يزال بالإنسان يزين له ويوسوس له ويحرك فيه دوافع السوء نحو الامتناع من الإنفاق أو لحمله على التقرب بالرديء الخبيث وبين أن ما يخوف به الشيطان من الخوف والإملاق يقابله ما يعد به الله من المغفرة والفضل .. والفضل هنا يعم العطاء والبسط في الرزق فلتطمئن أيها المؤمن بوعد الله ولا تحذر ما يخوفك به الشيطان.

 

ومن الجزء الرابع نأخذ محور غزوة أحد وكلها خواطر ووقفات ودروس لألي الألباب ولكن نقف مع خواطر قليلة خطرت أثناء تلاوة هذه الآيات

1 ـ توقفت مندهشا وأنا أقرأ هذه الآية " إذ همت طائفتن منكم أن تفشلا والله وليهما " سبحان الله ! "منكم " " والله وليهما"  سبحانك ما أرحمك ! همت طائفتان هم بنو حارثة وبنو سلمة أن تفشلا ..  تفشلا في موقف حرب وجهاد ومع ذلك هم منكم والله وليهما .. فشعرت بسعة رحمة الله وقربه من عباده ، فمهما عظم الذنب ومهما كبرت الخطيئة فيبقى الأمل في رحمة الله وعفوه.

2 ـ " وتلك الأيام نداولها بين الناس " تساءلت وأنا أتلو هذه الآية عن السر في هذا التداول وهذا التدافع بين الحق والباطل وقلت في نفسي لماذا لا يكون النصر للمسلمين في كل حين ففاجأني ختام الآيات يكشف السر ويبين الحكمة " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظلمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكفرين " فإنما يتميز المؤمن من المنافق ويتكشف المخبوء في النفوس بذلك التداول وهو الذي يبين درجة الثقة بالله أو القنوط ودرجة الاستسلام لقدره أو الجزع منه.

3 ـ في القرآن آيات عندما تلامس سمعك ترفعك مباشرة إلى الملإ العلوي وتشعر بحقارة ما يتنافس فيه الناس من متاع الحياة الدنيا وزينتها ... في القرآن آيات تعبر عن معاني لا يمكن الوصول إلى حقيقتها بل تترك للقلب الحي ليعيش في رحابها ولا يملك لها من التفسير إلا الشعور الوجداني بما تمليه من إشارات هي من فيض العالم العلوي ، ومن ذلك ما تشعر به من الاصطفاء والاختيار للشهداء وأنت تقرأ هذا المقطع من هذه الآية "ويتخذ منكم شهداء ".

4 ـ " أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأوىه جهنم وبئس المصير ":

وردت هذه الآية في ختام الآيات الواردة في غزوة أحد بعد ذكر تفاصيل القصة وما آل إليه أمر المسلمين بسبب مخالفة الرماة من أجل الغنائم وبعد الإشارة إلى الغلول فكانت لمسة من لمسات المنهج الرباني في تربية النفوس ، وتأمل بلاغة التعبير القرآني وكيف جعل رضوان الله قائدا يتبع وهاديا يقتدى به وإنما يحصل ذلك بتوفيق الله وهدايته أما ما يجلب سخط الله فإنما هو من كسب الإنسان.

 

...يتواصل.........

خواطر رمضانية (الحلقة 3)أحمد باب ولد محمد عبدي

السراج TV