الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. بين الإفراط والتفريط/أحمد سالم بن زياد |
الأحد, 14 يوليو 2013 18:26 |
ما أكثر المفاهيم المغلوطة حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..!! إن المقصد الأبرز من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ هو رد الناس إلى طاعة الله، لذلك تتعدد الوسائل؛ ويتعدد الخطاب؛ بتعدد الحالات، واختلاف المواقف.. ولذلك؛ ليست هناك صورة واحدة للأمر بالمعروف، ولا هيئة واحدة للنهي عن المنكر.. ولذلك؛ كان لا بد للآمر بالمعروف أن يكون فقيها، وللناهي عن المنكر أن يكون حكيما.. وكم من آمر بالمعروف خرج عن العرف والمعروف، وكم من ناهٍ عن منكر وقع في منكر أكبر وأخطر.. "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ليسا كإقامة الحدود التي هي خاصة بالسلطان، بل هما واجبان على العامة والخاصة على حد سواء، كل حسب موقعه وسلطته، لكن، ليس للعامة سلطة بعضها على بعض، وليس للعامة أن يغيروا المنكر بعضهم على بعض بأيدهم، وليس لأي منهم أن يسبّ أو يشتم أو يضرب... وقد وضح العلماء أن تغيير المنكر باليد وظيفة السلطان والحاكم؛ وتغييره باللسان وظيفة الدعاة والعلماء؛ وتغييره بالقلب وظيفة الجميع..!!
أخي في الله.. عندما تأمر بالمعروف، أو تنهى عن منكر؛ اعلم أنك متعبدٌ بأمرك ونهيك، ولا بد للعبادة أن تكون خالصة لله، لا حظ للنفس فيها ولا رياء ولا طلب لمحمدة ولا تحامل على العاصي؛ انتقاما أو بغضا له... لا بد للعبادة أن تكون على منهاج النبوة، وقد قال الله لإمام الدعاة -صلى الله عليه وسلم- : ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)). وحظُّ النفس نعرفه بانتصارنا لأنفسنا حين يَردُّ علينا العاصي بقبيح، أو أن نستشعر أن العاصي ما فعل هذا إلا استخفافا بنا وانتهاكا لحرماتنا...والرياء نعرفه – أيضا - بكوننا ننشط للأمر بالمعروف أمام الناس فنتحمس له، ونتكاسل عنه إذا اطلعنا عليه خفية، ومثله الاستشراف إلى ثناء الناس علينا وحبنا لحمدهم، فالمخلص يتساوى عنده رضا الناس وسخطهم... وأضرُّ من كل ذلك، أن تجعل من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ سلما تصل به إلى أعراض خصومك ومناوئيك، حينها تكون كمن ركب شهوته وتَقَحَّم النار.
أخي في الله.. قبل أن تأمر بالمعروف؛ فتش نفسك جيدا، قبل أن يكبك الرياء في النار، فالرياء شرك، وجرم العاصي معصية، والله يغفر المعصية مهما عظمت؛ ولا يغفر أن يشرك به.. فالله الله في نفسك..!!
أخي في الله.. يجب أن تفهم أن الذي جعلك تنهاه عن ذنب ربما تقع أنت فيه؛ هو امتثالك لأمر الله، فقد حذرنا من حال قوم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، فلعنهم الله، وطردهم طردا أزليا من رحمته..!! ويجب أن يكون حبك لأخيك العاصي وخوفك عليه من دخول النار؛ هو ما جعلك تأمره بالمعروف وتنهاه عن منكر، وخوفك من أن يعاقب الله الجميع على تفريطهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..!!
أخي.. لو فهمتَ أن الله ساقه إليك وساقك إليه؛ لتكسب به أجرا، وتدخل به الجنة؛ لأحببته حبا جمّا، وتلطفتَ به حتى يهديه الله بك، ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرٌ لك من حمر النَّعَمِ. ولعله ذات يوم، يقف عليك وقد عثرتَ ووقعت في جرم كجرمه أو أعظم منه..!! ولو أن العاصيَ زبونٌ تعرضت له؛ لتكسب منه بعض حطام الدنيا الفاني؛ لكنت حريصا عليه، وديعا معه، تخفض له القول، وتلين له الجانب..!!
أخي في الله.. حذار، حذار، من أن تعين الشيطان على أخيك؛ فتكون أنت والشيطان ونفسه الأمارة ثلاثة على واحد تجرونه إلى النار..!! ليس الأمر بالمعروف حاصل "بافعل" وليس النهي عن المنكر مترتب عن "لا تفعل"، فكم من "افعل" محرضة على ترك الفعل عنادا وتعنتا..!! وكم من "لا تفعل" مغرية بالفعل استفزازا، حين تغيب الحكمة و يختفي اللين..!! إن الفظاظة ليست من شيم الدعاة، ولا خير في غليظ القلب، منزوع الرحمة فيعطيه للآخرين، وقديما قيل :فاقد الشيء لا يعطيه، ولا ذنب أكبر من تنفير الناس من دين الرحمة، ولا جرم أخطر من تحكيم غلاظ الأكباد في رقاب الناس..!! أحيانا يكون إنكارك بوجهك خير من كلامك؛ وأحيانا تكون إشارة بإصبعك؛ خير من خطبة عصماء.. وأحيانا تحتاج لشدة في الكلام، وإغلاظٍ في القول، ورفعٍ للصوت؛ حتى يزدجر العاصي ويرتدع المذنب..عليك أن تكون فقيها، عاقلا، تزن الأمور، وتعامل كل حالة بما يناسبها، خبيرا بالنفوس، وعارفا بطبائعها، عالما بعادات وطبائع المجتمعات..! فالثابتُ الهدف، والمتغيرات الوسائل، ولا يحسن بك أن تقسوَ حيث ينفع اللين، ولا أن تلين حيث تلزم القسوة، وأن تخطئ في اللين؛ أحب وأسلم من أن تخطئ في القسوة، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (ماكان الرفق في شيئ إلا زانه). وحذار أن تكون ممن يعالج الخطأ بخطإ أكبرِ منه، فلقد كثر في المساجد من يرفع صوته غضبا من رنة هاتف، وقعت سهوا ونسيانا من صاحبه، فيرعد ويزبد، وأحيانا يسب ويشتم دون حقّ، وإن كان الدافع تغيير منكر وقع من صاحبه غلطا؛ فقد وقع هو في منكر آخر أشنع مع سبق إصرار..!!
إخوتي في الله.. إننا في بلاد شنقيط، بلاد العلماء، بلاد حفظة القرءان، البلاد الإسلامية؛ مبتلون بداءين أحلاهما مُرُّ: ندرة الآمرين بالمعروف؛ وكثرة غلاظ القلوب الأفظاظ.. وإنك لترى المنكر المتعارف عليه، المحمي بالعادة، المحروس بالتقاليد..!! وأخطر منه منكرات متكاثرة، يجهر بها العصاة، حين أمنوا مكر الله، وردة فعل المجتمع، مجتمعٌ ألف ردم رأسه في التراب كلما رأى ما لا يحب..!! انتشر اللواط.. وليس المستتر المختفي منه ما يقلق؛ إنما الظاهر، الفج، الوقح، المتكسر، الذي أصبح يغزو ولا يغزى، يعيبُ ولا يعاب، يُخيف ولا يخاف، سليطَ اللسان، وقويَ الجنان، مهيبَ الجانب، محروسا بكبار المسؤولين..!! عمَّ الزنا.. وليس المستتر المخفي منه ما يقلق؛ إنما المجاهر به على قارعة الطريق، أمام البيوت، وفي ساحات المساجد، ولا مُنكر، ولا ناهيَ، ولا زاجرَ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..!! يقف المستهترون بسياراتهم أمامَ أعين المسلمين، فيعصون الله نهارا، ويتحدون المجتمع جهارا، ولا منكر عليهم..!! أَكلةُ المال العام يسرحون ويمرحون بين الناس؛ ولا منكر عليهم، بل الكل متعرض لنوال منهم، ومستميح لأفضالهم. وماظنك بشعب أكل الحرام، ونبت لحمه من الحرام؛ أني يستجاب له دعاء، وأنى تتقبل منه صلاة، وحين لا تنقطع الصلة بين العباد وربهم، فقد استحقوا عذابا لا رافع له..!! منعت الزكاة، وجعلت في غير مستحقيها، وجعلت دولة بين الرجل وأقاربه، ومنع جيرانه الأدنون، وهم يرونه يتقلب في نعم الله دون أن يعطهم نصيبهم المفروض عليه منه، وقد أصبح الأغنياء يشترون أعراضهم ممن يخافون لسانه بالزكاة، وأعطوها صلة للأقربين...!! طفف في الميزان، وانتشر التزوير في الأدوية والمواد الغذائية، دون نكير، فالله، الله، عباد الله، الله، الله، عباد الله..!! نحنُ نخشى من أن يغرقنا البحر الهادر غربنا؛ وإني – والله - أخاف أن لا يدرك منا - البحر- أحدا فيغرقه، أخاف أن يسحتنا الله قبلها بعذاب.. فكل الأمة معافى إلا المجاهرون بالمعاصي، ولقد جاهرنا بالمعصية، حتى أصبحت سمة بارزة فينا، وعلامة فارقة علينا.. لم نرتدع؛ وقد سلط الله علينا الجفاف، والحروب، وطغاة الولاة، وانتزعت البركة، وفشا الغلاء، و عم التباغض والتدابر... ولم نزدجر من أمراض انتشرت فينا، ولم تكن في أسلافنا، كالسيدا، والكبد الوبائي، والحمى القلاعية، والصرع، والسرطانات الكثيرة المتطورة.. أيها المجتمع، أيها المسلمون، "ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلبوهم لذكر الله وما نزل من الحق.."؟!
أخي العاصي.. - وإنك لأخي - اتق الذي أمهلك، واعلم أنه لم يهملك... تذكر أنه يراك – الآن- وأنت لاه عنه بنعمه، تعصيه بها وهو يراك، وهو قادر أن يسلك منها كما وهبها لك! ماذا لو ابتلاك في الدنيا بوخم معصيتك، وعذبك عليها في الآخرة.. لا تنخدع!.. فالدنيا ليست دار جزاء، غير أن وخم المعصية يحيق بصاحبه، كما أن بركة الطاعة ترفرف على صاحبها في الدنيا.. إن كنت طالب متعة؛ لقد فوتَّ متعة أكبر، وشهوات أكثر، ونعيم مقيم، فيه كل ما تشتهيه النفس، مع رضا الله الأكبر..!! إن لم تشتق إلى الجنة وما فيها من نعيم؛ فلمَ لا تخفْ من النار وما فيها من عذاب أليم..؟! إن لم تحب الله وقد تحبب إليك بنعم تترى؛ فلم لا تخفْ منه ومن عقابه..؟! يا زاهدا في جنة الفردوس؛ كيف جلدك على جنهم؟؟ إن لم تعلُ بك همتك إلى علين؛ فلينجك خوفك من أسفل السافلين، الدرك الأسفل من النار، وما أدراك ما الدرك الأسفل من النار؟! من عباد الله من لا ينقاد بالرغب؛ فينساق للرهب، وإن النار حارة، عذابها شديد وشرابها صديد، وطعامها زقوم، وظلها يحموم، وهواؤها سموم وحميم.. ومن زحزح بفضل الله وصالح أعماله عن النار وعذابها، وأدخل الجنة ونعيمها؛ فقد فاز فوزا عظيما!!
واسمع لقول الرؤوف الرحيم بأمته صلى الله عليه وسلم : " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ، لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ ، الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ". رواه بن ماجة وغيره. |