غزوة بدر.. الدروس والعبر/محمد ولد البان
الجمعة, 26 يوليو 2013 20:23

altaltأثبت التاريخ أن  شهر رمضان كان شهر فتوحات وانتصارات حيث كانت أغلب الغزوات والمعارك الفاصلة في هذا الشهر ففي رمضان وقعت غزوة بدر  وفيه فتحت مكة والأندلس وعمورية وعين جالوت وفيه فتح جزيرة قبرص وقسطنطينية وغير ذلك من المعارك والفتوحات.

وحتى لا يكون هذا التاريخ الزاخر بالانتصارات مجرد حديث يحكى علي المسامع من باب الترف الفكري فقط  وسرد الأحداث والوقائع، لابد أن نعلم أنه ينبغي أن نستخلص منه الدروس والعبر لتكون  نبراسا لأجيال هذه الأمة ولنقف مع أول معركة من معارك  تاريخ الإسلام إنها غزوة ومعركة بدر الكبرى المعركة الفاصلة التي فرق الله بها بين الحق والباطل معركة التقى فيها الآباء بالأبناء والأخ  بأخيه خالفت بينهما المبادئ والمعتقدات وفصلت بينهما السيوف..

 التقى فيها المقهور بلال  بقاهره أمية فشفى الأول من الأخير غيظه...

هذه الغزوة التي خرج فيها المؤمنون يريدون غير ذات  الشوكة –القافلة- فأراد الله لهم ذات الشوكة (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم  ويريد الله أن يحق الحق بكلماته) ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنيين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين لهم كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) هذه نفسية بعض  المؤمنين في ذلك الوقت فالبون شاسع بين الفئتين عدة وعتادا إلا أن الفئة المؤمنة تملك سلاحا من العيار الثقيل والدمار الشامل اسمه الإيمان والذي خالطت بشاشته القلوب فتعالوا بنا نقتبس الدروس والعبر من هذه المعركة.

أقول إن أهم هذه الدروس والعبر هي :

1.  النصر من عند الله: معني ذلك أن المسلمين وعلى مر العصور وفي هذه الغزوة خاصة لم ينتصروا بتطور الأسلحة التي يملكونها ولا بالعدد فقد كانوا في أكثر غزواتهم و معاركهم أقل عتادا وعددا من عدوهم كما في هذه الغزوة فقد كان جيش المسلمين 314 رجلا وفرسان وسبعون بعيرا وكان القائد الأعظم محمد صلي الله عليه وسلم يتعاقب مع علي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي علي بعير واحد، بينما كان جيش العدو 1000 مقاتل ومائة فرس وستمائة درع ولكنه وعد الله ولن يخلف الله وعده -إن تنصروا الله ينصركم– حين يتوكل العبد عليه ويرى من قلبه الصدق في نصرة دينه يجعل أسبابه رغم ضعفها قنابل عنقودية قاتلة (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا) فيكون الرمي بالله وبقوة الله (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) فالله يبتلي عباده ويختبرهم فمن توكل على الله واعتمد عليه فسينصره لا محالة (وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم) ومعلوم أن ترك الأسباب معصية ولكن الاتكال عليها شرك  فلابد من الأخذ بالأسباب (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ..)  

2.  فرقت بين الحق والباطل: فقد سميت هذه الغزوة غزوة الفرقان ولهذه التسمية أهمية عظيمة في حياة المسلمين فقد قال سيد قطب عن قوله تعالي (وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان والله علي كل شيء قدير)؛ كانت هذه الغزوة التي بدأت وانتهت بتدبير الله وتوجيهه وقيادته ومدده فرقانا بين الحق والباطل.. الحق الأصيل الذي قامت عليه السماوات والأرض وقامت عليه فطرة الأحياء والأشياء والمتمثل في تفرد الله بالألوهية والسلطان والتدبير والتقدير بلا معقب ولا شريك, وبين الباطل الزائف الطارئ الذي كان يعم وجه الأرض آنذاك ويقيم في الأرض طواغيت تتصرف في حياة عباد الله بما تشاء.. فرقانا بين الحق والباطل في أعماق الضمير فرقانا بين الوحدانية المجردة المطلقة بكل شعبها في الضمير والشعور وفي الخلق والسلوك وفي العبادة والعبودية وبين الشرك في كل صوره فرقانا بين العبودية الواقعية للأشخاص والأهواء والقيم والأوضاع وللشرائع والقوانين وللتقاليد والعادات وبين الرجوع في هذا كله لله الواحد القهار الذي لا إله غيره ولا حاكم دونه ولا مشرع إلا إياه فارتفعت الهامات لا تنحني لغير الله وتساوت الرؤوس فلا تخضع إلا لحاكميته وشرعه وتحررت القطعان التي كانت مستعبدة للطغاة فرقانا واقعيا بهذا الاعتبار الذي أشار إليه قول الله تعالي في الآيات السابقة  في معرض  بيان إراداته من وراء المعركة ومن وراء إخراج الرسول صلي الله عليه وسلم من بيته بالحق (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المومنين لكارهون ..) ومن وراء إفلات القافلة غير ذات الشوكة ولقاء الفئة ذات الشوكة (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم  ويريد الله أن يحق الحق بكلماته).

3.  الولاء والبراء: رسمت هذه الغزوة صورا مشرقة وجعلت خطا فاصلا بين الحق والباطل فكانت الفرقان النفسي والمادي والمفاصلة التامة حتى تجسدت هذه المعاني وعاشها الصحابة واقعا ماديا وحقيقة نفسية فيها تهاوت القيم الجاهلية فالتقى الأب بأبيه والأخ بأخيه خالفت بينهما المبادئ ففصلت بينهما السيوف كان أبوبكر الصديق في صف المسلمين وكان ابنه عبد الرحمن في صف المشركين فلما تراءيا قال الوالد لابنه أين مالي يا خبيث فقال الابن لوالده:

لم يبق غير شكة ويعبوب

وحازم يقتل ضلال الشيب

كان مصعب بن عمير حامل لواء المسلمين وأخوه أبو عزيز بن عمير في صف المشركين فوقع أبو عزيز بن عمير أسيرا في يد أحد الأنصار فقال مصعب للأنصاري: شد يدك به فإن أمه ذات متاع فقال أبو عزيز يا أخي هذه وصيتك بي فقال مصعب إنه أخي دونك...

الله.. الله إنها القيم المطروحة لتقوم الإنسانية على أساسها فإذا العقيدة هي آصرة النسب والقرابة وهي الرباط الاجتماعي.........

 

الحرب الإعلامية:كان النبي صلي الله عليه وسلم يحث شعراء المسلمين على القيام بواجبهم في الدفاع عن المسلمين بشعرهم فإنه كان يمثل الحملات الإعلامية المؤثرة في دنيا العرب فيرفع أقواما ويضع آخرين ويشعل الحروب ويطفئها وقد انفجرت هذه الوسيلة وتضخمت إبان هذه المعركة لأن الجانب الإعلامي للقبائل المجاورة كان هدفا مهما من أهداف الفريقين ويظهر أن القصائد سرعان ما تطير بها الركبان بين يثرب ومكة فيأتي الرد من الطرف الآخر وكان الصف الإسلامي يضم شعراء متخصصين أمثال كعب ابن مالك وابن رواحة وحسان وكان أشدهم على الكفار وهو القائل:

 

فما نخشى بحول الله قوما

وإن كثروا وأجمعت الزحوف

إذا ما ألبوا جمعا علينا

كفانا حدهم رب رؤوف

سمونا يوم بدر بالعوالي

سراعا ما تضعفنا الحتوف

 

ويقول كعب :

.. لما حامت فوارسكم ببدر

ولا صبروا به عند اللقاء

وردناه بنور الله يجلو

دجى الظلماء عنا والغطاء

رسول الله يقدمنا بأمر

من أمر الله أحكم بالقضاء

فما ظفرت فوارسكم ببدر

وما رجعوا إليكم بالسواء

فلا تجعل أبا سفيان وارقب

جياد الخيل تطلع من كداء

بنصر الله روح القدس فيها

وميكال فيا طيب الملاء

 

خلاصة: إن أمتنا الإسلامية اليوم وهي على أعتاب هذه المعركة الفاصلة والتي ستفرق بين الحق والباطل الذي عم وجه الأرض اليوم في صور أنتن منه في عهد النبوة وقد بدأت آلام مخاض هذه المعركة تطفو على السطح بدءاً باحتلال فلسطين والعراق والتآمر على سوريا ليختزل عمر هذا المخاض  في تطورات خطيرة تمر بها أرض الكنانة مصر تمثلت في كفر الغرب بالديمقراطية وانقلاب عملاء الصهاينة على المشروع الإسلامي المنتخب  لأول مرة، فالأمة  وهي  ترقب ذلك الميلاد والفجر الجديد الذي يعيدها إلى أستذة  العالم محتاجة إلى أخذ الدروس والعبر من معركة غزوة  بدر الكبرى والتي من أهمها:

-         العودة إلي دين الله عز وجل والتمسك به.

-          الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين.

-         أن النصر من عند الله وليس بالعدة والعتاد.

-         الأخذ بالأسباب كل الأسباب  مع عدم الاتكال عليها.

 

غزوة بدر.. الدروس والعبر/محمد ولد البان

السراج TV