خواطر رمضانية (الحلقة7)/ أحمد باب ولد محمد عبدي |
السبت, 27 يوليو 2013 15:59 |
منذ القديم وأنا أشعر بمستوى من التفاعل والاستجابة الروحية مع سورة مريم أتأثر بها من عدة جوانب ـ وأنا يومها قد لا أعرف الكثير من معانيها ـ أتأثر بما فيها من قصص وبموسيقاها الجميلة التي اعتمدت على فاصلتي الياء المشددة الممدودة بعد الفتح والدال الممدودة بعد الفتح في أكثر فواصلها وبما تعرضه من مشاهد القيامة وذكر أحوال الناس فيها والرد على المشركين المكذبين بالبعث وبما ألقته بظلالها من أجواء الرحمة الندية فتبدأ ب"ذكر رحمة ربك عبده زكرياء ..." ويتردد فيها لفظ الرحمن ست عشرة مرة ، والحقيقة أن هذه السورة ما منها آية إلا ولها تأثيرها الخاص ودورها في تحريك الذوق البلاغي ولكن نتوقف مع بعض هذه الآيات 1- "فوربك لنحشرنهم والشيطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظلمين فيها جثيا" تأتي هذه الآيات بعد ذكر اعتراض الإنسان المكذب بالبعث على أن يخرج حيا بعدما أرم وبعد ذكر الله تعالى الدليل القاطع على البعث "أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً؟ " بعد ذلك يعقب الله ـ عز وجل بهذا القسم على البعث وهنا يعرض الحشر بعد البعث في مشهد من الهول والرهبة فهؤلاء الذين كانوا يكذبون بالبعث والحشر هاهم يبعثون ويحشرون .. يحشرون مع الشياطين الذين كانوا يضلونهم .. هاهم يحشرون مع شياطينهم في قرن .. ترى إلى أين ؟ هنا يرسم لك مشهدا حيا ويعرض لك صورة الخزي والهوان محسوسة ... تأمل صورة هذه الجموع الكثيرة وهي جاثية حول جهنم تجد مس لهيبها وترى تغيظها وتسمع زفيرها وتمام الصورة الحسية ذلك الانتزاع للعتات المتجبرين ليكونوا أول من يقذف بهم إلى النار ، في هذا المشهد من الهول يأتي إعلان التمايز بين أصحاب الموقف فهذه الجموع الجاثية حول جهنم والتي ستردها مرورا من فوق الصراط هذه الجموع ـ رغم كثرتها ـ إلا أن علم الله تعالى محيط بها ويعلم من يكون جزاؤه صلي جهنم ، والناس يومئذ حسب هذا الإعلان وهذا البيان الإلاهي قريقان لا ثالث لهما متقون وظالمون ناجون وموبقون "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظلمين فيها جثيا" 2- "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا يكاد السموت يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموت والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصيهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيمة فردا" "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا" هي مقولة من المقولات المنكرة وعنوان من عناوين الإلحاد عند طوائف الكفر والجحود فمنهم من قال إن الملائكة بنات الله ومنهم من قال عزير ابن الله ومنهم من قال المسيح ابن الله ... "تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا" وما كان الله ليقر هذا القول ولا ليسكت عليه بل أنكره وقرع قائليه وأغلظ عليهم "لقد جئتم شيئا إدا" توكيد باللام الموطئة للقسم وبقد .. واستنكر ماجاؤوا به وسماه شيئا بالتنكير ووصفه بأنه إد كبير فظيع شنيع ... نعم "لقد جئتم شيئا إدا" لا يقبله عقل ولا يستند إلى دليل وتنكره الفطرة السليمة في كل شيء من هذا الكون فتتحرك فيه الغيرة على حرمات الله ويتمعر ويتغير إعلانا لرفضه لدعوى هؤلاء المشركين الولد لله "يكاد السموت يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولداوما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا" يقول سيد ـ رحمه الله ـ إن جرس الألفاظ وإيقاع العبارات ليشارك ظلال المشهد في رسم الجو: جو الغضب والغيرة والانتفاض! وإن ضمير الكون وجوارحه لتنتفض، وترتعش وترجف من سماع تلك القولة النابية، والمساس بقداسة الذات العلية، كما ينتفض كل عضو وكل جارحة عندما يغضب الإنسان للمساس بكرامته أو كرامة من يحبه ويوقره. هذه الانتفاضة الكونية للكلمة النابية تشترك فيها السماوات والأرض والجبال، والألفاظ بإيقاعها ترسم حركة الزلزلة والارتجاف . ومن جملة ما رد الله به هذه الدعوى المنكرة وهذا القول الإد "إن كل من في السموت والأرض إلا آتي الرحمن عبدا " فلا نسب بينه وبين أحد منهم بل هم عبيده جميعهم بدون استثناء سيقدمون عليه يوم القيامة فرادى لا يتخلف منهم أحد في مشهد من الهيبة والخضوع . ووالله إن هذه الآيات لتذوب لها القلوب إن كانت بها بقية حياة "إن كل من في السموت والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصيهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيمة فردا"
يتواصل.... |