في مراقبة الله سبحانه وتعالى/الإمام أحمد سالم ولد الفلالي |
الأحد, 04 أغسطس 2013 06:16 |
الحمد الله الذي وسع كل شيء علما، وقهر كل مخلوق عزة وحكما، {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما } وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وكفى بالله حسيبا، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه وتمسك بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا. أما بعد أيها الناس اتقوا الله – إنكم لم تخلقوا عبثا، ولم تتركوا سدى، البر يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت، فراقبوا الله حق مراقبته، فإنه رقيب عليكم ومطلع على أعمالكم، وسيتولى جزاءكم، ففي الحديث أن جبريل عليه السلام سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: (أخبرني عن الإحسان، قال- صلى الله عليه وسلم – الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ومقتضى هذا الحديث أن يكون العبد دائما على هذه الصفة، وهي استحضار قربه سبحانه وتعالى منه وأن العبد بين يديه سبحانه وتعالى يراه في جميع أحواله، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، كما يدل هذا الحديث على وجوب الإخلاص في العبادة وتحسينها وإتمامها وإكمالها، وقد وصى النبي – صلى الله عليه وسلم – جماعة من أصحابه بهذه الوصية، قال أبو ذر رضي الله عنه : (أوصاني خليلي – صلى الله عليه وسلم – أن أخشى الله كأني أراه فإن لم أكن أراه فإنه يراني )، وقال أبن عمر رضي الله عنهما: ( أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ببعض جسدي فقال: اعبد الله كأنك تراه ) وقال رجل للنبي – صلى الله عليه وسلم – حدثني بحديث وأجعله موجزا، فقال – صلى الله عليه وسلم ( صل صلاة مودع، فانك إن كنت لا تراه فإنه يراك ) ووصى _ صلى الله عليه وسلم _ رجلا فقال: (استحي من الله استحياءك من رجلين من صالحي عشيرتك لا يفارقانك). وقد دل القرءان على هذا المعنى في مواضيع متعددة كقوله تعالى : { وهو معكم أين ما كنتم } وقوله :{ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } وقوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيمة} وقوله تعالى : {وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه } الآية وقوله تعالى: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } فمن حاسب نفسه في الدنيا خف في القيامة حسابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن أهمل الحساب في الدنيا كثرت عثراته، ودامت حسراته، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : وإنما يثقل الحساب يوم القيامة على قوم جازفوا الأمور فوجدوا الله قد أحصى عليهم مثاقيل الذر. أديموا مراقبة الله وتعالى فإنه رقيب عليكم قال الله تعالى : { إن الله كان عليكم هم رقيبا } ومراقبة الله هي دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الله على ظاهره وباطنه وأنه ناظر إليه سامع لقوله ومع ذلك قد وكل بعباده ملائكة يكتبون أقوالهم وأعمالهم {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} {وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون } وفي يوم القيامة سيقرأ العبد كل ما كتبته الحفظة من أقوال وأعمال ويحاسب على ذلك { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } وقال تعالى :{ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيمة كتابا يلقه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم حسيبا }... الآيات. ومع ذلك كله تشهد على العبد أعضاؤه وجلده قال تعالى : {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون } وقال تعالى : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعلمون } وقال تعالى: {ويوم نحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون * حتى إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم وبصرهم وجلودهم بما كانوا يعملون } وكذلك الأرض تشهد يوم القيامة على العبد بما عمله على ظهرها من خير أو شر، قال تعالى { يومئذ تحدث أخبارها } قال النبي – صلى الله عليه وسلم - ) إن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها أن تقول عمل كذا وكذا في يوم كذا )، رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، فالله تعالى يشهد على العباد الحفظة والأنبياء والأمكنة التي عملوا عليها الخير والشر والجلود التي عصوه بها. إن المؤمن إذا تذكر هذا نظر في أعماله فأكثر من الطاعات وتاب من المعاصي، ولكنه حينما ينسى هذا فإنه يترك الاستعداد له ويفرط في طاعة الله ويضيع عمره فيما يضره – إن مراقبة الله سبحانه تحجز الإنسان عن المعاصي، إن مراقبة الله وخشيته هي التي منعت نبي الله يوسف عليه السلام عن المعاصي عندما {..راودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون} وإن مراقبة الله سبحانه هي التي منعت ذلكم الرجل الذي راود بنت عمه على الفاحشة فلما تمكن منها قالت له اتق الله ولا نفض الخاتم إلا بحقه فقام وتركها وترك المال الذي أعطاها خوفا من الله تعالى، وإن مراقبة الله هي التي منعت المرأة التي سمعها عمر رضي الله عنه حينما أمرتها أمها أن تغش اللبن الذي تريد بيعه للناس فقالت يا أماه ألا تخافين من عمر فقالت لها أمها إن عمر لا يرانا فقالت البنت إن كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا، فأعجب بها عمر رضي الله عنه وسأل عنها ثم زوجها أحد أبنائه فكان من نسلها عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد رضي الله عنه. أيها المسلمون راقبوا الله في جميع أحوالكم وفي جميع أعمالكم وتصرفاتكم فإنه معكم أينما كنتم، وهو رقيب عليكم يحصي عليكم، ويقول لكم (ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)، ويقول: {يأيها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون}...
|