قتلة عثمان الجدد/ عبد الله السالم ولد محمد يحي |
الاثنين, 19 أغسطس 2013 06:26 |
تذكرني الأحداث الجارية في مصر بأحداث قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان قبل 14 قرنا من الآن. ذلك أن المؤامرة على عثمان بدأت من مصر على يد ابن سبإ وجماعته. ونظرا لتشابه أحداث اليوم بأحداث الأمس فقد تساءلت يوم 30 يونيو هل يوجد بين قادة حركة تمرد أحفاد لكنانة بن بشر ورومان وغيرهما من كبار قتلة عثمان. إذا لم يكن المتمردون الجدد أحفادا للمتمردين القدماء نسبا، فهم أحفادهم في الفكر والأسلوب والخروج على الشرعية. أول أوجه الشبه هو أن حركة "تمرد" الإرهابية تبنت خطاب التضليل الذي ارتكبه أجدادها من قتلة عثمان الأقدمين، الذين وجهوا إلى عثمان ـ رضي الله عنه ـ اتهامات باطلة تشبه الاتهامات التي وجهها أحفادهم إلى الدكتور محمد مرسي. فقد اتهم المتمردون الجدد الرئيس مرسي بأخونة الدولة، وهي نسخة من تهمة "عبشمة" الدولة الموجهة إلى عثمان، والتي عبروا عنها بما أسموه تعيين عثمان أقاربه من بني عبد شمس. وكلتا التهمتين غاية في السخافة. فما قام به الدكتور مرسي لا يعدو أنه عين أكفاء لإدارة 27 محافظة مصرية، منهم 7 فقط من الإخوان، علما بأنه في الأنظمة الديمقراطية يتم تعيين رجال الإدارة التنفيذية من قبل التشكيلة السياسية الفائزة في الانتخابات. أما ما نسب إلى عثمان فهو مبني على وجود 3 ولاة فقط من أسرته، كانوا يعملون في الإدارة الإقليمية قبل عثمان من أصل عشرات الولاة، وما فعله عثمان هو مجرد إبقاء أحدهم في منصبه، وتحويل اثنين منهما، علما أنه عزل أحد هذين قبل ظهور النسخة الأولى من حركة تمرد، وعزل الآخر بعد ذلك. وعلما بأن أسرة الحاكم وعشيرته كانت بمثابة حزبه في تلك العصور. اتهموا عثمان بالتشبث بكاتبه مروان، الذي شنوا عليه حملة افتراءات، تشبه إلى حد كبير الحملة التي شن أحفادهم على هشام قنديل الذي تشبث به مرسي كما يرون. بحثت حركة "تمرد" الجدة في ملف عثمان التاريخي، ووصفوه بالضعف، وأنه أداة طيعة في يد زعماء عشيرته الأموية، واعتبروا إسقاطه إسقاطا لحكم العشيرة، بل صرح بعضهم بضرورة إسقاط قبيلة قريش كلها من المشهد السياسي. وهي أمور تأثرت بها حركة "تمرد" الحفيدة، التي اتهمت محمد مرسي بأنه المرشح الاحنياطي للإخوان، وأنه واجهة لحكم "المرشد" الذي نادوا بإسقاطه، بل إنهم دعوا إلى إسقاط التيار الإسلامي كله من المشهد السياسي. اعتمدت حركة تمرد المصرية الأولى ـ والتي كانت لها فروع في البصرة والكوفة ـ على إثارة الغوغاء والدهماء والرعاع، وهو ما اعتمدته حركة تمرد الحديثة التي اعتمدت على جمهور المعجبين بالمسلسلات والفن الهابط فيما سمته زورا وبهتانا بثورة 30 يونيو. وكما ادعى قتلة عثمان أنهم يحظون بدعم شعبي واسع، ووصل بهم الدجل والكذب أنهم نسبوا إلى بعض الصحابة أنهم أيدوا حركتهم، وهو ما تبرأ منه هؤلاء؛ فإن حركة تمرد الحالية زورت على المصريين، وجاءت بخرافة ال33 مليونا، والتي كذبها ملايين المصريين الذين خرجوا إلى الميادين للدفاع عن الشرعية، وهو ما يذكرنا ببراءة الشعب المصري من قتلة عثمان، بل لعب عدد من قادتهم (عمرو بن العاص ومعاوية بن حديج) دورا في حملة الدعوة للقصاص من قتلة عثمان. طالبت كلتا الحركتين الحاكم الشرعي بالتخلي عن السلطة وزحفت عناصر الحركتين نحو مقر الحاكمين (دار عثمان، وقصر الاتحادية) بغية تنفيذ هذا المطلب بالقوة. انتهى الأمر عند الأجداد باقتحام دار عثمان وقتله، أما عند الأحفاد فقد قام الفريق السيسي بانقلاب عسكري عزل به مرسي. الفرق هنا أنه لم يكن في مؤسسات الدولة الإسلامية ـ والعهد قريب من العهد النبوي ـ من يساعد "تمرد" الأولى، وبالتالي لم يكن لهم من خيار سوى اقتحام دار عثمان وقتله، بينما وجدت "تمرد" الجديدة في مؤسسات الدولة العميقة جيشا قام بالمهمة الانقلابية دون الحاجة إلى التصفية الجسدية لمرسي. اعتمدت "تمرد" في نسختيها على حملة الكذب والتضليل في شيطنة عثمان ومرسي وأنصارهما، وتم تصوير أنصار الشرعية على أنهم المجرمون والقتلة في حملة قلب مفضوح للحقائق. فرغم العنف الذي مارسه المتمردون الأولون في مصر والبصرة والكوفة والمدينة قبل وأثناء حصار عثمان، فإنهم كانوا يظهرون أنفسهم بمظهر المظلوم، ويفبركون الأحداث على نحو الكتاب الذي زوروه على عثمان بشأن التحريض على قتل بعض المصريين. وهذا ما تعلمه منهم أحفادهم، فرغم أن الإخوان هم الذين تعرضوا للقتل، وتعرضت مقراتهم للإحراق، قبل 30 يونيو وبعده، إلا أن أحفاد قتلة عثمان قاموا عبر الإعلام المضلل بشيطنة الإخوان ووصفهم بالإرهاب، ووصف اعتصاماتهم التي شهد العالم بسلميتها بأنها اعتصامات مسلحة. ومن أوجه الشبه ـ وهي كثيرة لا تتسع العجالة لسردها ـ اعتماد المتمردين على فلول عهود الظلم. فقتلة عثمان هم من فلول الدولة الساسانية الزرادشتية، والدولة البيزنطية، وبقايا المرتدين من عرب الجاهلية، وبرعاية من الصهيونية التي يمثلها ابن سبأ. أما حركة تمرد الحديثة فاعتمدت على فلول نظام مبارك من رجال أعمال فاسدين، وقضاء مسيس، وإعلام رسمي تعود الكذب والتضليل، ونخبة علمانية حاقدة، وجيش وشرطة تعودا خدمة الأنظمة القمعية. التشابه لا يقتصر على حركتي التمرد. بل إن هناك قواسم مشتركة بين الخليفة عثمان والرئيس مرسي. فكلاهما وصل إلى الحكم بطريقة انتخابات شفافة، فعثمان تم اختياره عبر شورى موسعة لا نظير لها في التاريخ القديم، ومرسي جاء عبر انتخابات ديمقراطية شفافة هي الأولى من نوعها في تاريخ مصر. كلا الرجلين كان على جانب عظيم من الطيب واللين ربما كان أكثر من المطلوب، كلاهما بالغ في الاستماع إلى خصومه، كلاهما رفض اللجوء إلى العنف ودعا إلى السلمية، عثمان ناشد المدافعين عنه الكف وحذر من الرد على عنف المتمردين بعنف مماثل، وهو نهج مرسي الذي قصف قصره بالمولوتوف وهو ملتزم بالسلمية، رافضا استعمال القوة تجاه المشاغبين، وهو ما جرأ عليه المتمردين كما جرأ أجدادهم على عثمان، بل إنه ـ وهو يختطف من قبل الانقلابيين ـ أوصى أنصاره بالتزام السلمية، وهي الوصية التي عملوا بها حتى الآن ، رغم مجازر الحرس الجمهوري، والمنصة، ورابعة، والنهضة، والإسكندرية، ورمسيس، والفتح. كما أن كلا الرجلين تشبث بشرعيته، فقد رفض عثمان التنازل عن الخلافة رغم إلحاح "تمرد" الأولى عليه في ذلك، قائلا: إنه لا يريد أن يسن سنة سيئة تتمثل في أنه كلما ولي خليفة فلم يرض عنه قطاع من الناس ثاروا عليه وخلغوه فلا يستقر نظام وهي الحجة نفسها التي احتج بها مرسي، وكما وافق عثمان على كل المطالب المعقولة المقدمة إليه وافق مرسي على ما قدم إليه من مطالب شرعية. فهل التاريخ اليوم يعيد نفسه من جديد. |