حول الصَّلاَةِ الْوُسْطَى/د.سعد المرصفي |
الأحد, 24 نوفمبر 2013 21:34 |
قال تعالى: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {238}) (البقرة)، قال بعض المفسرين في وجه اختيار لفظ المحافظة على الحفظ أن الصيغة على أصلها تـفيد المشاركة في الحفظ، وهي هنا بين العبد وربّه، كأنه قيل: احفظ الصلاة يحفظك الله الذي أمرك بها، كقوله جلّ شأنه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة:152)، أو بين المصلّي والصلاة نفسها، أي احفظوها تحفظكم من الفحشاء والمنكر بتنزيه نفوسكم عنهما، ومن البلاء والمحن بتـقوية نفوسكم عليهما، كما قال سبحانه: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) (البقرة:45). قال الأستاذ الإمام البنا في قوله جلّ شأنه: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ)، ولم يقل: احفظوها؛ لأن المفاعلة تدل على المنازعة والمقاومة، ولا يظهر قول بعضهم: إن المفاعلة للمشاركة؛ لأن الصلاة تحفظه كما يحفظها، إلا لو كانت العبارة حافظوا الصلوات، ولكنه قال: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ) أي اجتهدوا في حفظها، والمداومة عليها! وعلق صاحب "المنار" على ذلك بقوله: لا يريد الأستاذ بهذا أن الصلاة لا تحفظ مما ذكر، وإنما يريد أن لفـظ (حَافِظُواْ) لا يدل على هذا المعنى الثابت في نفسه، والذي أفهمه في المفاعلة على الشيء هو فعل المرة بعد المرة، ومنه حافظ عليه، وواظب عليه، وداوم عليه، إلا إذا كانت (عَلَى) للتعليل.. وحفظ الصلاة المرة بعد المرة على الاستمرار عبارة عن الإتيان بها كل مرّة، كاملة الشرائط والأركان العمليّـة، كاملة الآداب والمعاني القلبيّـة، فالشيء الذي يتعاهد بالحفظ دائماً هو الذي لا يلحقه النقص، وإلا لم يكن محفوظاً دائماً. والصلوات هي الخمس المعروفة ببيان من بيّـن للناس ما نزّ ل إليهم، ونقلت عنه بالتواتر العملي، وأجمع عليها المسلمون من جميع الفرق، فهم على تفرّقهم في كثير من المسائل متّـفقون على أن جاحد صلاة من الخمس لا يعدّ مسلماً، على أنهم استنبطوا كونها خمساً من ذكر الوسطى، في الجمع، كما في تفسير الرازي. قال الأستاذ الإمام: وهو من قبيل التماس النكـتة، ومن آيات أخرى، كقوله تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ {17} وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ {18}) (الروم)، والصلاة الوسطى هي إحدى الخمس، والوسطى مؤنث الأوسط، ويستعمل بمعنى المتوسّـط بين شيئـين أو أشياء، لها طرفان متساويان، وبمعنى الأفضل، وبكل من المعنيـين قال قائلون. ولذلك اختـلفوا في أيّ الصـلوات أفضـل، وأيّـتها المتوسّـطة، وللعلماء في ذلك أقوال.. أصحها ما ذهب إليه الجمهور مـن كـونها صـلاة العصر، لـما رواه مسلم وغيره عن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً". وفي رواية للشيخين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم قال: لـمَّا كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، شغلونا عن الصلاة الوسطى، حتى غابت الشمس". قلت: والحديث الأول صريح في أنها صلاة العصر، ومع ذلك قال الأستاذ الإمام: ولولا أنهم اتفقوا على أنها إحدى الخمس لكان يتبادر إلى فهمي من قوله:(والصَّلاَةِ الْوُسْطَى) أن المراد بالصلاة الفعل، وبالوسطى الفضلى، أي حافظوا على أفضل أنواع الصلاة ، وهي الصلاة التي يحضر فيها القلب، وتتوجّـه بها النفس إلى الله تعالى، وتخشع لذكره، وتدبّر كلامه، لا صلاة المرائين ولا الغافلين. ويقوّي هـذا قـوله بعدها: (وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {238}) فهو بيان لمعنى الفضل في الفضـلى، وتأكـيد له، إذ قـالوا: إن في القـنوت معنى المداومة على الضراعة والخشوع، أي قوموا ملتزمين لخشية الله تعالى، واستشعار هيبته وعظمته، ولا تكمل الصلاة وتكون حقيقية ينشأ عنها ما ذكر الله تعالى من فائدتها إلا بهذا. وهو يتوقف على التـفرغ من كل فكر وعمل يشغل عن حضور القلب في الصلاة، وخشوعه لما فيها من ذكر الله بقدر الطاقة، ومع ذلك ـ أيضاً ـ علّق صاحب المنار على رأي الأستاذ الإمام مؤيّـداً له. أقول: واضح أن هذا القول في بيان أداء الصلاة كما يحبّ الله ويرضى. ويروي البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قـال: قـال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقّـاً على الله أن يُدخله الجنّـة، جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي وُلد فـيها"، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نُبَـشّر الناس؟ قال:"إن في الجنّـة مائة درجة، أعدّها للمجاهدين في سبيـل الله، ما بين الدرجتـين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفـردوس، فإنه أوسـط الجنّـة، وأعلى الجنّـة أراه قال: وفوقه عرش الرحمن، ومنه تَفَجَّـرُ أنهار الجنّـة"، والله نسأل أن يجعلنا من المحافظين على الصلاة الوسطى وكل الصلوات المفروضة والمسنونة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|