لن يضروكم إلا أذى/سيد ولد عيسى |
الأحد, 01 ديسمبر 2013 12:26 |
وفي هذا السياق يقول الله تعالى للمؤمنين، منبها إياهم إلى ضرر الأعداء الموجه لأصحاب الدعوات الجادة، واقتصاره على مجرد الأذى الذي لن يتجاوز حده ولن يعدو قدره: "لن يضروكم إلا أذى"، وهذا الأسلوب يؤكد أمرا، وينفي آخر؛ يؤكد ضرر أعداء الدعوات، ويقظتهم ونباهتهم للدعوة، وترصدهم لأصحابها، وأن هذا الضرر سيظل موجودا لا محالة، وأن هذا الضرر سيلحق المؤمن حامل الرسالة لا محالة... وينفي هذا الأسلوب تجاوز هذا الضرر وتخطيه لمجرد الأذى، فمهما طال هذا الضرر وتعددت أسبابه وأشكاله، فلن يعدو الأذى، بما تحمله كلمة "أذى" المنكرة من ألم في النفس، وضيق في الصدر مجهول السبب والشكل والموضوع.. فكل ما يصدق عليه اسم أذى يدخل في إطار الضرر الذي يلحقه أعداء الدعوة أيا كانوا بالدعاة... ثم يعقب السياق القرآني على هذا بقوله: "وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار"، وهذا يعني أن أي منازلة بين الدعوة وأعدائها مآل الدعاة فيها النصر والتمكين ومآل العدو فيها الخذلان والهزيمة، وتولية الأدبار أكثر تعبيرا من مجرد الهزيمة، إذ المولي دبره، قد أذعن وأمكن من نفسه، وأعطى الفرصة لمتبعه ليضرب فوق الأعناق وفي كل مكان.. وجميل جدا في السياق القرآني إيحاء ورد في هذه الآية، وهو التعبير بقول الله تعالى: "وإن يقاتلوكم" بدل "وإن تقاتلوهم"، ولعله يشير والله أعلم إلى معنى من الهزيمة النفسية يقع لمن يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا جراء صبر المؤمنين عنهم، فحين يوغلون في الأذى ويوغل المؤمنون في الصبر يصل الحنق بهم إلى درجات عليا، لا يجدونه فيها كافيا فيقررون أن يتحول الأذى من لفظي وجانبي، إلى ضرر حقيقي، لكن إرادة الله جلت قدرته تأبى ذلك، فيهزمون أمام أول مواجهة مع المؤمنين. وبما أن عدة المؤمن الداعية الصبر، والاعتماد على الله تعالى واللجوء إليه، والثقة في موعوده، وعدة المؤذي كلمات نابية، وتعبرات جارحة، وإشاعات مفضوحة، وأقاويل مغرضة، فإن هذين السلاحين لا يستطيعان المواجهة، ولا المنازلة، معا، مهما تستر توكل المؤمن وإيمانه بستار الأسباب، ومهما تسترت هزيمة المؤذي النفسية بالقوة والمنعة والعشير والنصير.. لذلك جاء التعبير القرآني "ثم لا ينصرون"، ومن المعلوم أن ثم تأتي لعطف التراخي، وتأكيد البعدية، وكأن السياق القرآني يقول: إن هذه القاعدة لا تتبدل، وليست داخلة في معنى دولة الأيام، ولا في مفهوم "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، بل إن هذا النوع من أعداء الدعوة الذين يلجئون إلى هذه الأساليب المنحطة انحطاط تفكيرهم الساقطة سقوط همهم القذرة قذارة قلوبهم ونياتهم، لن يشرفهم تاريخ الدنيا الزائل بأن يكون لهم يوم في المسلمين مهما حاولوا وأعادوا الكرة، وستظل الهزيمة تلاحقهم تلو الهزيمة، وستتحلى لياليهم الهزائم المتلاحقة... ولكن الدعاة الموصوفين في الآية الذين يستحقون هذا الشرف هم الذين تحلوا بالصبر والصدق وتمام التوكل، والبعد عن الاستعجال فلا يستفزهم مستفز، ولا يستوفزهم سفيه، لذلك لا يبدءون الصراع، ولا يفتعلون الأزمات.. ولا ينزلون من مقامهم السامي في الأخلاق وبروجهم المشيدة بالحلم، المحاطة بالعفة، المؤسسة على التقوى من أول يوم، إلى مستويات أولئك الساقطين.
|