عذرا سيدي رسول الله/أحمدو محمد الحافظ
الأحد, 12 يناير 2014 02:18
أحمدو محمد الحافظأحمدو محمد الحافظترددت كثيرا في الكتابة عن حبيبي وقدوتي وإمامي  سيد الخلق وحبيب الحق الرحمة المهداة والجوهرة الربانية  سيدنا محمد عليه الصلاة  والسلام  لمعرفتي أنني لو جمعت عجائب  وروائع  المستقدمين  والمستأخرين من الأدباء لن آتي  بنزر قليل  من حقه  صلي الله  عليه وسلم ولكنها فرصة للقيام  بسياحة مانعة جامعة في أخلاقه  صلى الله  عليه وسلم والوقوف مع سيرته العطرة.

 

ونحن نقف أياما  قبل  ذكرى مولده الشريف  وفي ظل  إساءة  بعض المتخلفين فكريا وعقليا - من الساعين للشهرة- إلى جنابه الشريف .

 

عذرا سيدي رسول الله فقد قصرنا في حقك  حين  جفونا حبك  وأصبحنا لا نتذكرك إلا حين  يقوم معتوه  في الدنمارك أو فرنسا أو بلاد المنكب القصي  بالإساءة إلى نفسه وتقليل  الأدب  في حق الجناب الشريف .

 

عذرا سيدى رسول الله فقد أضعنا عهدك وطريقك  وأصبحنا  أمة التخلف والجهل والفقر وأصبحنا يقتل بعضنا  بعضا ويفجر بعضنا بعضا ويتآمر بعضنا  على بعض بعد أن  جعلت منا أمة ملئت الدنيا وشغلت الناس  , وجدتنا سيدى رعاة غنم  وأبناء قبائل تتناحر فجعلت منا حضارة  وأمة وأتيت  بدين رفع ذكرنا وشأننا بين باقي الأمم ,,,,

 

دعونا  من واقع أمتنا الذي يشبه  مأساة إغريقية وسمفونية  حزن صنعناها بأيدينا ونرى ملامحها في  الشام وفلسطين و العراق وباقي الجروح الغائرة ولنعد قليلا إلى ذلك الزمن الجميل لنتأمل : صبره على الأذى وعدالته وأخلاقه  ومساواته بين جميع فئات أصحابه المنعمين المكرمين.

 

الوقفة الأولي : صبره على الأذى صلي الله عليه وسلم ودعوته لمن آذاه

التاريخ الإسلامي والفترة النبوية مليئة بهذه المواقف ولكن موقفا واحدا منها كان الأشد على الحبيب صلي الله عليه وسلم وهو رحلة الطائف '؟      حيث كان فداه نفسي وحرفي مصحوبا بحبه  ومولاه زيدا بعد أن ضاقت عليهم طرق مكة وأزقتها ورمتهم العرب عن قوس  واحدة فخرجوا طالبين داعين مسالمين إلى  الطائف ولندع الحديث إلى الصادق المصدوق نقلا عن الصديقة كريمة الصديق : '

 

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم  هل أتى عليك يوم كان اشد من يوم أحد ؟ قال : لقد لقيتُ من قومكِ وكان أشدَّ ما لقيتُه منهم يوم العقبة إذ عرضتُ نفسي على ابن عَبَدِ ياليلَ " بنِ عبدِ كُلالٍ فلم يُجبني إلى ما أردتُ فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي فلم أستفق إلا وأنا  بقرن الثعالب فرفعتُ رأسي وإذا أنا بسحابةٍ قد أظلَّتني فنظرتُ فإذا فيها جبريلُ عليه السلام  فناداني فقال : إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك وقد بعث إليك ملكَ الجبال  لتأمُرَه بما شئتَ فيهم !فناداني ملك الجبال , فسلم علي , ثم قال :يا محمد , إن الله قد سمع قول قومك  لك , وأنا ملَك الجبال وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك , فما شئتَ ؟ إن شئت أطْبَقْتُ عليهم الأخشبين  فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يُخرِجَ الله من أصلابهم مَنْ يعبد الله وحده لا يُشرك به شيئا " متفق عليه

 

ما أرحمك وما أكرمك وما أحلمك يا سيدى يا رسول الله لقد ضربت للبشرية مثالا على الخلق الرفيع والنظرة الثاقبة وتقديم الدعاء بالهداية على الدعوة بالبلاء  ففي هذه الحادثة درس لكل طالبي حقوق الانسان  ولكل رواد فن القيادة وكل الدعاة إلى القضايا العادلة ان يتحملوا الأذى ويصبروا من أجل دعوتهم وأن لا يستعجلوا قطف الثمار وبهذا الموقف وببركة دعاء نبيه  صلي الله عليه وسلم تحول غلمان الطائف الذين رموه صلي الله عليه وسلم بالحجارة ذات يوم إلى خادمي الإسلام وثبتوا  مع قومهم حينما ارتد معظم سكان الجزيرة العربية بعد صعود الروح الزكية إلى الرفيق الأعلى.

 

الوقفة الثانية : مساواته صلي الله عليه وسلم بين أتباعه من جميع الفئات

كانت المعركة حاسمة وكانت الدولة المحمدية في أوج عطائها وكان الجميع يتوقع معرفة قائد الجيش الذى سيبعثه المصطفي صلي الله عليه وسلم  إلى الشام لجهاد الروم وكان من المتوقع أن يكون أبابكر أو عمرا أو عليا أو خالدا أو سعد بن عبادة ,,أو غيرهم من الذين سبقوا إلى الإسلام  ولهم تجربة لكن الحبيب صلي الله عليه وسلم اختار لهذه المهمة شابا لا يتحاوز العشرين أمه جارية وأبوه مولي  لخديجة  رضي الله عن الجميع  وعندما  وجد البعض في نفسه  شيئا من الأمر قال لهم الحبيب  صلي الله عليه وسلم وكأنه يريد أن يقتل فينا  عصبية القبيلة والعرق  والتعصب الأعمى قال لهم :  'إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل ، وأيمُ الله إن كان لخليقاً للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إليّ ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده )

 

يا فخر أسامة بهذه الشهادة العظيمة  ولقد كان أسامة أغطس الأنف أسود الجلد  وأمه مولاة  هي 'أم أيمن '  وأبوه مولى كذلك سيدنا زيد ومع هذا أمره الحبيب صلي الله عليه وسلم على جيش فيه أبو بكر وعمر ومن هذا الموقف  نرى المساواة بل ونرى ميزة التمييز الايجابي وتقديم الفئات المستضعفة  في المجتمعات التي  توصل إليها الغرب  قبل قرنين  بينما  طبقها الحبيب  قبل أربعة عشر قرنا  لقد كان أسامة  'حرطاني '  بالمعنى المتفاهم  عليه - في مجتمعنا-  ولكنه كان أشرف وأعظم وأنقي من الكثير من البيض   رضي الله عنه وأرضاه

 

الوقفة الثالثة : عدالته صلي الله عليه وسلم

ما أجمل العدل  حين  يكون من أجمل وأكمل  وأبر خلق الله  , كانت المدينة  تعيش آخر أيام الحبيب صلي الله  عليه  وسلم وخرج الرسول إلى الناس طالبا منهم  أن يأخذوا منه حقوقهم  , تصوروا معي  قائد دولة أو رئيسها  يقوم بالأمر , أو حتى والي إقليم , كيف  للقائد الزعيم  المؤسس لأمة بأكملها يخرج  متكئا على عصاه لا حرس  ولا عسس ولا حجابا  ويعتلي منبره  الشريف ويطلب من لديه  خصومة عنده أن  يأتي ليقتص منه ولنعش لحظات مع هذا الخلق النبوي الشريف الراقي  ونتأمل وليتأمل كل دعاة العدالة في العالم إلى  هذا المثال الحي   ولندع الكلام للصادق المصدوق :

 

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلا إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ، أَلا وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ، أَلا لا يَقُولَنَّ رَجُلٌ : إِنِّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَلا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبْعِي وَلا مِنْ شَأْنِي ، أَلا وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ وَأَنَا طَيِّبُ النَّفْسِ ،أَلا وَإِنِّي لا أَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنِّي حَتَّى أَقُومَ فِيكُمْ مِرَارً" '

 

إنه التواضع والعدالة  في أبهى صورها بهذه الحادثة علم الحبيب  عليه الصلاة والسلام البشرية  درسا  في حقوق الرعية على القائد وما يجب أن يكون  لهم عليه من حقوق  وأنه يجب أن يطلب منهم الصفح  فأي حاكم  عربي أو غربي يفعل هذا  ومع ذلك يتشدقون بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية  وغير ذلك من الشعارات...

 

وقفة أخيرة 

لم  يكن الحبيب  عليه الصلاة والسلام يوما عنصريا  ولا طائفيا  وإلا لما  صعد إلى الرفيق الأعلى ودرعه  مرهونة عند يهودي  فقد عاش اليهود في المدنية منعمين مكرمين إلا من خالف منهم العهد وتآمر مثل بني قريظة  الذين حكم  فيهم الحبيب رجلا اختاروه  بأنفسهم فقد أوردت السير أن النبي صلي الله  عليه وسلم  خير بني قريظة  في من يحكم فيهم  فاختاروا حليفهم السابق  سعد بن  معاذ رضي الله  عنه وأرضاه  وقد  حكم فيهم  حكما عادلا أقره  الله  من فوق  سبع سموات  وكانت تفرضه  حجم الخيانة التي قاموا بها  ضد المسلمين  ونكثهم للعهد المتكرر  ومع  هذا فقد عاش اليهود في المدينة  في زمن الحبيب صلي الله عليه وسلم  وفي زمن الصديق حتى أخرجهم عمر رضي الله عنه بعد أن أدمنوا  نكث العهد وذلك من شيمهم .

 

لم  يكن  النبي  صلي الله  عليه وسلم وشرف  وعظم يميز بين أصحابه على أساس القرابة أو الشرف  وقد تبين ذلك  في الوقفة الثانية  وكذلك  لم يميز الحبيب صلى الله عليه وسلم  بين  الكفار  فقد أهدر دم  أبو سفيان  بن الحارث بن عبد المطلب  وهو ابن عمه  صلي الله عليه وسلم قبل أن يسلم وكذلك صفوان بن أمية حتى أنجاه الله  ,  وغيرهم  كما أن الحبيب  المصطفي صلي الله  عليه وسلم أنزل عليه  قرآن  يتلي في  سب عمه  أبي  لهب  وكل هذا دليل  دامغ  أن نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام  لم يميز بين  أتباعه  قبل إسلامهم أو بعده ,   وحشي  ورغم أنه  قتل  سيد الشهداء حمزة إلا انه نال تقدير الصحابة بعد إسلامه إبان فتح مكة  وقد  اختارته الأقدار الربانية  ليقتل  مسيلمة الكذاب  بنفس الحربة التي قتل بها  سيدنا حمزة  وقال  مقولته الشهير ة : قتلت بها أشرف الناس   وأرذل الناس '  وكان موضع  تقدير  الصحابة  وكرموه على فعله الشجاع....

 

كان سيدنا سلمان  وهو القادم من بلاد فارس  مقربا منه صلي الله عليه وسلم  وكان مستشاره للشؤون الحربية  وقال فيه  : سلمان منا آل البيت    فأي عدالة  هذه وأي خلق الذى يجعل  القادم  من بلاد فارس  عضوا  في الدوحة الشريفة .

 

لقد رفع الحبيب صلي الله  عليه  وسلم سيدنا صهيب  الرومي  وسيدنا بلال واختارهم  على أشراف قريش  من المشركين  وجعل منهم سادة بعد أن كانوا عبيدا

 

في موريتانيا نحتاج إلى جرعات قوية من محبته صلي الله  عليه وسلم ، وفينا بحمد الله من رزق نصيبا وافرا من تلك المحبة،  نحتاج إلى أن نحبه كما كان أصحابه  يحبونه أو نتشه بهم على الأقل

 

ولنتأمل في هذه الصورة التي رسمها  أحد منصفي العرب قائلا: 'يا قوم، إني قد وفدت على الملوك، على كسرى وهرقل والنجاشي، وإني والله ما رأيت ملكاً قط أطوع فيمن هو بين ظهرانيه من محمدٍ في أصحابه؛ والله ما يشدون إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما يكفيه إلا أن يشير إلى أمرٍ فيفعل، وما يتنخم وما يبصق إلا وقعت في يدي رجلٍ منهم يمسح بها جلده، وما يتوضأ إلا ازدحموا عليه أيهم يظفر منه بشيءٍ؛ وقد حرزت القوم، واعلموا أنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم؛ وقد رأيت قوماً ما يبالون ما يصنع بهم إذا منعوا صاحبهم؛ والله لقد رأيت نسياتٍ معه إن كن ليسلمنه أبداً على حال؛ فروا رأيكم، وإياكم وإضجاع الرأي، وقد عرض عليكم خطةً فمادوه! يا قوم، اقبلوا ما عرض فإني لكم ناصح، مع أني أخاف ألا تنصروا عليه! رجلٌ أتى هذا البيت معظماً له، معه الهدي ينحره '

 

أن نتأمل  هذه الصفات ويقيس كل منا مقدار محبته صلي الله  عليه وسلم  ، ولعل سبب ظهور بعض  المتطاولين على الجناب الشريف هو ابتعادنا عن تدارس سيرته والتأمل فيها وقلة التظاهرات التي تذكر بالحبيب  ولعل من بين التظاهرات التي استمرت طيلة  ربع قرن من الزمن  رغم كل الصعوبات هي ندوة نصرة الحبيب المصطفي  صلي الله عليه وسلم التي ينظمها التجمع  الثقافي الإسلامي  هذا التجمع الذى قدم  المشرفون عليه درسا  في  محبة الحبيب المصطفي  صلي الله  عليه وسلم  حتى قال العلامة  حمدا ولد التاه في حق رئيسه  الشيخ محمد الحافظ النحوي  :  أنه  ينوب عنهم في محبة الحبيب صلي الله  عليه وسلم .

 

هل السعادة إلا أن نحب وهل        فوق  المحبة  من غنم لمغتنم

 

نحن أمة تحتاج أن  تجعل من محبته صلي الله عليه وسلم  مذاقا  ترتشفه  ونهرا تنهل منه  فالمحبة التي يذاق لها طعم هي التي تتذوق على جرعات كلما تدبرنا سيرته ازددنا عشقا له  مرددين  مع  أحد محبيه  وعاشقيه  الشيخ الخليل النحوي في رائعته الشهيرة :

 

أسوق كل مديح ساقه بشر *** إلى المقام البهي الشامخ السنم به المدائح تزهوا أن تُزفّ له *** ويزدهي الغير إن يُمدح ويحترم كل المدائح إن تخطئه خاطئة *** والشعر في الغير شعر غير ملتزم

 

عذرا سيدي رسول الله فنحن قصرنا في اتباعك في محبتك في تنفيذ تعالمك  ’ نحن أمة ضعيفة الذاكرة لا نتذكرك إلا حين يلمزك من كتب الله عليهم الشقاء وحرمتهم الأقدار محبة الرحمة المهداة ‘إلى العالمين ولكن نطمع أن يسعنا الحديث  :' المرء مع من أحب

 عذرا سيدي رسول الله/أحمدو محمد الحافظ

السراج TV