في رحاب النبوة...العدل بين الرعية/د. الشيخ التراد ولد محمدو
الأحد, 26 يناير 2014 12:28

د.الشيخ التراد ولد محمدود.الشيخ التراد ولد محمدو

الحديث عن شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم، يجعلك في حيرة ودهشة بأي تلك الشمائل تبدأ، فأنت أمام شخصية ورجل كان فيه خلاص البشرية جمعاء، من جاهلية عمياء" يأكل القوي فيها الضعيف" وتداس فيها الكرامة الإنسانية في التراب، ويتجاهل فيها بن آدم مصير حواء ويتساءل" أيمسكه على هون أم يدسه في التراب" ويتباهى القوم فيها بالشرف النسبي على حساب الأخلاق، تماما كما صوره محامي مهاجري الحبشة في أول مرافعة في التاريخ الإسلامي، أو إن شئت قل محاكمة للمشروع الرسالي خارج مكة" ..أيها الملك كنا قوما أصحاب جاهلية"...

هكذا كانت صورة المجتمع الجاهلي ما قبل الرسالة المحمدية، وكانت تلك الصورة البائسة تشغل بال الحبيب صلى الله عليه وسلم فدفعته إلى اعتزال القوم في غار حراء قبل البعثة، والخلوة هناك لما شاهده الفتى الهاشمي من مشاهد تمجها الطباع السليمة، وكأن الأمين صلى الله عليه وسلم في انتظار حدث ما سيغر تلك الأوضاع القاسية، فلا يمكن  للعدالة السماوية أن تترك ذلك الظلم الجاهلي يستمر طويلا، فكان أن ظهر الإسلام خاتم الرسالات على يد خاتم النبيئين محمد صلى الله عليه وسلم، فدعا المجتمع إلى احترام الكرامة الإنسانية ونبذ تلك الأعراف الجاهلية المشينة. ولم يغب عن خلد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يشيد بحلف الفضول الذي تأسس لنصرة المظلوم وإقامة العدل، وهي لفتة كريمة من البشير صلى الله عليه وسلم، لا يضاهيها إلا ذلك الثناء الذي عبر عنه تجاه ملك الحبشة العادل، وقد كانت سيرة الأمين صلى الله عليه وسلم حافلة بنماذج حية لعدله صلى الله عليه وسلم ودفاعه الفطري والرسالي عن المظلوم، وتطبيق العدل بين الناس في حال الرضا والغضب، فالعدل خلق من شمائله صلى الله عليه وسلم وهذه بعض نماذج ذلك الخلق الرفيع:

 

 لو أن فاطمة...

 

 لعل الكثير منا يتذكر قصة المخزومية التي استحقت الحد، فانزعج الناس من ذلك وأخذتهم العاطفة والرأفة في حد من حدود الله، فصار هرج ومرج وطفقوا يبحثون عن من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر المخزومية، فكان الاختيار على أسامة بن زيد، ومن حينه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في أمرها، فغضب المصطفى صلى الله عليه وسلم لذلك وقال "أتشفع في حد من حدود الله، فَوَ الذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" وبهذا الأسلوب الصارم والخطاب العادل أراد رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم أن يشيع ثقافة العدل في مجتمع حديث عهد بجاهلية تستبطن الحيف وتداري  الفرد. 

 

ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل: 

 

من تلك المشاهد الحية قسمته صلى الله ذات يوم بين أصحابه بعدل لا فضل لأحد على أحد، ورغم ذلك فقد حضر القسمة "ذو الخويصرة" أحد المنافقين والشانئين لدين الإسلام، فقال بلسان أثيم "اعدل".. فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كلمته الخالدة في تعجب "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل" وهذا التنقيص الآثم من محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن مستغربا من شخص مرد على النفاق، وساءه أن يتساوى القوم في القسمة رغم تفاضل الأنساب، ولم يدرك ذلك الإنسان المريض حينها حقيقة العدالة التي بشربها الإسلام والمساواة بين أبنائه، وستظل ظاهرة "ذو الخويصرة" أو الرجل المريض هذا، والذي أصابه داء الحقد والمكابرة مستمرة في عقبه من أشرار البشر في سعي مستمر للنيل من رسالة العدل التي أقامها الإسلام. 

 

استقد مني يا سواد.. 

 

هي حادثة طريفة في شكلها وعميقة في دلالاتها، تلكم قصة سواد بن غزية في غزوة بدر، حين كان قائد الجيش محمد صلى الله عليه وسلم يرتب الصفوف فإذا بسواد يتقدم الصف فمسه بجريدة، فقال سواد أوجعتني يا رسول الله، فكشف صلى الله عليه وسلم عن كشحه لسواد ودعاه إلى الاقتصاص منه، فانكب سواد على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال وددت أن يكون آخر عهدي بالدنيا جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاغرو أن يحدث هذا الصنيع الفذ من قائد جاء لإرساء دعائم العدل بين الخلائق، وكأن الحبيب صلى الله عليه وسلم أراد من ذلك أن يعلم الأمة أن تطبيق  العدل لا ينبغي أن يتأثر بمكانة الأشخاص، فالحق أحق أن يتبع.

 

 قصة الأشعث.. 

 

حينما تنازع الأشعث مع يهودي في أرض مدعيا أنه أخذ أرضه، لكن الأشعث لم يقدم بينة على دعواه تلك، فكان منه صلى الله عليه وسلم أن حكم لليهودي بتلك الأرض بعد أداء اليمين، ولم يعر اهتماما لديانة الرجل وخلفيته، لأن الإسلام ما كان له أن يحصر العدالة وتطبيقاتها فقط بين أبنائه ولصالحهم، وهو الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور.تلك رسائل عظيمة وخلق عدلي كريم لا يخطئه الناظر في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وتعج به كل المصنفات السيرية والتاريخية.  

 

 

يتواصل.....       

 

في رحاب النبوة...العدل بين الرعية/د. الشيخ التراد ولد محمدو

السراج TV