الإخلاص/عزة مختار
الاثنين, 03 فبراير 2014 08:15

altaltقال الله تعالى: " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" (البينة:5)، وقال: " أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ" (الزمر:3)، وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: ظن أبي أن له فضلاً على من هو دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عليه الصلاة والسلام: "إنما نصر الله عز وجل هذه الأمة بضعفائها ودعوتهم وإخلاصهم" رواه النسائي.

وعندما توعد إبليس اللعين عباد الله بأن يخرجهم عن طريق الله وأن يكونوا رفقاءه في النار قال لله تعالى: " إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ 40" (الحجر)، فالعبد لا يتخلص من الشيطان ولا يقدر عليه إلا بالإخلاص ولذلك كان معروف الكرخي رحمه الله تعالى يضرب نفسه ويقول: يا نفس أخلصي تتخلصي.

والإخلاص معناه أن تبتغي في عبادتك وجه الله تعالى وحده خالصة له من دون غيره لا تبتغي من ورائه مالاً أو جاهًا أو سمعة عند الناس، والله عز وجل أغنى الأغنياء عن الشرك "أي الشرك في أن تنوي بملك وجه الله والناس مثلاً".

وقد قيل: "كل الناس هلكى إلا العالمون وكل العالمون هلكى إلا العاملون وكل العاملون هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم"، وذلك لأن أمر العبادة يتطلب أن تستحضر نية الإخلاص في العمل من بدايته ثم أثنائه ثم بعد نهايته وذلك من الأمور الشاقة على النفس، لذلك فالإخلاص نهايته الجنة إن شاء الله وفيه النجاة ولكن الأمر ليس فيه هين. ويجب على المسلم أن يتعهد نفسه في كل أعماله ويسأل نفسه من أريد بعملي؟ وذلك إذا أراد أن يُقبل عمله.

وبالنية المخلصة يمكن أن تكون من أصحاب الأعمال المقبولة حتى لو لم تستطع فعله، ومن أمثلة ذلك فقد ذهب قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: يا رسول الله، نريد أن نخرج معك في غزوة تبوك، وليس معنا متاع ولا سلاح، ولم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا يعينهم به، فأمرهم بالرجوع؛ فرجعوا محزونين يبكون لعدم استطاعتهم الجهاد في سبيل الله، فأنزل الله- عز وجل- في حقهم قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة: " لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 91 وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ 92" (التوبة).

فلما ذهب صلى الله عليه وسلم للحرب قال لأصحابه: (إن أقوامًا بالمدينة خلفنا ما سلكنا شِعْبًا ولا واديًا إلا وهم معنا فيه (يعني يأخذون من الأجر مثلنا)، حبسهم (منعهم) العذر) البخاري.

وكذلك يمكن أن يضيع أجرك وتضيع قوتك إذا تغيرت النية في عملك ولا تلوم ساعتها إلا نفسك.

يحكى أنه كان في بني إسرائيل رجل عابد، فجاءه قومه، وقالوا له: إن هناك قومًا يعبدون شجرة، ويشركون بالله؛ فغضب العابد غضبًا شديدًا، وأخذ فأسًا؛ ليقطع الشجرة، وفي الطريق، قابله إبليس في صورة شيخ كبير، وقال له: إلى أين أنت ذاهب؟

فقال العابد: أريد أن أذهب لأقطع الشجرة التي يعبدها الناس من دون الله، فقال إبليس: لن أتركك تقطعها.

وتشاجر إبليس مع العابد؛ فغلبه العابد، وأوقعه على الأرض، فقال إبليس: إني أعرض عليك أمرًا هو خير لك، فأنت فقير لا مال لك، فارجع عن قطع الشجرة وسوف أعطيك عن كل يوم دينارين، فوافق العابد.

وفي اليوم الأول، أخذ العابد دينارين، وفي اليوم الثاني أخذ دينارين، ولكن في اليوم الثالث لم يجد الدينارين؛ فغضب العابد، وأخذ فأسه، وقال: لا بد أن أقطع الشجرة؛ فقابله إبليس في صورة الشيخ الكبير، وقال له: إلى أين أنت ذاهب؟ فقال العابد: سوف أقطع الشجرة.

فقال إبليس: لن تستطيع، وسأمنعك من ذلك، فتقاتلا، فغلب إبليسُ العابدَ، وألقى به على الأرض، فقال العابد: كيف غلبتَني هذه المرة؟! وقد غلبتُك في المرة السابقة! فقال إبليس: لأنك غضبتَ في المرة الأولى لله تعالى، وكان عملك خالصًا له؛ فأمَّنك الله مني، أمَّا في هذه المرة؛ فقد غضبت لنفسك لضياع الدينارين، فهزمتُك وغلبتُك.

والله عز وجل لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصًا له وإلا لكان مرائيًا والمرائي ينادى عليه يوم القيامة بأربع أسماء "يا مرائي يا مخادع يا مشرك يا كافر" أخرجه ابن أبي الدنيا

والرياء أن تعمل العمل ويكون للنفس حظ فيه كأن تتصدق ليقال منفق وتجلس بالمسجد لتهدأ نفسك وتصوم كي يصح جسدك وتلك كلها أعمال في جملتها طاعات إلا أن الله عز وجل يقول: "أنا اغني الأغنياء عن الشرك"؛ فإذا دخل حظ النفس في العمل أفسده وكدره ولذلك قيل: من سلم له من عمره لحظة واحدة خالصة لوجه الله نجا وذلك لعزة الإخلاص وعسر تنقية القلب من تلك الشوائب.

فالإخلاص الإخلاص وتجديد النية في كل عمل وأثناء العمل كي لا نكون من أصحاب تلك الآية الكريمة: " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا 103 الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا 104" (الكهف).

 

 

 

 

ينابيع

الإخلاص/عزة مختار

السراج TV