في رحاب النبوة..خلق التعامل في الهدي النبوي/د.الشيخ التراد ولد محمدو
الاثنين, 03 فبراير 2014 10:53

altaltمنذ حادثة شق الصدر ونزع حظ الشيطان من قلبه صلى الله عليه وسلم وبعد نزول آيات العصمة الشاملة، "وماينطق عن الهوى.." "والله يعصمك من الناس" توالت العناية الإلهية بجناب الحبيب صلى الله عليه وسلم، لتواكب المشروع الرسالي الذي حمله رسول الهدى إلى الأمة، فكان الوحي القرآني يتنزل على قلبه صلى الله عليه وسلم بخط بياني نوَّه وعبر عنه الأمين صلى الله عليه وسلم بقوله: "أدبني ربي فأحسن تأديبي".

ولاشك أن معية الخالق لأفضل مخلوقاته، قادت إلى أن يكون القرآن خلقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم،كما ذكرته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حين سئلت عن خلق زوجها، فقالت كان خلقه القرآن، حيث كان الوحي نبراسا في معاملاته صلى الله عليه وسلم مع الناس كافة، والمستضعفين خاصة من صحابته رضي الله عنهم،وهذه وقائع حية لخلق التعامل النبوي وثقتها أسفار السير والتاريخ والتصانيف الحديثية.

 

إن لي بك حاجة..

 

لقد كان صلى الله عليه وسلم رحيما بأصحابه وبالمستضعفين منهم، وتناقلت كتب السير قصة المرأة العجوز التي استوقفه صلى الله عليه وسلم وهو يمشي في الطريق فقالت يا رسول الله إن لي إليك حاجة، فسار معها صلى الله عليه وسلم حيث أرادت حتى أنهت حاجتها، ولا غرو أن يحدث هذا الفعل من رجل رفع شعار"ابغوني الضعفاء فإنما ترزقون بضعفائكم"، وهو درس نبوي عملي لمن ولي أمور المسلمين:"ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

 

وجاء أعرابي..

 

وتواترت في التراث الإسلامي قصة الأعرابي مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلك طريقا إذ باغته أعرابي فجذبه بردائه حتى أثر في جسده صلى الله عليه وسلم وقال مر لي من مال الله، فهم الصحابة بالأعرابي لقتله بعدما بدر منه فمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يبرق ابتسامة وأمر له ببعض المال، ولم يكن الرحمة المهداة معنيا بالانتصار لشخصه بعد الأذية التي تلقاها من الأعرابي، لحرصه على الدعوة وحمايتها من الشوائب وفي الوقت نفسه إرساء خلق التعامل الحسن بين صحابته ومن بعدهم أمته.

 

من بيت الرسالة...

 

بعد عشر سنين داخل البيت النبوي أحس أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوقت قدحان لتقديم شهادة كاملة عن خلق التعامل النبوي معه في بيت النبوة، فقدم حصيلة اختزلها في كلماته الشهيرة: "..ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط: أفٍ، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟".

ولاشك أن شهادة أنس بن مالك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي ساكنه طيلة هذه المدة تؤكد عظمة البشير صلى الله عليه وسلم ورفقه في التعامل مع الناس، وتجسيده العملي لرسالة الدين السمحة التى حملها محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين"وما أرسلنك إلا رحمة للعالمين".

 

هون عليك...

 

وتورد الروايات السيرية قصة ذلك الرجل الذي تحدث إلى النبي صلى الله عليه وسلم في عام الفتح، وكانت ترتعد فرائصه هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رءاه الحبيب صلى الله عليه وسلم خاطبه قائلا: "هون عليك إنما أنا بن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة".

وقد أراد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الرجل رسالة الإسلام ورحمته بالناس كافة، فعبر له ببلاغة جعلت الرجل يستعيد عافيته وطمأنينته بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت، ولعلها رسالة لأمته من بعده توجب احترام الناس والتعامل معهم بأسلوب رسالي لا فضل فيه لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ولا أهمية فيه للشرف النسبي والمهني بل المكانة فيه تكون بقدر التزام الشخص بأخلاق الإسلام، كما هي رسالة توجب لغير المسلمين حرمتهم في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

 

 

يتواصل...

 

في رحاب النبوة..خلق التعامل في الهدي النبوي/د.الشيخ التراد ولد محمدو

السراج TV