القرآن دستورنا/سيد ولد عيسى
الثلاثاء, 04 فبراير 2014 16:52

altaltلا يزال عدل الله ولطفه في تشريعه يتكشف للناس يوما بعد يوما ولا تزال آياته تتبدى للناس في الأنفس والآفاق، في الاجتماع والسياسة والاقتصاد، وفي شتى مناحي الحياة.

فبعد الأزمة المالية العالمية، وما طرحته من استفهامات حول إمكانية مواصلة العالم مع الربا، وخطورة تعاطيه، وأضراره الدنيوية قبل الأخروية، هاهي ذي مشكلة أخلاقية أخرى تعصف ببلد آخر فيقرر ما أوصله إليه عقله بعد تجربة مرارة تداعيات الانفلات الآخلاقي.

فقد وردت الأنباء أن زامبيا "تسعى لحظر الملابس القصيرة في مواجهة تنامي الاغتصاب والتحرش الجنسي"، وجاءت في تفاصيل الخبر المعلومات التالية: "يسعى مسؤولو الشرطة في زامبيا للضغط من أجل وضع قانون يحظّر التنانير القصيرة،(ما فوق الركبة)، وغيرها من الثياب التي يعتبرونها فاضحة، وكذلك الرقص المثير، أملًا في الحد من ارتفاع عدد حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي.

 

وفي مقابلة مع وكالة الأناضول التركية، قال نائب المفتش العام للشرطة، جيري سليمان، إن "النساء لا يدركن أن هذا النوع من الملابس يعرضهن لخطر دائم".

 

وعن حفلات الرقص الجماعي التي تقام في شوارع زامبيا بحسب عاداتها، حذّر سليمان من أنه "ما لم يتم فعل شيء لوقف هذه الرقصات المثيرة، وارتداء الملابس العارية، سوف يستمر العنف ضد المرأة"، مشيراً إلى أن "الشرطة ترغب في حظّر الثياب التي تكشف أجزاء معينة من الجسم".

 

 

وأشار الضابط الكبير إلى أن "الشرطة خلصت إلى هذا الاستنتاج بعد أن لاحظت أن النساء تميل إلى ارتداء ملابس أكثر إثارة"، مضيفاً: "لاحظنا بقلق بالغ أن أنماطًا مختلفة من الرقص، إلى جانب الملابس، أصبحت شائعة بين الشابات".

 

وأوضح أن مشروع القانون المقترح يستهدف أيضًا أي شخص "يتورط في أنشطة أو سلوك جنسي صريح، أو سلوك مثير يهدف إلى التسبب في الإثارة الجنسية، أو أي فعل أو سلوك منافٍ للحشمة أو يميل إلى إفساد الأخلاق"، مقترحا أنه إذا "اكتشف من حالات الاغتصاب، أن الضحية كانت ترتدي ملابس غير محتشمة، ينبغي أن توجه لها تهمة التحريض على الجريمة"، وذهب إلى حد القول إن "النساء اللاتي يرتدين ملابس غير محتشمة يحرضن على الاغتصاب"، داعياً إلى الإفراج عن الرجال المتهمين بـ"اغتصاب تلك النساء".

 

وفي تصريح لوكالة الأناضول، قال رئيس اللجنة البرلمانية المختارة للشؤون القانونية وحقوق الإنسان وشؤون الجنسين، والطفل، النائب جاك مويبو، إن "اللجنة البرلمانية المختارة وجهت دعوة إلى الشرطة لإعطاء اقتراحات حول الطريقة التي يرغبون فيها بالمساهمة في محاربة جرائم الرذيلة والعنف على أساس النوع الذي هز البلاد في الماضي القريب".

 

وأشار النائب إلى أن "جيري طرح في كلمته أمام اللجنة البرلمانية، مسألة قانون جديد بشأن قواعد اللباس، مبرزا أن الثياب غير المحتشمة، تشكل أحد الأسباب الرئيسية للتحرش الجنسي، والعنف الاجتماعي".

 

وأوضح النائب مويبو أن "الشرطة ضغطت من أجل فرض حظّر قانوني على ارتداء مثل هذا النوع من الثياب في الأماكن العامة، ومن بينها التنانير القصيرة، لحماية المرأة من التعرض التحرش والاغتصاب"، متابعا أن "الشرطة ترغب في سن قانون يجرّم أي ثياب تكشف الأجزاء الحميمة من جسد المرأة، ولاسيما تلك التي قد تسبب الإثارة الجنسية"، في حين يضغط النائب البارز أيضا لفرض حظر على الرقص المثير.

 

وكان قاضي المحكمة العليا، رويدا كاوما، طالب مؤخراً، باعتقال أي شخص يكتشف أنه يرتدي ملابس غير محتشمة، ف بموجب قانون الإجراءات الجنائية في زامبيا، يعد كشف العورة جريمة".

ولا يهمنا الخبر ولا أين،ولا كيف سيطبق القانون ولاتداعياته في ذلك المجتمع، بقدر ما المهم هو الموضوع ذاته، وأن العقل البشري الذي أله حينا من الزمن، وجعل آلهة مضادة لخالق السماوات والأرض، لا يمكن لها أن تتفق والدين على شيء، حين يطلق عنانه، ويهتدي بالفطرة السليمة، يعود بعد تيه طويل وتخبط -لا يعلم إلا الله أضراره الدنيوية والأخروية-، ليثبت مسلمة يعرفها عوام المؤمنين، وأكثرهم سذاجة وتغفيلا...

لكن ما لم يدركه المشرع الزامبي، وما لم يدركه كثير من فلاسفة العصر وعقلائه مع الأسف، أو أدركوه، وعزفوا عن التصريح به، هو أن آيات معدودات في سورة النور لو طبقت، لما احتجنا إلى إحصاء لعدد كبير من الجرائم، وجرد لآلاف الحالات توصلنا في النهاية إلى أن من تعرض جسمها للعيون الجائعة والذئاب البشرية مشاركة في أي جريمة قد ترتكبها تلك العين التي لا تعرف "من الغض" حتى اسمه...

وما لم يدركه هؤلاء أن عقولنا مهما أحسنا استخدامها، ومهما وتنظيرنا مهما أتقناه، وقانوننا مهما أحكمناه، يبقى مسخرة مضحة، لأننا ندير أنفسنا بعقول الأطفال، بعقول لا تدرك من أسرار الكون، ولا علانياته إلا ما يدركه الطفل الرضيع من أسرار علم الاجتماع، وفنون التربية..

وما لم يدركه هؤلاء أن الدستور الوحيد والقانون الوحيد الصالح للبشرية جمعاء الذي إذا طبقته ستفلح وتنجح هو القرآن الكريم.

وما لم يدركه هؤلاء أن هذا القانون المراد تطبيقه لا يعود على الملتزمين به بأكثر من فائدة واحدة -إن أدى فائدة- تقتصر على الغرض الذي أنشأ من أجله، بينما لو بحث عن الآيات المتعلقة بالموضوع في مظانها لصينت الحقوق ورعيت الحريات، وتهذبت الأخلاق وصلح المجتمع....

وبقدر السعادة باكتشاف الزامبيين لضرورة الاحتشام، وأثرها الإيجابي في تقليص أعداد الجرائم، يكون الألم من حال عالم كتب الله أن نعيش فيه، انقلبت فيه الفطر، واختلت الموازين، حتى أصبح البشر بعد تيهه الطويل لا يكاد يعرف للحقيقة طريقا، ولا للصواب سبيلا...

ويزداد الألم أكثر حين ندرك أن أمة مزودة بخبرات العالم السابق لها، وبأخبار العالم اللاحق عليها ما زالت مقصرة في إدراك حقيقة وأهمية هذا الكنز العظيم في كل مجالات الحياة، الثقافية والاجتماعية والسياسية والتربوية والتعليمية، وهي أكثر تقصيرا ي تبليغه للناس وعرضه عليهم في حين لا يتردد أي ناعق في عرض نحلته ومذهبه وتجربته، مهما كان تهافتها وسقوطها في معايير القيم.

للزامبيين أن يسعدوا بما توصلوا إليه، وأن يفرحوا بما هدتهم إليه تجربته، ولهم أن يسعدوا بتطبيق قانونهم –إذا أقر- لكن ليس لهم أن يلوموا من كان يدرك أن الخطأ خطأ البشر في التصرف، وأن هدايته في العودة إلى الله والرجوع إلى منهجه، وأن ما سيعود به القانون من نتائج لن يرقى إلى مستوى مئوي معتبر مما تعود به آيات القرآن من خير على مطبقيها في الدنيا والآخرة.

 أسفا علينا من أمة نملك أفضل كنز، ولا ندرك جمال ولا عظمة ولا قيمة ما نملك..

أسا علينا من أمة مشردة حيرى، وفي يدها المصباح..

أسفا علينا من أمة نستسقي السراب، وبين أيدينا بحار العلم والهدى..

ما بالك أيها المؤمن التائه، وفيم الحيرة والشرود..

"هل أنت ترغب فيمن فيك يزهد أم

أراك تزهد في من فيك قد رغبا أم كيف تجفو معينا طاب مورده

وتبتغي ورد ماء عنك قد نضبا"

إن كنت أيها المؤمن تترك القرآن ظهريا وتبحث عن الهدى في غيره فقد خبت وخسرت، وقد:

"محضت ودك من شيبت مودته

وخنت من لم يخنك الدهر مذ صحبا".

القرآن دستورنا/سيد ولد عيسى

السراج TV