في رحاب النبوة.. بلال .. صحوة ضمير وصوت حرية/د.الشيخ التراد ولد محمدو |
الأحد, 16 فبراير 2014 01:08 |
لما خرجت إلى النور الدعوة المحمدية وبدأت الأخبار تصل مسامع القوم في مكة تواردت إلى ذهن الفتى الحبشي أخبار الأمر الجديد، وظل يتحسس الخبر بين الناس في بحث عن دين يبشر بحرية الإنسان ويرفع عنه نير العبودية. وذات مرة مر به محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ومعه غنمه فطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنحه لبن شاته فأذن له فحلبها صلى الله عليه وسلم، فشربوا حتى ارتووا وفاض القدح، فتفاجأ بلال من الأمر وحينها خاطبه الأمين صلى الله عليه وسلم: هل لك أن تسلم فأسلم بلال على الفور وكتم إسلامه خوفا من بطش القوم، فكان من أوائل السابقين دخولا في دين محمد صلى الله عليه وسلم. بلال ..بداية ألم: لكن إسلام بلال رضي الله عنه لم يغب عن قومه فقد علموا بإسلامه ومن حينها بدأت رحلة بلال مع تعذيب نفسي وجسدي كاد يودي بحياته، ولسانه يردد أحد.. أحد.. في وجه كفرة قريش وجبابرتهم، وظل هذا حاله أياما طوالا حتى كانت ساعة الخلاص على يد الصديق رضي الله عنه، فقد اشتراه من سيده أمية بن خلف وحرره مع آخرين، ومن تلك اللحظة بدأ بلال رضي الله عنه يتنشق نسيم الحرية وعبيرها بعد عذابات أنهكت جسده وأوهنت قواه لكنها لم تضعف عزيمته وصلابته التي اكتسبها منذ أشهر إسلامه رضي الله عنه. بلال صوت أذان.. ونداء حرية: لما تدخل أبو بكر رضي الله عنه بإشارة من محمد صلى الله عليه وسلم، لإنهاء معاناة بلال بن رباح رضي الله عنه، كان لبلال بصمته في مسيرة الدعوة، فقد تم اختيار الفتى الحبشي أول مؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صوت بلال بأذانه الشجي يخترق كل بيوتات القوم مؤذنا برسالة عنوانها "لافضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" وهي رسالة منحت بلالا وغيره من المستضعفين حرية الاعتقاد وحرية النشاط بعد قيود حرمتهم كرامتهم وإنسانيتهم وآدميتهم. مواقف بلال بعد إسلامه: عاش بلال رضي الله عنه بعد إسلامه حرية كاملة مكنته من أخذ مكانه في الصف الأول من صحابته صلى الله عليه وسلم، وكانت مواقف الفتى تشرق أنوارا لتشبعه بتربية الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ولأن بلالا ذاق حلاوة الإسلام ورسالته فقد شق طريقه نحو الحرية بصر وثبات منقطع النظير. 1- بلال..وأبو ذر.. وعدالة الإسلام: تحاور ذات يوم بلال وأبو ذر فعير أبو ذر بلالا بسواد أمه، فغضب بلال وشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستدعاه الأمين محمد صلى الله عليه وسلم وسأله عن الأمر فأقر به، فعاتبه صلى الله عليه وسلم، وحينها وضع أبو ذر رضي الله عنه خده على الأرض، وقال لا أنزعه حتى تطأه بقدمك يا بلال، وبعد إلحاح فعلها بلال رضي الله عنه قصاصا من الأذى المعنوي الذي تعرض له، فرسالة الإسلام تقتضي العدل بين الناس ولا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله عز وجل، وهو ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم تجسيده كعقيدة بين صحابته رضوان الله عليهم. 2- كلمات خالدة...: بعد تقلده منصب الأذان بين صحابته صلى الله عليه وسلم ظل لأذان بلال تأثير عميق في دولة الإسلام، وذلك لما تعنيه كلمات الأذان لسامعيه من المسلمين، فصوت بلال وهو يصدح بنداء الحرية المجلجل يوقظ تلك القلوب المستضعفة، وقد عبر بلال نفسه بشهادة روتها كتب السير عن ذلك الانعتاق يقول: "إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا" ، ولما حضره الموت صاحت امرأته قائلة: "وا حزناه فقال وا طرباه.. غدا ألقى الأحبة محمدا وحزبه" وهو شوق مفهوم من شاب كبلال وجد حريته ومكانته في الإسلام وعلى يد رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم، رحم الله بلالا فقد كان مثالا حيا لعدالة مشروع رسالي..
|