في رحاب النبوة.. عمار..المؤمن القوي../ د.الشيخ التراد ولد محمدو
الثلاثاء, 25 فبراير 2014 00:06

altaltقد يتساءل المتابع للسيرة النبوية عن السر وراء وجود المستضعفين في القائمة الأولى للملتحقين بركب الدعوة، وإصرارهم القوي على سابقية الإسلام رغم ضعفهم في المجتمع المكي وهول ما ينتظرهم من فتنة وإهانات نفسية وبدنية، في حين أن كثيرا ممن عرفوا بالقوة ممن يسمون بالأشراف ولا تعوزهم الحماية لم يزاحموا هؤلاء في الالتحاق بالدعوة، مما يعني أن أمرا جللا قد دخل على حياة هؤلاء المستضعفين، دفعهم إلى المجاهرة بإسلامهم ومن بين هؤلاء بدون شك عمار بن ياسر رضي الله عنه.

إيمان عمار... وظلم الجاهلية:

لما أحس عمار بن ياسر بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته إلى البشرية انبهر بقيم هذا الدين لما يحمله للناس من حرية داستها أرجل أئمة الكفر الجاهلي الذين أقعدهم الغرور والكبرياء فكانوا يأنفون قبول المساواة الإسلامية، وحينها بادر إلى البحث عن تلك الرسالة، وعلى الفور التحق بالدعوة وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فكان سابع سبعة أسلموا، ومنذ إسلام عمار بدأت رحلته الشاقة والأليمة مع التعذيب، ولم تسلم أسرته الضعيفة من خطر التعذيب، فكان عمار ووالده وأمه أول أسرة أرادت قريش من خلال التنكيل بها تخويف الأسر المستضعفة، ومنعهما من الدخول في دين بشرهم بالحرية، وتلقت الأسرة الصغيرة في أفرادها والكبيرة في إيمانها أصنافا من الاضطهاد لم تشهدها البشرية، وفي هذه الأثناء فارق الحياة ياسر وسمية، فكانا أول شهيدين في الإسلام، واشتد الأمر على الفتى الحديدي عمارا، مع ما يعانيه هو نفسه من ويلات القهر والترهيب النفسي، وكان محمد صلى الله عليه وسلم يمر بآل ياسر ويقول "صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة" وقد كان لهذه الكلمات أثر بالغ في نفس عمار ووالديه، فاستطاعت الأسرة المنكوبة الثبات والصبر على وحشية القوم وهمجيتهم.

ساعة الخلاص.. ورسائل تطمين:

وظلت قريش على حالها في ممارسة التعذيب على الفتى عمار وظل هو يواصل مقاومة القوم، وفي لحظة يأس من القوم عرضت قريش على عمار مقايضة أن يذكر ولو مرة آلهتهم بخير، وينال من محمد صلى الله عليه وسلم، وقد فعل عمار ذلك وهو تحت وطأة تعذيب شديد، فتم تحريره وعلى الفور غادر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يرتعش من هول ما قال في حقه، فما كان من الرحمة المهداة إلا أن هدَّأ من روعه وقال له برحمة وشفقة وإنسانية "كيف تجد قلبك" فقال مطمئنا بالإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم فإن عادوا فعد يا عمار، فنزلت في الفتى المظلوم آيات تتلى تخليدا لإيمانه القوي، وتشريعا لحادثته تلك ولغيره من المستضعفين، وقد واصل عمار رحلته الدعوية وملازمة النبي صلى الله عليه وسلم فأحبه، وقد كانت رسائل البشرى تترى على عمار من الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الرسائل المؤثرة ما روتها كتب السير والتاريخ "عمار جلدة بين عيني" وإن الجنة لتشتاق إلى علي وعمار وسلمان، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمارا بحدث وفاته وقال: "تقتل عمارا الفئة الباغية".

وانتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وظل عمار في طريقه الدعوي مع خلفائه صلى الله عليه وسلم، وقتل عمار رضي الله عنه في الفتنة الكبرى التي حدثت بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

رحمة الله عليك يا عمار فقد كنت الإنسان القوي والمؤمن رغم ما تعرضت له، وكنت تؤمن أن القوة الحقيقية هي قوة الإيمان، والضعف الحقيقي هو ضعف الباطل مهما بلغت وسائله، لكنك معذور يا عمار في صبرك فقد ذقت طعم الحرية على يد منقذ البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت أسرتك الطاهرة عنوان ثبات للأسر المظلومة بعد أن أرادوها تحذيرا وترويعا للبقية المستضعفة.

 

 في رحاب النبوة.. عمار..المؤمن القوي../ د.الشيخ التراد ولد محمدو

السراج TV