معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها 20 عاما من العطاء |
الخميس, 10 أبريل 2014 11:14 |
في بلد كموريتانيا متعدد الأعراق واللغات موحد الدين، يقف حاجز اللغة حجر عثرة دون فهم الآخر واستيعابه، دون التواصل معه وتعليمه والتعلم منه، ويعاني الدعاة إلى الله من ذلك ما يعانون، سواء كانوا من مجتمع "الزنوج" أو مجتمع "البيظان". وقد أصبحت اللغة حاجزا دون تبادل أشرعة الدعوة والعلم والموعظة، خلافا لما كان عليه الحال قبل الاستعمار؛ حيث عرف علماء الزنوج تلامذة البيظان، وعلماء البيظان تلامذة الزنوج في تناغم يلغي علائق الطين لونت كانت أو عرقا. لم يخف الاختلاف والتمايز الذي صنعه الاستعمار الكثيرين، فقد كانت اللغة الفرنسية –كجسر تواصل- أسهل الحلول، لكن التجربة أثبتت فشلها، فقد كان التواصل عن طريقها تواصلا عن طريق وسيط أجنبي لا يساعد في فهم الكتاب المنزل، ولا الرسالة الخاتمة، كما لا يساعد في تذويب الفوارق ولا تحطيم الحواجز.. أرق الحال الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، وحماة البلد الغيورين على وحدته الوطنية وانسجامه الاجتماعي وأخوته الإسلامية وظهرت محاولات كثيرة، ومقاربات متعددة للموضوع، تتجاوز الدعوات القومية للفريقين، والنعرات الطائفية، للونين، وكان من أبرز تلك التجارب تجربة "معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها نشر العلوم الإسلامية"، واليوم وهو يخطو بأريحية خطواته لاستكمال عامه العشرين، أعد السراج الدعوي عنه هذا الملف، إعجابا بالتجربة، وتقييما لها.
البدايات الأولى للمعهد؟ تأسس معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في 31/08/1994، وحصل على ترخيص رسمي من وزارة الثقافة والتوجيه الإسلامي يحمل الرقم 206. تعود فكرة إنشاء معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ونشر العلوم الإسلامية إلى أحداث 1989 العنصرية، وما عقبها من شيوع الثقافة العنصرية والانطواء على الذات بين المكونين الأساسيين للشعب الموريتاني، "الزوج" و"البيظان". ويقول القائمون على المعهد إن سبب تركيزهم على اللغة العربية يعود لعدة اعتبارات: أولا: لكونها لغة القرآن، ولغة الدين، وبالتالي فهو الموحد الأول لهذا الشعب على هذه الأرض. ثانيا: رفض أن تكون ثقافة الأجنبي "الثقافة الفرنسية"، وما تحمله من شحنات متعلقة بنشأة تلك الثقافة وبيئتها وسيطا بين أهل البيت الواحد الموريتانيين المسلمين. ثالثا: أن الوثائق والمعلومات تدل على أن هذه اللغة كانت أصلا لغة أجداد الزنوج الموجودين في موريتانيا، ولم ينته استعماله بينهم إلا في فترة قريبة. رابعا: لكونها الحاضن الأصلي للثقافة الإسلامية، ويصعب فهم المعارف الإسلامية على من لا يعرف العربية؛ لذلك تم التركيز عليها واختيارها كلغة للتعليم الإسلامي في هذا المعهد. أهداف طموحة: يسعى المعهد إلى تحقيق حملة من الأهداف من أهمها: أولا. تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها: ويسعى المعهد تحت هذا الهدف لإكساب المستهدفين كفاية القراءة والكتابة والفهم والمحادثة بلغة عربية فصيحة غير مشوبة. ثانيا. نشر العلوم الإسلامية: ومن أهداف المعهد نشر العلوم الإسلامية قصد التحصين من أفكار الغلو والتطرف، والحماية من دعوات التنصير والتغريب وتعليم الناس ما تعبد به ربها وتقوم به أخلاقها وفق تعاليم الإسلام؛ إذ ينتشر الجهل بأساسيات الدين في صفوف غير الناطقين باللغة العربية خاصة فيما يتعلق بالقرآن والفقه والسيرة. ثالثا. المساهمة في محو الأمية: باعتبار أغلب السكان المستهدفين أميين. رابعا.المساهمة في حفظ التراث وصيانته: كما يساهم في إحياء التراث الإسلامي من خلال تمكين المجتمعات من آلية للتواصل مع التراث الإسلامي لأجدادها وهو كثير ومفيد، بحيث إذا نشر وحقق سيكون إضافة مهمة للتراث الإسلامي بهذا البلد خصوصا وللتراث الإسلامي بشكل عام، ومن المفيد أن نشير هنا إلى أن اللغة العربية ليست دخيلة على الأفارقة الزنوج بل كانت لغة التخاطب والكتابة قبل مجيء المستعمر للبلدان الإفريقية. الوسائل: ويستخدم المعهد من أجل تحقيق أهدافه مجموعة من الوسائل من أهمها: · إنشاء المحاظر والمؤسسات التعليمية. · فتح الفصول التعليمية. · تسيير الرحلات والقوافل التعليمية والاجتماعية. · تنظيم الدورات التعليمية ودوارات التقوية. · إنشاء المراكز المتخصصصة. · تنظيم الملتقيات والمخيمات. · إجراد الدراسات والبحثوث. · تنظيم الدروس والمحاضرات والندوات. · إنشاء لامكتبات المسموعة والمقروءة والمرئية. · التعاون مع الدولة والمؤسسات والهيئات المشابهة محليا ودوليا. · تنظيم المسابقات ومنح الجوائز.\مبناء المساجد والجمعيات. · إنشاء المشاريع الوقفية والتنموية. أما مجالات عمل المعهد الآن فتتركز فيما يلي: أولا:التعليم في الفصول الثابتة: وهي فصول يُدرس فيها القرآن الكريم واللغة العربية والعلوم الشرعية وفق منهج دراسي محدد، وتضم هذه السنة أكثر من 1000 طالب، إضافة إلى أكثر من (526) طالبا في محاظر يتم دعمها من قبل المعهد ليكون بذلك العدد الإجمالي للطلاب : (1820) طالبا موزعين على المناطق الأكثر كثافة سكانية لغير الناطقين بالعربية ولا يتلقي المعهد أي رسوم مقابل الدراسة بل يقدم جميع أنشطته بالمجان. ثانيا: حلقات تحفيظ القرآن الكريم: وهي تعنى بتحفيظ القرآن الكريم في أوقات مخصوصة لمن لا يستطـيـع الالتحاق بفصول المعهد الثابتة من الكبار والصغار، وفق برنامج محدد وبتجويد وترتيل، ويستفيد منها سنويا ما يزيد على 200 شخص من الرجال والنساء. ثالثا: دورات تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها: وهي دورات تستهدف الأطر والمثقفين والطلاب من الناطقين بغير العربية، تقدم فيها دروس متنوعة في القراءة والكتابة وعلوم اللغة العربية وأساسيات في العلوم الشرعية وفق برنامج محدد ، ويستفيد من هذه الدورات سنويا 300 فرد ( رجالا ونساء)، منهم الأطباء والمعلمون والأساتذة والموظفون، كما أنها شملت بعض الدول المجاورة، وقد أعطت هذه الدورات ثمرات جيدة و ساعدت في تعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها ، ويقيم المعهد خمس دورات سنويا في البلد بالإضافة إلى الدورات التي تتم في الدول المجاورة ويلاحظ تزايد الإقبال على هذه الدورات من سنة لأخرى حيث يبلغ متوسط الدارسين في الفصل (20 ) دارسا. رابعا: دورات محو الأمية: يعني القائمون على المعهد بالأمية معنيين؛ الأمية الأبجدية، والأمية الدينية، ويركزون على محو الأميتين معا؛ لذلك فدورات محو الأمية عبارة عنأقسام لتعليم الأميين الكبار القراءة والكتابة، وأساسيات أحكام كالطهارة والصلاة وفق برنامج محدد، ورغم أهمية هذه الدورات والحاجة الكبيرة لها خصوصا في المناطق الريفية حيث ترتفع نسبة الأمية والجهل فإن الإقبال عليها ما زال ضعيفا بسبب الخجل وعدم وجود محفزات، وقد استفاد من هذه الدورات حتى الآن 63720 فردا من بينهم: 8013 من الأطفال، و: 39895 من النساء، و: 15812 من الرجال خضعوا لما مجموعه 1014 نشاط تعليمي ما بين محاضرة أو درس أو حلقة ونحوها. خامسا: الرحلات التعليمية: (مشروع النفير التعليمي والدعوي) وهي رحلات يقوم بها أساتذة وأئمة مؤهلون تنظم وفق برنامج يشمل أساسيات الأحكام الشرعية ومبادئ العلوم الإسلامية . وشملت حتى الآن كثيرا من القرى والمدن المحاذية للنهر في: الترارزة ولبراكنة بالإضافة إلى بعض القرى في الحوض الغربي وكيدي ماغة ويستفيد سنويا من الرحلات ما يزيد علي 36 قرية يمكث فيها المدرس ما بين أسبوعين إلى شهر. سادسا :المخيمات الصيفية : وسعيا إلى تكوين الطلاب وشحذ مهاراتهم وقدراتهم الدراسية يقيم المعهد سنويا بعض المخيمات والأسابيع الدراسية في مناطق تركيزه وقد أقام المعهد حتى الآن ثلاث مخيمات يحضر المخيم حوالي 80 طالبا من طلاب المعهد. سابعا: الأنشطة الداعمة للتعليم : وسعيا إلي توسيع نطاق رسالته لمختلف المراحل العمرية يعمل المعهد على إنشاء المجمعات العلمية وبناء المساجد والمحاظر والمدارس في مناطق تركيزه. ثامنا : دورات الأئمة والمدرسين وهي دورات يقيمها المعهد سنويا للائمة والمدرسين وتتراوح فترة الدورة الواحدة بين يومين إلي أسبوع ويتلقي فيها الأئمة والمدرسون تكوينا في التدريس والخطابة والدعوة ومستجدات الوسائل التربوية علي يد كوكبة من كبار العلماء والدكاترة المجربين ويقيم المعهد سنويا 6 دورات للائمة والمدرسين. مناطق الانتشار: يركز المعهد وجوده فيالعاصمة نواكشوط، إضافة إلى ولايات (لبراكنه - اترارزة – كوركول - كيدماغا - الحوض الغربي). وتعد هذه المناطق من أكثر مناطق البلاد استهدافا من قبل المنظمات التنصيرية، لذلك كانت حاجتها ماسة إلى مثل هذه الجهود الطيبة، التي تمسكها بدينها وقيمها، وتربطها بجذورها الإسلامية، خصوصا أن اللغة تقف حجر عثرة في وجه الكثير منهم، بالإضافة إلى كون هذه الفئة في أغلبها من الفئات الفقيرة في هذا المجتمع، لذلك يقوم المعهد ببعض الأنشطة الاجتماعية والخيرية التي تساعده في مهمته هذه، وتزيد ربط الطلاب والمستفيدين به وبرسالته. ومع قساوة الظروف المادية وقلة ذات اليد استطاع أن يفتح فروعا في ثلاث ولايات داخلية إضافة إلى العاصمة نواكشوط التي بها المقر المركزي في مقاطعة الميناء،وبها فرعه في عرفات، أما الفروع في الولايات فهي: - ولاية لبراكنة : وللمعهد بها مركز في بوكي، وفروع في امبان وتولدي ودغفك. - ولاية الترارزة: وللمعهد بها مركز روصو وفرع دار السلام ومحظرة النور والهدى، فرع "تيكنت" - ولاية الحوض الغربي: وللمعهد بها محظرة آشوييف التابعة لمركز أطويل الإداري حيث الكثافة السكانية للفلان في المنطقة. هيكلة المعهد: للمعهد مجلس إدارة هو المسئول عن وضع الرقابة والتوجيه والمصادقة علىالاستراتيجيات والخطط ...، حسب ما تنص عليه نظم المعهد (النظام الأساس والداخلي)، ومكتب تنفيذي هو المسئول عن تنفيذ الخطط وتسيير الأعمال اليومية،تتبع له مكاتب ولجان متخصصة . كما لدى المعهد إستراتيجية خمسية، تستل منها الخطط السنوية التي يتم تقويمها كل أربعة أشهر ، كما يتم تقويم التقدم في الخطة الخماسية سنويا. والمعهد إضافة لذلك يعتبر مؤسسة تعليمية تُدرِّس الابتدائية والإعدادية والثانوية، وتركز بالأساس على القرآن الكريم والعلوم الشرعية، وتعطي لخريجيها إفادات تحدد مستوياتهم الدراسية، إلا أن هذه الشهادات لم تنل الاعتراف الرسمي بعد. ويختار المعهد لمهمة التدريس خيرة الأساتذة الذين يقدمون إليه طلباتهم ويوافونه بملفاتهم، فتدرسها لجنة مختصة، تقابل في النهاية الأساتذة المؤهلين، وتختار من بينهم حسب حاجة المعهد وإمكاناته العدد الكافي كل عام، ويصل العدد الإجمالي لأساتذة المعهد الدائمين الآن حوالي 50 أستاذا، فيما يصل العاملون في إدارة المعهد حدود العشرين. المخرجات التعليمية: يقول القائمون على المعهد إنه يخرج الطالب وقد أتقن اللغة العربية نطقا وكتابة وفهما، على الأقل، بينما حين يكمل المرحلة الدراسية، يتخرج، وقد حصل على مستوى الباكالوريا الأصلية، حافظا لكتاب الله إضافة إلى إجادة العربية فهما وتعبيرا وكتابة، ويعتبر إمام جامع "حمزة" مثالا للطالب النموذجي في المعهد، فقد تحول من أمي إلى حافظ وخطيب يؤم الناس، ويوجههم إلى الخير بلغة عربية فصيحة. عقبات على الطريق: رغم ما أنجزه المعهد في مساره، فما زالت الفجوة كبيرة، وما زالت عوائق كبيرة تقف أمام المعهد وأدائه، لعل من أهمها: - عدم استمرار كثير من الطلبة في المعهد، نظرا لظروفهم المعاشية، وحالتهم المادية التي لم تسعف المعهد الظروف في تغييرها جذريا، رغم ما لمجانية التعليم فيه من أهمية. - عدم الاعتراف الرسمي بشهادات المعهد. - نقص الكادر البشري، نظرا لنقص التمويل، والمساعدات الرسمية للمعهد. - ضعف الانتشار؛ حيث لا يستطيع المعهد تغطية كل المناطق المستهدفة، ويعتاض عن التغطية الدائمة بالرحلات الشهرية والزيارات الدورية. - عجز المعهد حتى الآن عن اعتماد الوسائل الحديثة الميسِّرة لتعليم اللغة (كالوسائل السمعية البصرية)؛ إذ ما زالت طرق التعليم تقليدية، وما زالت وسيلته الأساسية التلقي من الأستاذ والشرح على السبورة. - عدم وجود برامج واضحة لتطوير تجربة التعليم، وتقييمها، فما زال العجز المادي يقف دون تكوين متخصصين في مجال التعليم، والتوجيه. ويتواصل العطاء.. يدخل معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها النصف الثاني من عامه العشرين بخطى واثقة، وإصرار على المواصلة رغم العوائق، منتظرا التفاتات الخيرين إليه، ومساعداتهم له في المهمة التي ناء بحملها، والهدف الكبير الذي يسعى من أجله، فهل سيحقق المعهد أهدافه في الوحدة الوطنية، ونشر الدين الإسلامي، وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، أم أن الخرق قد اتسع على الراتق؟. |