في ظلال آية/محمد الأمين أحمد بابو
الأحد, 23 مارس 2014 16:50

في ظـــــــــــــــلال آيـــــــــــــــــــــــــــةفي ظـــــــــــــــلال آيـــــــــــــــــــــــــــة

" وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ"

إن المتأمل في تاريخ الأمم والشعوب يجد أن الأمة التي تعتز بدينها يعزها ربها وينصرها وأن الأمة التي تستحي من دينها ولا تعتز به يذلها ربها وتحتقرها الأمم الأخرى فهاهم بنو إسرائيل لما آمنوا بموسى عليه السلام ونصروه واعتزو بدينهم أعزهم ربهم وقال عنهم ( وفضلناهم على العالمين)،ولكنه لم يصبروا كثيرا على تلك العزة فقتلوا الأنبياء وحاربوا دين الله ولذلك استحقوا اللعنة بدل التفضيل والعزة (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل).

وتلك هي سنة الله أن يعز من ينصر دينه ويذل من يعاديه ولهذا قال أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مخاطبا هذه الأمة ومحذرا لها من مغبة الرجوع عن دين الله ومحاربته ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله ). لقد كان هدف الإسلام الأعظم وغايته الكبرى أن يحرر أتباعه من أغلال العبودية ويشعرهم بإنسانيتهم لأنهم قد ارتبطوا بالله العلي الكبير واستندوا إلى حماه فرؤوسهم مرفوعة وقلوبهم قوية ثابتة وقد عرفت معنى العزة والحرية ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ).

ولهذا فإن على الأمة الإسلامية شعوبا وحكاما أن تتدبر هذه الآية الكريمة التي ذكرت من حصر الله فيهم العزة وجعلها شعارهم وعلامتهم التي يعرفون بها من بين الأمم ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين). وإن المتأمل في هذه الآية يجدها قد بينت أهل العزة وأهل الذلة بيانا شافيا ليتضح الطريقان ويستبين سبيل المجرمين.

فالعزة لدين الله وهو الإسلام ( ورضيت لكم الإسلام دينا) ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).

وللمؤمنين أهل الإسلام والسنة ( إن ما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله). والذلة للكفر وأهله والنفاق وأصحابه ( ضربة عليهم الذلة أينما ثقفوا ) ولكن المنافقين لا يعلمون.

وإن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء كما قال الإمام سيد قطب رحمه الله. والعزة كما قال ابن القيم رحمه الله لها ثلاثة معان: عزة القوة وعزة الامتناع وعزة القهر والرب تبارك وتعالى له العزة التامة بالاعتبارات الثلاث. والعزة والإيمان صنوان لا يفترقان فمتى وقر الإيمان في قلب الرجل وتشبع به كيانه تشرب العزة مباشرة فتصدر عنه أقوال وأفعال منبثقة من شعور بالعزة والإستعلاء على الكافرين لا على المؤمنين (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) فإذا استقر الإيمان ورسخ فالعزة مستقرة راسخة.

فما دامت العزة والإيمان صنوان مقترنان فمن أين لأهل النفاق أن يعلموا بتلك العزة أو يستشعروها وهم لم يتصلوا بمصدره الأصلي وهو الإيمان ( ولكن المنافقين لا يعلمون).

وإن السبب الأعظم في العزة هو الإعتقاد في الله والثقة به سبحانه عن بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لاترضين أحدا بسخط الله ولا تحمدن أحدا على فضل الله ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله فإن رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص ولا يرده عنك كراهية كاره وإن الله تعالى بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين وجعل الهم والحزن في السخط" (المعجم الكبير).

وإن نماذج العزة في تاريخ المسلمين لكثيرة فهاهو سعد ابن معاذ رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق عندما ذكر له مساومته لبني غطفان على ثلث تمر المدينة على أن يفكوا الحصار عن المسلمين فقال له سعد يارسول الله أشيئ أمرك الله به فلابد لنا منه أم شيئ تحبه فنصنعه أم شيئ تصنعه لنا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل شيئ أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا رأيت العرب قد رمتكم بقوس واحدة. فقال سعد رضي الله عنه: يارسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أوبيعا فحين أكرمنا الله تعالى بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ والله مانعطيهم إلا السيف، فصوب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه".

وما أبعد اليوم من الأمس فالأمة الإسلامية تمتلك ثروات طائلة وسكانا كثر ولكنهم غثاء كغثاء السيل منهزمون أمام دولة صغيرة تسمى(إسرائيل). جاء في جريدة المحرر مانصه:( : "يعتقد محلّلون اقتصاديون إنكليز وأمريكيون، أنّه إذا كان هناك خمسة زعماء عرب فقط، يمتلكون شخصيًّا 92 مليار دولار، وهو مبلغٌ مقاربٌ لما يمتلكه مئات الأثرياء اليهود، الّذين يشكّلون جزءًا من اللوبي الصهيوني الاقتصادي في العالم فلو أنّ هذا المال، وهذا العدد من الرجال، اُستخدم لتحرير الأرض وطرد الغزاة، لما كان هناك دولةٌ تُسمّى إسرائيل في العالم." وما وصلت أمتنا لهذا الحد من الضعف والانحطاط إلا لأنها تخلت عن قوتها ومصدر عزتها وهو الإسلام وما ضاعت القدس إلا حين صارت عربية وقد كانت حرة وهي إسلامية.

ورحم الله الإمام الشهيد شهيد القرآن سيد قطب رحمه الله الذي كان مثالا لعزة المسلم حين قال قولته الشهيرة "إن أصبعي السبابة التي تشهد بالوحدانية لله تعالى مرات في اليوم لترفض أن تكتب كلمة واحدة تقر بها حكم طاغية" ماذا كان سيفعل سيد لولا الإيمان وما ذا سيفعل إخوانه وطلابه الذين يقبعون الآن في سجون فرعون مصر وفراعنة العالم الإسلامي وطغاته؟

فيا للعزة ويا للثبات.

( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)

في ظلال آية/محمد الأمين أحمد بابو

السراج TV