سجن الدعوة/محمد يسلم ولد محفوظ
الأربعاء, 26 مارس 2014 16:55

الشيخ محمد يسلم ولد محفوظالشيخ محمد يسلم ولد محفوظكنا في جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم إذا عملنا لقاء مع مشائخ الدعوة وأعلام الصحوة للتشاور في شأن الدعوة، قالوا إن الجمعية لم تعمل ما فيه الكفاية وأن الدعوة ماتت ويذكرون من التقصير ما يذكرون، وصدقوا . إن الجمعيات تسجن الدعوة لا أقول تقتلها ولكنها تسجنها بين حيطان لا يعرفها الناس ويهابون القدوم عليها لما لها من خصوصية وهيبة في نفس المواطن البسيط ، وإذا أردت أن تعمل نشاطا احتجت إلى بطاقات وملصقات ولافتات ومنظمين.. ومع ذلك يبقى الحضور محدودا ونخبويا والاستفادة منه ضعيفة. 

أما إذا أطلق سراح الدعوة وأخرجت من سجن الجمعيات إلى مقر إقامتها ومنطلقها وفضائها الرحب الذي انطلقت منه وولدت فيه: المسجد الذي أسس لها وارتبطت به فإنها ستنمو وتنتشر (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)  ذلك أن أول عمل قام النبي صلى الله عليه وسلم عند قدومه إلى المدينة هو بناء المسجد، ليكون مقرا للتعليم والتوجيه والحل والعقد، فاجتمع الناس فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا ظل المسجد في سائر الأقطار محلا للدعوة والتعليم.

فمجالس المحدثين والعلماء والوعاظ كانت في المسجد  ليس للمسجد بواب ولا حارس يمنع دخول الناس ، كل الناس في المسجد الأغنياء والفقراء العلماء والجهال الصغار والكبار، كل جاء للتعبد فإذا سمع ما ينفعه استجاب بإذن الله تعالى إن أراد له الهداية. 

والناس أمام الموجه أو المعلم برآء يجتمعون في مكان لهم جميعا ليس أحد منهم أكثر حظا من الآخر فيه ولا أولى منه به فهي لله تعلى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) والمساجد يعمرها المؤمنون  (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) فرواد المساجد ليسوا مثل رواد الجمعيات فهؤلاء جاءو بقلوب منفتحة وأذهان خالية وجاءو لمكان فيه السكينة وتحفه الملائكة وتغشاه الرحمة ليس لأحد عليه سلطان.

لما أغلقت الجمعية الثقافية 1994 وتمت الاعتقالات انتبه الناس للدعوة ورجعوا إلى مؤسساتها الأصلية المساجد وأصبح جميع الناس حماة للدعوة، فظهر كثير من الدعاة والعلماء ممارسين لها انطلاقا من واجبهم عندما رأوها مستهدفة، فكان ذلك خيرا للدعوة ، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .

وفي سنة 2003 أغلقت جمعية الحكمة وجمعيات أخرى وكانت الضربة أقوى لأن المعركة انتقلت إلى المساجد لكن نجاح الدعوة كان أقوى وكان الانخراط فيها أوسع ، فالدعوة كما يقال كالكرة بقدر قوة الضربة يكون الارتفاع ، كلما ضربة الدعوة أو ضيق عليها ارتفعت وانتشرت . تلك سنة الله (ولن تجد لسنة الله تبديلا).

وعندما أراد الله تعالى أن يرتفع شأن الدعوة ويعلو صيتها جمع قريش ما عندهم من قوة وتوجهوا لاستئصال الثلة القليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسمع الناس بهم وينتشر خبرهم._في زعمهم_ فكانت غزوة بدر الكبرى وانتصر المسلمون وارتفع صيت الدعوة في الآفاق وعلمت قبائل العرب فتطلعوا إلى الإسلام فكانت الغزوة فرقانا بين الحق والباطل.كما سماه الله تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)  وعندما قتل الملك الغلام ظلما وعدوانا قال الناس آمنا برب الغلام فكانت الأخدود التي سجلها القرآن فقال جل وعلا: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ).

فالحرب على الدعوة سبب الانتشارها وقوتها.

وفي هذه الأيام حضرت إفطارا في أحد المساجد كان يعمل في أحد فروع جمعية المستقبل قبل إغلاقها وكنا ندعو له الناس وما كان يحضره إلا ما بين خمسة إلى عشرة ونادرا ما يحضره خمسة عشر فردا وفي هذه اليلة امتلأ المسجد من الناس وحضر الناس للدروس المفيدة اللتي ما كان يحضرها إلا القليل، فالتفت إلي أحد المقيمين على فرع الجمعية وكان يستاء من قلة الحضور فقال: الحمد لله الذي أغلقوا الجمعية لنجد من يحضر لدروسنا المفيدة ويصوم معنا. 

وهذا ما يتميز به الدعاة إلى الله تعالى: يريدون الخير للناس عامة ويريدون الهداية لكل الناس كما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية الناس لدرجة الغم والحسرة على عدم اهتدائهم قال تعلى (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) وقال تعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) والنبي صلى الله عليه سلم قال عندما آذاه المشركون واستأذنه ملك الجبال أن يطبقها عليهم فقال (إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا). فأهل الدعوة يريدون الكثرة ولا يريدون القلة ويريدون البذل ولا يريدون الامساك عكس أهل الدنيا.

سجن الدعوة/محمد يسلم ولد محفوظ

السراج TV