وأقيموا الوزن بالقسط/محمد سالم القرشي
الخميس, 24 أبريل 2014 13:22

محمد سالم القرشيمحمد سالم القرشيتميزت الحقبة النبوية بمميزات عديدة منها أنها كانت تجربة تاريخية فريدة عكست جانبا مضيئا في تاريخ الحضارة في إدارة الدولة وسياسة البشرية حيث شيد النبي صلي الله عليه وسلم دولة علي أسس متينة وقواعد صلبة فمهد الأرض لبناء المؤسسات وأقام كيانا مستقلا للمسلمين في ظرفية زمانية وجيزة في مجتمع متعدد الأعراق متنوع الطبقات ولقد سلك النبي صلي الله عليه وسلم طرائق حيرت العلوق وأدهشت الألباء وأبهرت الحذاق وصارت  مصدر إلهام للدارسين ومن ذلك إرساء مبدإالعدل ومحاربة الظلم  وفق قانون محكم لا عوج فيه ولاأمتا مع أن لكل مقام معلوم ذلك أن الأمة الإسلامية مطالبة ومكلفة بتحقيق العدل في الأرض وأن تبني حياتها على أصول العدل حتى تستطيع وتتمكن من حياة كريمة حرة يحظى كل فرد في ظلها بحريته وينال جزاء سعيه ويحصل على فائدة عمله وكده.

فالعدل هو ميزان الله في الأرض "وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان".

وصف الله به كلمته وقضى به ونعت رسله وأمر به خلقه "يا داود إنا جعلنك  خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق".

به يأخذ الضعيف حقه وينصف المظلوم من الظالم ويعطي لصاحب الحق حقه: "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".

وهو قيمة منقوشة في أذهان العقلاء مركوزة لدى أصحاب الفطر السليمة محفورة في قلوب المنصفين.

وما من  أحد إلا ويطمع بالتخلق به وبإبراز قيمته.

ولقد تجلت مظاهر العدل لدى المسلمين إبان حكمهم في العهد النبوي والراشدي ومن تبعهم بإحسان فتمايز الناس وصار التفاضل على معيار الحق والعدل فتحررت البشرية من قيود الظلم والقهر فجاء النهي عن التمييز العنصري فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".

وندب للعتق ونهى عن الجور بين الأولاد ونالت النساء حريتهن ونسخ وأد البنات واستقبح وأمر بالقسط مع غير المسلمين "لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى".

وبين أن الرعية بين القانون سواء؛ لا يميز بين أقرب الناس إلى المسلمين وأبعدهم فغدا الناس يعملون وفق نظام عادل وتشريع فريد في التعاطي مع الناس.. "وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب وإن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلي يوم القيامة وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب".

بهذه القيم حكم المسلمون الدنيا ودانت لهم الرقاب وذللت لهم الصعاب ففي ظلال العدل يعم الأمن ويفشو السلام وتستقيم الحياة وتنهض الدول فهي تقوم على الكفر ولا تقوم على الظلم.

بالعدل تضيق الفجوة بين الغني والفقير والقوي والضعيف والأبيض والأسود.

بالعدل يحس الإنسان بإنسانيته بوجوده بكيانه بهويته ومستقبله؛ لذلك نجد أن كل مناحي التشريع الإسلامي مناطة ومرتبطة بتحقيق العدل في نظام الإدارة والحكم والقضاء والأسرة والاقتصاد والسلوك والاجتماع والمعاملات.

ومنه جاءت النصوص مستفيضة في الحث عليه والأحاديث فيه مشهورة ومصادر السيرة طافحة.

ومراجع التاريخ حافلة  بشواهد مراعاة العدل في الشريعة الإسلامية وترجمة المسلمين لها وتحقيقها فترة حكمهم على مر العصور المنصرمة والسنوات الماضية "إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن  وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا".

ومن جملة الأسس التي أرسى عليها المسلمون قواعد العدل وعملوا على تجسيدها كثيرة نذكر منها:

-  الإنصاف لقد رسم المسلمون خلق الإنصاف في قضائهم وتعاملهم مع بني جلدتهم وغيرهم "لوأن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" فبالإنصاف يشعر الفرد والمجتمع بالأمان فهو خلق رفيع وأدب جميل ومطلب كريم ومبتغى عزيز.

-  مبد أ الكرامة والأخوة حيث حقق المسلمون لكل فرد الحق في كرامته وسمعته وعائلته فكانت راسخة الجذور  في الأنظمة المعمول بها لدى المسلمين ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا"، فكانت الكرامة في القوانين الاسلامية للشخصية الانسانية تشمل الحماية والحصانة حتي مع غير المسلمين كالذميين والمعاهدين وفق شروط وضوابط بينها التشريع الإسلامي.

-  حق الفرد فلقد اهتم الاسلام بحقوق الانسان وكفلها له وجعله مدار التكليف فأعطاه الحرية الشخصية في التصرف في شؤونه في كل ما يتعلق بذاته آمنا من الاعتداء عليه في نفسه أو عرضه أو ماله علي ألا يكون في تصرفه عدوان علي غيره.

من أجل تحقيق هذا المفهوم كان المسلمون يملكون إحساساعميقا في علاج مشكلات زمانهم باستقامة واتزان وإنصاف ووسطية واعتدال من غير غلو ولا تفريط لذلك أثبتوا علي مر العصور أنهم أصحاب قيم ورسالة رغم تنوع المعايير بضرورة إيجاد معيار أسمي للعدل والعمل علي تحقيقه تماشيا مع المراحل والأحقاب  والازمنة التي عاشوها فلا سبيل إلي الاستقرار إلا بالرجوع إلي نظام العدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين.

وأقيموا الوزن بالقسط/محمد سالم القرشي

السراج TV