الجمعة, 24 أكتوبر 2014 11:39 |
إن الدعاء كغيره من العبادات ، عبادة مستقلة ، ينبغي التقرب به إلى الله ـ عز وجل ـ ، وأداؤه في كل الظروف والأحوال والأزمنة والأمكنة . وإن تأكد في بعضها ، فإنما هي لفتة لمكانته وعظيم فائدته ، كتكرار الصلاة في اليوم الواحد ، فهل يغني ذلك عن أي منها ؟ أم يؤكدها ؟
وهو ما أشار إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال : ( الدعاء هو العبادة ) ، ويتضح ذلك جليا حين تتأمل دعاءه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فكما كان يطلب من صلاته .. الاستقامة و الخضوع ، طلب ذلك من دعاءه ، فقال : ( اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك .. ) وقال : ( اللهم لك سجدت ، و بك آمنت ، ولك أسلمت ، أنت ربي خشع لك سمعي ، وبصري ، ومخي ، وعظمي ، وعصبي ... ) .
وكما كان يطلب من الصوم : الصبر والتحمل ، والرقة .. كان يقول : (... لك العتبى حتى ترضى .. ) ، ( اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك ... ) ، (.. اللهم إني أعوذ بك من عين لا تدمع ، و من قلب لا يخشع ... )
وكما يسلم عقله ، لأوامر الله ـ عز وجل ـ في الحج ، فيهرول بين الصفا والمروة ، ويقبل الحجر الأسود ، كان صلوات الله وسلامه عليه ، يلهج بالدعاء : ( اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذ الجد منك الجد ) .
ولئن حارب البخل والفقر بالزكاة و الصدقة ، فقد كان من دعائه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل )
ومنه ( اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار ... وشر فتنة الغنى ،و شر فتنة الفقر .. )
و أبلغ منها حين تجده متشبثا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل وخلال وبعد كل عبادة بالدعاء ، وكأنها مهما كانت .. لا تتم و لا تكتمل ، حتى يسبقها ، ويتخللها ، ويعقبها ، فهو سوار زينتها ، و سورها الواقي ، وطوق نجاتها .
ولعل في قراءتك : "فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء" للشيخ محمد الغزالي ما يوضح ذلك جليا ...
ـ الدعاء "مخ العبادة ".. ، ورقي بالعادة..
.. فكما يمد المخ الجسم بقيمة غذائية عالية ، تحموا حرارة اللقاء بالله ـ عز وجل ـ ، والالتجاء إليه بالدعاء . معطيا للعبادة طعمها الحق ، ويحيلها من حركات ميتة : إلي نشاط نابض بالحيوية ، والإنجاز .
وهو كذاك رقي بالعادة ، فحينما تتتبع دعاء المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عاداته : كالنوم والمأكل و المشرب والملبس والسفر.. تجده ـ صلى الله عليه وسلم ـ انتقل بها من صفوف ممارسة عادية ، وضرورية ، إلى عبادة تذكر بالله ـ عز وجل ـ .. ويرتفع بها درجات ...
وكلما كان الدعاء أقرب إلى معنى العبادة .. منه لوسيلة عادية للحاجة المطلوبة ، كان حريا به أن يجاب .
ولذا ما دعا مؤمن بدعوة ذي النون إلا استجيب له، وهي كلها عبادات .. (توحيد وتنزيه وتوبة ) : ( ... لا إله إلا أنت سبحنك إني كنت من الظالمين )
ألا إن الذلة أمام الرحمن الرحيم عزة ، والصغار لذي الجلال والإكرام هيبة ، و التعلق بالواهب ، الحي القيوم ، عطاء ومنعة .
ـ قبس عمري ...
(... إني لأحمل هم الدعاء ، ولا أحمل هم الإجابة ... ) ،بهذه الكلمات الموجزة ، أرشدك عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إلى سر من أسرار إتقان هذا الفن .
والذي يكمن في الصبر عليه .
فليكن شغلك .. هل أخلصت ؟ هل أتعبك الإلحاح ، وخنقتك العبرة ، وما استطعت كتمان شهقة ، و سالت دمعة من دون تكلف ؟
أما ما يبشرك به المربون من سرعة الاستجابة و الطمأنينة و الراحة والحب والعطاء... فلا يهمك .
أخلص ، واتعب ، وكرر ... واسند ـ بعد ذلك ـ مرادك إلى عكاز الأمل ، شاخص البصيرة .. لا البصر ، خوفا من أن لا تقبل...
ثم انتظر هناك ما امتد الزمن ...
فلتعلمن بأن ربك واهب ....... يهب العطايا للضعيف المذنب
نقلا عن صفحة محمد الزين آل الدعوة على الفيس بوك
|