جلساء لا يمل حديثهم.../الشيخ محمد ولد حمين
الأحد, 23 نوفمبر 2014 17:15

هذه تدوينات متفرقة كتبت في أوقات متفاوتة ونشرت على هذا الفضاء أردت جمعها في هذا المقال -بطلب من الإخوة في موقع السراج الدعوي -والجامع بين هذه التدوينات على اختلاف مجالاتها هو عظمة تراثنا الإسلامي اللتي تجعل المطلع فيه يشعر بالخجل من نفسه عندما يقرأ لأولئك العظماء الذين كانت تعوزهم الوسائل ومع ذلك بنوا ذلك الصرح العلمي العظيم

 

1- وفوق كل ذي علم عليم :
تستوقفك مواهب الله وأرزاقه في الفهم والحفظ حين تقف على سطور يسيرة من مجالس العلماء ومناظراتهم وأكتفي بالإشارة إلى مثالين مختصرين
الأول : ذكره الحافظ ابن حجر في (فتحه ) حين قال :
" ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعا (( من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله )) وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية فدل على أن العدد المذكور لا مفهوم له وقد ألقيت هذه المسألة على العالم شمس الدين بن عطاء الرازي المعروف بالهروى لما قدم القاهرة وادعى أنه يحفظ صحيح مسلم فسألته بحضرة الملك المؤيد عن هذا وعن غيره فما استحضر في ذلك شيئا ثم تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك فزادت على عشر خصال "
والثاني : ما ذكره الإمام ابن كثير في ( البداية والنهاية ) عن مناظرة صفي الدين الهندي لشيخ الإسلام ابن تيمية فقال :
( وحضر الشيخ صفي الدين ، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاما كثيرا ،ولكن ساقيته لاطمت بحرا )
وفي الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وإنما أنا قاسم والله يعطي "
2- في دار الهجرة = عطر التأسي والقبول :
في ظل التدفق الهائل والميسر لشتى حقول المعارف الإنسانية ، يظل التأسيس المتريث معلما أساسيا في طريق وراثة الأنبياء ، يلوذ به أصحاب الجلد والصبر من طلبة العلم كلما سمعوا إمام دار الهجرة يروي حروف المعاناة في ( ترتيب المدارك ) ناصحا لبعض بني أخيه بقوله :
" إن أحببتما أن ينفعكما الله بهذ الأمر ( أي العلم ) فأقلا منه وتفهما فيه "

قال مالك : ما أحد ممن نقلت عنه العلم إلا اضطر إلي حتى سألني عن دينه
قال سعيد بن منصور : رأيت مالكا يطوف وخلفه سفيان الثوري يتعلم منه كما يتعلم الصبي من معلمه ،
ولما روى مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهادي رحل إلى يزيد قريب من ألف راحلة
قال ما هذا ؟ قيل له إن مالكا روى عنك
قال ابن المعدل : قيل لمالك إن قريشا تقول : إنك لا تذكر في مجلسك آباءها وفضائلها
فقال مالك : " إنما نتكلم فيما نرجوا بركته "
قال ابن المبارك : رأيت مالكا فرأيته من الخاشعين وإنما رفعه الله بينه وبينه
وذلك أني كثيرا ما كنت أسمعه يقول : " من أحب أن يفتح له فرجة في قلبه وينجو من غمرات الموت وأهوال يوم القيامة فليكن عمله في السر أكثر منه في العلانية ".
(ترتيب المدارك )
جاء في العتبية (قال وسمعت أشهب يحدث قال :
ما رأيت مالكا قط رافعا بصره الى امرأة وما هو الا ناكس هكذا اذا أتته امرأة تسأله
وما رأيته قط رافعا بصره الا مرتين في سوداوين إحداهما امرأة خلف ابن عمر وكانت سوداء أرسلتها مولاتها في شيء ، وامرأة أخرى سوداء كبيرة أتته وهي ترعد قالت : يا أبا عبد الله إن صاحبي او قالت ابني استرفعني دراهم فكانت إلى جنبي فنمت ثم قمت أكنس البيت فإذا بها فأخذتها فجعلتها تحت الحصير فأتاني بعد ذالك فطلبها مني فقلت ما دفعت إلي شيئا فقال :بلى والله ، فقلت : لا والله ما أخذتها منك ، فقال بلى فقلت : علي المشي إلى بيت الله ثم ذكرت ما كان
فقال لها مالك : عليك المشي فامشين
فقالت : يا أبا عبد الله ما أقدر ، قال : تركبين وتهدين
قالت : يا أبا عبد الله ما أقدر على شيء قال وهي في ذلك فزعة ترعد
فرأيت مالكا صعد فيها البصر وردده فقال : اذهبي فليس عليك شيء فلما أدبرت
قال مالك : لئن دخلت هذه الجنة ما ضرها سوادها شيئا هذه في سوادها وحالها خائفة وجلة مما وقعت فيه ، وأخرى أهيأ منها وأنطق وأعقل وأعرف منها لعلها لا تخاف ما خافت هذه
لئن دخلت هذه الجنة ما ضرها سوادها.
3- فقه نفيس للغزالي :
تظل صولة حجة الإسلام ( الغزالي ) في معرفة دروب النفوس وأدوائها غالبة بلا منازع ،
وما عليك إلا أن تسير في ظلال ( ربع المهلكات ) من (الإحياء) لتبصر عمق الجراحات التي أصابت العبّاد في مقتل ، وعدد المراكب التي انهارت بأصحابها على مقربة من شاطئ الأمان
في الطريق أدعياء كثر لمنازل العلم ،والإيمان والسلوك ، ولكن (حجة الإسلام ) -رحمه الله- في الإحياء ينفي خبث الادّعاء لينصع طيب المقام بقوله " وما أسهل الدعوى وما أعز المعنى "
4- رؤيا سياسية :
ذكر العلامة الشيخ محمد الأمين بن مزيد في كتابه المفيد(المقتطفات النافعة من ثمار المطالعة ) الذي طبع حديثاً نقلا عن (شذرات الذهب ) :
أن بعضهم قال لمحمد بن سيرين : رأيت حمامة بيضاء حسنة ، على سرادقات المسجد ، فجاء صقر فاختطفها ، فقال ابن سيرين : إن صدقت رؤياك تزوج الحجاج ابنة جعفر الطيار ،فلما تزوجها قيل لابن سيرين من أين أخذت ذلك ؟
قال : الحمامة امرأة وبياضها حسنها ، والسرادقات شرفها ، فلم أر بالمدينة أنقى حسبا ولا أشرف من ابنة جعفر ، والصقر سلطان غشوم ، فلم أر أغشم من الحجاج .
5- وزارة وعلم :
طبع حديثاً كتاب (الإفصاح عن معاني الصحاح ) للوزير العالم ابن هبيرة المتوفى سنة ٥٦٠ وهو شرح موجز بديع لكتاب الحميدي ( الجمع بين الصحيحين)
يستوقفك فيه فقه الوزير، وعلو كعبه في مجال التدبر والاستنباط، مع إيجاز مفيد وسهولة في العبارة والأسلوب
كما يستوقفك ما كان عليه الأولون من شمول معرفي في حقول الشريعة مع بركة في الوقت وعدم استسلام للمشاغل والظروف المعيقة
فقد تقلد الوزير الصالح الوزارة من طرف الخليفة العباسي (المقتفي لأمر الله ) فسعى للإصلاح ورد المظالم وإقامة سنن العدل ، ولم تشغله الوزارة وهمومها عن الضرب مع العلماء بسهم وافر، من خلال مداده المبارك ، وقد مات مسموما في قصة عجيبة، عرض لها ابن الجوزي في كتابه (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) وقد كان أحد مغسليه ،رحم الله الجميع
وأختم بشهادة شيخ الاسلام حين قال ( وكان ابن هبيرة من أمثل وزراء الإسلام )

6- مداد الزيتونة  تحرير للعقول وتنوير للبصائر : 

(فجعلت حقاً علي أن أبدي في تفسير القرآن نكتا لم أر من سبقني إليها ، وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة لها وآونة عليها ؛ فإن الاقتصار على الحديث المعاد تعطيل لفيض القرآن الذي ماله نفاد
ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين : رجل معتكف فيما شاده الأقدمون ، وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون ، وفي كلتا الحالتين ضر كثير ) العلامة الطاهر بن عاشور
 

جلساء لا يمل حديثهم.../الشيخ محمد ولد حمين

السراج TV