في منبر الجمعة : وقفات مع الفكر السياسي الإسلامي
السبت, 17 مايو 2014 14:12

في منبر الجمعة : وقفات مع الفكر السياسي الإسلاميفي منبر الجمعة : وقفات مع الفكر السياسي الإسلامياستضاف منبر الجمعة بمسجد الذكر بتنسويلم هذا الأسبوع المفكر والسياسي محمد جميل منصور في حديث عن الفكر السياسي في الإسلام تناول فيه أربعة محاور: علاقة الدين بالسياسة والشريعة والشرعية والموقف من الخروج على الحاكم ثم مكانة العدل كأحد مبادئ الحكم في الإسلام .

الدين والسياسة أي علاقة ؟

في المحور الأول بين الأستاذ جميل أن العلاقة بين الدين والسياسة على خلاف ما يذهب إليه العلمانيون أو دعاة الفصل بينهما ومن لا يرون في الدين حلا لمشاكل السياسة -هي علاقة أصل بفرع أو أساس بحارس على لغة الإمام الغزالي عندما يقول إن الدين أصل والسلطان حارس له وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع وبالتالي فالسياسة تابعة للدين ومنفذة لجزء منه، من تنظيم الجيوش وإقامة الحدود وتدبير الشأن العام وإقامة العدل ..الخ والرافضون لحكم الشريعة أو ما أنزل الله مترددون بين الكفر والظلم والفسق

 

ومع ذلك فالشريعة لم تترك منطقة عفو كما تركتها في جانب السياسة حيث أجملت في شأن قواعد بناء النظام السياسي وطرق قيامه ونظام العزل والتعيين وهو ما تؤكده الممارسة العملية من خلال أشكال اختيار الخلفاء الراشدين والتي اجتمعت في قاعدتين :

اختيار الأفضل وقاعدة القبول من طرف المسلمين .

ومرد هذا الإجمال في شأن الدنيا أو السياسة والتفصيل في شأن العبادات أو الدين هو طبيعة كل منها فالأصل في أمور الدين الثبات وفي العادات التغيير والتجدد وبعض الفقهاء فرق بين سياسة الدين وهي ما أدى إلى قيام الفرض وسياسة الدنيا وهي ما أدى إلى عمار ة الأرض ومن ترك الفرض ظلم نفسه ومن ترك عمارة الأرض ظلم غيره.

ومن ذلك أيضا يقول الأستاذ جميل إن مصالح الآخرة لا تعرف إلا بالشرع ومصالح الدنيا معروفة بالتجارب والعادات ومن هنا جاءت سعة الوعاء الفقهي كما يؤصل الإمام الشاطبي في موافقاته يؤصل النظر إلى العبادات والعادات بقوله إن الأصل في العبادات التقييد فلا يقدم عليها إلا بإذن والأصل في العادات الالتفات إلى المعاني والمقاصد.

كما يؤصل الدعاء المأثور لهذا التفريق بين الدنيا والدين "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي آخرتي التي فيها ميعادي وهي قاعدة تفرق ولا تفصل فميدان السياسة تقديري وفيه سعة للاجتهاد كما قال إمام الحرمين "فمعظم مسائل الإمامة عرية عن مسلك القطع حلية عن مدراك اليقين " فالنصوص متناهية والأحداث والوقائع غير متناهية .

فالدين يشمل السياسة وغيرها والتمييز حاصل منهجيا فقط كما يقول الإمام بداه رحمه الله "دين بلا سياسة لا يستقيم وسياسة بلا دين عار الدنيا ونار الجحيم " وهناك قاعدة تغيير الفتوى بتغيير الأزمنة والأمكنة.

الشريعة والشرعية

وفي المحور الثاني فرق الأستاذ جميل بين مفهومي الشريعة والشرعية ما دامت الأولى هي كل الإسلام وليس الحدود فقط وكما تتكئ بعض الأنظمة التي ترفع شعار تطبيق الشريعة فالشريعة كل لا يتجزأ كما في حديث الإيمان بضع وسبعون شعبة ...الحديث فهو شمول ممتد من العقيدة إلى إماطة الأذى مطلقا سواء في الشارع أو البرلمان أو الوزارة أو في المجتمع ..الخ.

وبين الاستاذ جميل إنما شرعت العقوبات لدفع جرائمها والتي لا يمكن دفعها إلا بهذا الرادع الصغير فالشريعة جاءات لتعدل وتعاقب من خرج على العدل والإنصاف والاستقامة .

كما ينبغي التفريق بين مصدر الشريعة الذي هو الوحي وأحكامه ومصدر الشرعية الذي هو الناس والرعية، فلا تنعقد الإمامة إلا ببيعة المسلمين " فمصدر الشرعية اختيار الناس ويكون الحاكم شرعيا عندما يطبق شرع الله فيجمع بين الشرعية والشريعة.

 

الخوف من الخروج

وحول المحور الثالث قال الأستاذ جميل إن العلاقة بين الحاكم والمحكوم وضعت ضوابطها خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد توليه الخلافة "والتي جاء فيها إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني ، الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه ..وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا وما تشيع الفاحشة في قوم إلا ظهرت فيهم الأمراض والاوجاع التي لم تكن في سلفهم .."

تلك الخطبة التي قرأ فيها الأستاذ جميل دلالات خاصة من أبرزها :

-تشريع المعارضة :"إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني "

-أن ضابط القوة هو القوة المعنوية وليس قوة المال أو النفوذ

–مسؤولية الدولة عن الجهاد والتصدي للجرائم الأخلاقية

-أن طاعة الحاكم منوطة بطاعته لله في حقوق الرعية وليست طاعته لله في نفسه بل بالسعي في مصالح العباد وما يرتقي بأحوالهم.

والخطبة أول عقد بين الحاكم والمحكوم

وبشأن جواز الخروج على الحاكم الفاسق وما استقر من وجود رأيين أحدهما يجيزه والآخر يحرمه لما قد يترتب عليه من فتنة وسفك للدماء قال الأستاذ جميل إن الجمع بين الرأيين ممكن عند النظر إلى مقاصد الشريعة وغايتها حيث يمكن تفسير الطاعة الواردة في نصوص أنصار الرأي المانع بالطاعة الاضطرارية، وليس الطاعة المطلقة التي هي مفسدة مطلقة.

ففي الحديث وأن لا ننازع الأمر أهله حيث جرى ربط الأمر بمصدر الشرعية وليس الحاكم فاقد الشرعية فهو ليس من أهله.

والقول الوسط هو رفض الخنوع والسكوت وكذا رفض الخروج مع العمل على قول الحق والصدع به والثبات عليه "سلميتنا أقوى من الرصاص"

فما بين الخروج والخنوع يكون قول الحق والثبات عليه فالخروج يؤدي لضياع الأمة ، والخنوع يؤدي إلى ضياع الملة"

وبين الاستاذ جميل إن مقولة :"سلطان غشوم خير من فتنة تدوم " قول مجتزأ من سياقه فأصل المفاضلة أن سلطان عادل خير من مطر وافل.."

وتناول المحاضر ما سعى إلى تقريره علماء السلف في علاقتهم بالحكام وما أظهروا لهم من عزة الجانب وقوة في الحق، وشجاعة في الموقف مستدلا بمواقف لعملماء كسفيان الثوري وأبي حنيفة والتابعي طاووس وفي العصر الحديث محمد عالي ولد عدود وبداه ولد البصيري.

فسكوت العلماء عن قول الحق بسبب الطمع أو الخوف ففساد الملوك بفساد العلماء وفساد العلماء بحب المال والجاه كما يقول الإمام الغزالي.

العدل أساس الملك

وفي المحور الأخير تحدث الأستاذ جميل عن العدل كقيمة ومقصد كبير من مقاصد الشرع وأحد مبادئ الحكم في الإسلام وساق قول الإمام ابن تيمية "إن الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا يقيم الدولة المسلمة إن كانت ظالمة"

ذلك أن جماع الحسنات العدل وجماع السيئات الظلم، موضحا أن الغرب إنما سبق بالأخذ بهذه القيمة وبإتقان العمل والوفاء وهي قيم أخلاقية نحتاج إليها في مجتمعاتنا المسلمة وليس بالتقانة والتكنولوجيا فقط .

فاسعد الولاة من سعدت به رعيته وأشقاهم من شقيت به رعيته " وكما كانت وصية عمر بن عبد العزيز لواليه في اليمن حصنها بالعدل .وخلص المحاضر إلى ما استقر من تقسيم أنظمة الحكم إلى :دولة الشريعة، ودولة الطبيعة(دولة الاستبداد)، ودولة العقل مطالبا –على رأي راشد الغنوشي بالتقدم خطوة نحو دولة العقل إذا لم ننجح في إقامة دولة الشريعة.

في منبر الجمعة : وقفات مع الفكر السياسي الإسلامي

السراج TV