الأسرة المسلمة والبعد الرباني/المفيدة بنت سيدي المختار
الثلاثاء, 17 ديسمبر 2013 02:51

altaltينعم المؤمن- دون غيره- بسعادة تسكن قلبه وهو يبحر في هذا الكون العميق ببصيرة ثاقبة وتصور شامل لأسرار الحياة ونواميسها, فيكتشف في كل مرحلة من مراحلها آيات جُلى تزيده إيمانا وتشعره بعظمة نهجه الذي سلك .

ولأن هذا النهج شامل متكامل نلاحظ تسلسل حلقاته بدئابالفرد فالأسرة فالمجتمع فالأمة, في نظام محكم لا حيف فيه ولا تطفيف .

وتعتبر الأسرة الركيزة الأولى للحياة حيث ارتبطت نشأتها بأول وجود بشري على وجه الأرض , فأول أسرة في التاريخ كانت أسرة أبينا آدم عليه السلام, وهو الذي اختاره الله تعالى للخلافة في الأرض, في إشارة إلى الغاية العظمى من هذا الوجود وهي عبادة الله تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون...} الذاريات 56 .

ثم إن التصور القرآني للعلاقة الزوجية يمنحها الصبغة الربانية والبعد العبادي حين يربط بين قرة العين والمتعة وبين إمامة المتقين, عند دعاء عباده المستبصرين {ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}الفرقان 74؛ فهي سعادة لا تكتمل إلا بالإيمان, بل بإمامة المتقين.

ذلك التقوى يحث الله عباده عليه وهو يذكرهم بأصل الخلق {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء و اتقوا الله  الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} النساء 1.

 ولحكمة بالغة أراد الله لهذه العلاقة أن تكون سكنا وسترا, ومودة ورحمة وذلك زيادة في تقوية حبال الألفة بين أفرادها, وتعاونا على تحقيق المقاصد الشرعية منها {هن لباس لكم و أنتم لباس لهن }البقرة 187, فالأسرة التي تربي الأجيال وتبني القيم تحتاج إلى ما يعينها على التماسك والتلاحم من أسس للاستقرار والاستمرار, وما أودع الله في العلاقة الزوجية من حب ودفء وارتباط بمصير مشترك, يجعلها قادرة على القيام بوظائفها التربوية والدينية وأدوارها الاجتماعية والاقتصادية، حين يشعر أفرادها بالاطمئنان النفسي والعاطفي في ظل قيم العدل والعفاف, (فالعلاقات المحرمة ممزوجة بالخوف والقلق وسوء العاقبة.. بينما علاقات الأزواج ساكنة منسجمة) الزواج في الإسلام ص: 26 .

 

وهنا نجد التصور الإسلامي للأسرة يرتقي بمفهومها من ظاهرة اجتماعية مألوفة إلى وظيفة رسالية تتحد جميع مقوماتها  التربوية والعاطفية والاجتماعية في سبيل عمارة الأرض, ونيل مرضاة الله حين يكون المصير المشترك سعادة أبدية {ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون} الزخرف70.

فلا نجد مرحلة من مسيرة الأسرة في الإسلام إلا وتِؤسس للتي بعدها في بعدها الرباني, فحسن الاختيار سبيل إلى حسن الصحبة, والتربية الصالحة سبب في صلاح المجتمع والأجر المستمر حتى بعد الرحيل عن هذه الدنيا, وحين يجتهد الوالدان على استقامة الأبناء   و(كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)   [صحيح البخاري]. نجد الثمرة الطيبة أينعت و فاحت بالدعاء الخالد {..وقل رب أرحمهما كما ربياني صغيرا}ا لإسراء 24.

 

 

 

 يتواصل.............

 الأسرة المسلمة والبعد الرباني/المفيدة بنت سيدي المختار

السراج TV