ماذا يعني ناقصات عقل ودين.. هوامش بيانية/د.التراد ولد محمدو
الأحد, 06 أبريل 2014 11:13

د.التوراد ولد محمدود.التوراد ولد محمدوقد يشكل ظاهريا على الكثير من متتبعي واقع المرأة في ظل الإسلام مسألة النقص الواردة في الحديث الشهير الذي رواه بن عمر وأبو سعيد وبن مسعود كما عند الدارمي وغيره "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس ذات يوم فقال يا معشر النساء تصدقن وأكثرن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقامت امرأة جزلة فقالت لم يا رسول الله؟ فقال تكفرن العشير وتكفرن الإحسان، فلو أحسن إلى إحداكن الدهر كله، فرأت منه شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط، ثم قال إنكن ناقصات عقل ودين، فسألته أيضا فقال أليست شهادة امرأتين منكن تساوي شهادة رجل، أليست إحداكن  إذا حاضت لا تصلي".

هذا الحديث الشهير في بابه يقف عند دلالاته العديد من المهتمين ، فهناك من تتبع الإسناد وهناك من خاض في المضمون وتأويلاته المختلفة، وذلك لما يبدو تعارضا دلاليا ، لوجود أدلة أخرى ومواقف لا تبدو ظاهريا متسقة مع ما ورد هنا في الحديث، فلا ينبغي التمسك بنص مع وجود نصوص أخرى دون محاولة الجمع، وسأحاول هنا الخوض بملاحظات واردة على الموضوع ومن أبرزها:

1-              هناك من يرى أن الحديث المذكور ورد في خاص وفي نساء معينات بدليل "منكن" الواردة في النص، وعلى هذا التأويل فلا يتناول الحديث كل النساء.

2-              أن الحديث المذكور فهم في غير سياقه وليس فيه لبس يستدعي كل هذا الجدل والقلق، فليس فيه ما يمس من كرامة المرأة، فالحديث عن النقص في جانب لا يعني النقص في جوانب أخرى ، والحديث تحدث بالأساس عن جانب الشهادة التي ليست من أولويات المرأة حتى تكون يقظة في أمرها وضبطها، ومعلوم أن مناط الشهادة مرتبط بالأساس بالتيقظ والانتباه والعدالة.

3-              أن الآية القرآنية الواردة في شهادة الأموال عللت الموضوع بما لا يدع مجالا للشك "فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى"، فسبب هذا الإسناد الخشية من عدم الانتباه والضبط، وليس تنقيصا من مكانة المرأة  وعدالتها كما يتوهم البعض.

4-              أن مذهب الجمهور في عدم قبول شهادة النساء في قضايا حساسة ومحددة كالقصاص والحدود والنكاح والطلاق، يعود إلى بعدهن عن هذه المسائل فلا يحضرن هذه الوقائع لذلك استبعدت شهادتهن، لكن الفقهاء قبلوا شهادة المرأة في كل ماله صلة بالنساء والقياس يقتضي قبولها في القضايا الأخرى فالمناط واحد.

5-              ثم إن الرجل أيضا ناقص في جانب، والإنسان لا يعاب بالقضايا الخلقية وإنما يعاب بماله فيه جهد ودخل، وحديث ناقصات هنا من باب حكاية الواقع في جانب يتعذر على النساء الضبط فيه لبعدهن عنه عكس قضايا النساء وماله صلة بهن.

6-              أنه بعودتنا إلى التاريخ الإسلامي ودور المرأة في المسيرة يتأكد أن مسألة النقص الواردة جزئيا في جانب من الشهادة ليست واردة على الإطلاق في مجالات أخرى، لما حفلت به السيرة من مواقف تفوقت فيها النساء على الرجال، ومن ذلك موقف أم سلمة الذكي الذي رأته في صلح الحديبية بعد عجز الصحابة عن بلورة رأي سديد ينقذ الموقف الخطير، وقريب من ذلك قصة المرأة التي سمع الله قولها ومجادلتها للنبي صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات، وكان ذلك بأسلوب ذكي يقدر الموقف ويستبطن الخشية من مستقبل مجهول على  الأسرة والبيت، وبسببها كان التشريع في مسألة الظهار، ومن ذلك أيضا موقف المرأة التي استوقفت عمر بن الخطاب في قضية المهر ونزل عمر عند رأيها وهو يقول أخطأ عمر وأصابت امرأة وقد أمدتنا كتب التاريخ بنساء رائدات في الرواية والفقه  والورع وغير ذلك.

7-              أن صاحبة الحوار والسؤال في الحديث المثير كان امرأة خرجت من الناس تستشكل الموضوع، في ضوء ما عرفته  وعايشته من تكريم وتقدير للمرأة في الإسلام، وهو أسلوب حكيم لإبعاد الفهوم السقيمة، وكان أثره واضحا في الجواب النبوي الذي حكى الواقع وقصر النقص في العقل في باب الشهادة وبعلة واضحة مفهومة، والدين في نموذج  وصفي لواقع لا غير.

8-              ثم إن قبول رواية النساء لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في أمر عام على ما فيه من أهمية وخطورة يتطلب بالأحرى قبولها في باب الشهادات التي هي في موضوع خاص ومجال خاص، وليس هناك ما يمنع ذلك إن وقع الإسناد النسائي.

9-              أن الرضى المذكور في الآية "ترضون" يعني الميل العدلي وصفة العدالة وهي غير منفية عن المرأة بتاتا ولا يتصور ذلك إلا بقرائن الإثبات، ويستوي في ذلك الرجال والنساء عند التثبت.

10-         وردت آيات صريحة وعامة في موضوع الشهادة من قبيل قوله تعالى "يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط" وهو عام في الرجال والنساء وغيرهم، وكذلك قوله تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريئة" فمن  كانت تلك صفاته نال صفة الخيرية الموجبة للرضى المطلوب في الشهادة، ويتساوى في ذلك الذكور والإناث.

وقد أوردت تلك الملاحظات والوقفات البيانية في محاولة لفهم النص الحديثي في سياقه وسعيا إلى تفنيد تلك القراءات القاصرة والتفسيرات أو التأويلات غير البريئة أحيانا لموضوع لم يكن سوى توصيف لحالة معينة ، وهنا تبدو القراءات المتسرعة لفحوى النص الحديثي سببا رئيسا في الفهوم الخاطئة عند البعض التي تناقض التصور الإسلامي وتتجاهل ربما عن قصد شواهد حافلة في التاريخ تقدمت فيها المرأة على أخيها الرجل في الرأي والمشورة والرواية.

 

 

 

  

      

ماذا يعني ناقصات عقل ودين.. هوامش بيانية/د.التراد ولد محمدو

السراج TV